لم يكلّف الجيش الإسرائيلي نفسه بإشعال عود ثقاب جديد، وإنّما فقط مدّ يده إلى أيّ جوار من بلاد الجور حول غزة، واقتبس من نيرانها نارًا، وأشعل من جحيمها جهنم.
لم يكن الاحتلال ينتظر "طوفان الأقصى" لينكّل بغزّة ويحاول إلقاءها في البحر، تلك الخطّة كانت عنده منذ زمن طويل، ولولا مباغتة غزّة له لكان هو من بدأ بالمباغتة.
وصلنا إلى يومٍ تتحوّل فيه كلّ بقعة ناصرت غزّة إلى غزّة أخرى، فباتت مخيّمات الضفة مليئة بالجرافات، وأصبح لبنان يقصف يومياً لأنه ساند المقاومة ولم يتركها وحدها
أيّها الشتاء العزيز، لقد نقص التعداد عن العام الماضي خمسين ألفاً، وهؤلاء الأطفال الذين كانوا يحفظون أغانيك وتحفظ أغانيهم لحظة هطول المطر، لم يعودوا موجودين.
عشرات الآلاف ممّن لم يروا نور الشمس منذ أيّام وأشهر وسنين، ودخل بعضهم في العقود، يسجنهم وغدٌ مجرم، يجلس فوق صدورهم كسرطانٍ في الرئة، فيضيّق نفوسهم وأنفاسهم.
هم أصل الحدث، وصانعوه، وأسياده، وأشاوسه، لا يقابلون الله بكرامةٍ واحدة، ولا بتضحيّةٍ واحدة، ولا بثمنٍ واحد، آبين إلّا أن يدفعوا الأثمان كلّها دفعة واحدة.
ما زال أهل قطاع غزّة، رغم بتر أقدامهم وسواعدهم ونحر أعناقهم، واقفين يؤدّون أعظم مشاهد الكرامة والشرف في تاريخ هذه الأمّة الخانعة والمتواطئة، ولو صمتًا.