الساحل السوري... ضحية أم فتيل؟

08 مارس 2025
+ الخط -

لا شيء أكثر مرارةً من أن تعيش الحرب مرتين، مرّة حين تندلع، ومرّة حين ترفض أن تنتهي! ما يحدث اليوم في الساحل السوري ليس مجرّد اضطرابات عابرة أو اشتباكات متفرقة، بل هو امتداد لصراعٍ طويلٍ بين من يريد طي صفحة الماضي، ومن لا يزال متمسّكًا بها، حتى لو احترقت البلد.

في يومي السادس والسابع من مارس/ آذار الجاري، كان المدنيون في طرطوس، بانياس، واللاذقية شهودًا على فصلٍ جديد من الفوضى. ولكن، في هذه المرّة، لم يكن الصراع بين طرفين متعارضين بوضوح، بل بين أشلاء نظام قديم يُقاتل لاستعادة نفوذه، وحكومة انتقالية لم تستكمل بعد بناء شرعيتها، وبينهما شعبٌ مُنهك يدفع الثمن. 

ما الذي حدث في الساحل السوري فعلًا؟

في 6 مارس/ آذار، شهدت قرى اللاذقية على الساحل السوري مواجهات مسلحة بين قوات الأمن ومجموعات مسلحة مرتبطة بفلول النظام السابق، أسفرت عن عشرات القتلى والمصابين، وهذه ليست مجرّد اشتباكات، بل هي علامة على أنّ هناك من يرفض الاعتراف بأنّ الزمن قد تغيّر، وأنّ الشعب السوري بكلّ مكوّناته يريد الخروج من هذه الدوامة الدموية، ثم جاءت استجابة الحكومة الانتقالية بقوّة، وسط تصاعد الدعوات لتسليح السكان لحماية أنفسهم.

هذه ليست مجرّد اشتباكات بل علامة على أنّ هناك من يرفض الاعتراف بأنّ الزمن قد تغيّر

وفي خلفية المشهد، أُعلن عن تشكيل لواء بقيادة عسكرية من النظام السابق، بهدف محاربة الحكومة الجديدة واستعادة السيطرة على المنطقة. وهذا اللواء لا يمثّل سوى محاولة أخرى لإبقاء الساحل السوري رهينة لمعادلات القوّة القديمة، متجاهلًا أنّ أهله لم يعودوا يطمحون سوى إلى حياةٍ آمنة، بعيدًا عن صراعٍ لم يعد يعنيهم.

معاناة لا تحتاج إلى أسماء  

عندما نقرأ الأخبار، قد تبدو الأرقام مجرّد إحصائيات، لكن خلف كلّ قتيل عائلة، وخلف كلّ اشتباك هناك منزلٌ يُهدم، وطفلٌ يخسر أمانه، الحرب ليست مجرّد معارك، بل هي ندوبٌ تتركها في النفوس قبل الجدران.

ما الذي يربحه هؤلاء الذين يرفعون السلاح باسم "استعادة الحقوق" أو "التصدي للنفوذ الجديد"؟ هل سيعيدون القتلى إلى الحياة؟ هل سيمنحون الأطفال مستقبلًا أكثر أمانًا؟ أم أنّهم، كغيرهم ممن سبقوهم، سيتركون المدينة جرحًا مفتوحًا لا يندم؟  

الحرب ليست مجرّد معارك، بل هي ندوبٌ تتركها في النفوس قبل الجدران

هل من مخرج؟ 

إنّ المعركة الحقيقية ليست بين "المنتصرين" و"الخاسرين"، بل بين من يريدون أن يخرجوا من هذه الدوامة، ومن يصرّون على جرّ الجميع إلى قاعها. الساحل السوري ليس بحاجة إلى مزيدٍ من المليشيات أو الخطابات النارية، بل يحتاج إلى أصواتٍ عاقلة ومجموعة لها تأثيرها، تقول: كفى تعبنا.. ليس هناك سلامٌ يأتي بلا تنازلات، لكّن التمسّك بالماضي لن يُعيده، والاستمرار في عقلية الانتقام لن يُعيد الضحايا.

اليوم، لدى السوريين فرصة أخيرة لرسمِ مسار جديد، فإمّا أن يختاروا البناء على ما تبقى مع وجود عدالة انتقالية، أو أن يتركوا التاريخ يعيدُ نفسه بحلقة جديدة من الموت والدمار، لذا سيبقى السؤال: متى سندرك أنّ قيام الحرب ليسَ كخروجها؟