سورية الجديدة.. خريطة طريق نحو المجتمع الدولي
تسير التطورات في الملف السوري بإيقاع مدروس يوحي بأنّ مرحلة جديدة من إعادة تشكيل المشهد السياسي قد بدأت فعليًّا، وسط تداخل أدوار القوى الإقليمية والدولية، وتبدّل موازين التحالفات التقليدية في المنطقة.
منذ أن أعادت الإمارات العربية المتحدة سفيرها إلى دمشق عام 2018، بدا واضحًا أنّ أبوظبي تسعى إلى فتح الباب أمام عودة سورية إلى الحضن العربي بعد سنوات من القطيعة. وتوالت بعد ذلك زيارات الرئيس السابق المخلوع، بشار الأسد، إلى كلٍّ من الرياض وأبوظبي، في مساعٍ لتذويب الجليد وإحياء العلاقات العربية السورية.
ويبدو أنّ الإمارات والسعودية وضعتا مع الأسد آنذاك الأسس الأولية لمسار هذه العودة، حيث برز ملف رفع العقوبات الدولية بوصفه أحد أهم البنود المطروحة على الطاولة، خصوصًا مع تصاعد الحديث آنذاك عن احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2024، والعلاقات الوثيقة التي تجمعه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وقد كانت الرياض واضحة في أهدافها وقتذاك؛ رفع العقوبات المفروضة على سورية مقابل وقف إنتاج الكبتاغون، وتهيئة دمشق للعودة إلى المنظومة العربية. غير أنّ بقاء الأسد في السلطة ورفض الغرب إعادة تعويمه شكّلا عقبة رئيسية أمام تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، واصلت السعودية جهودها لتخفيف معاناة الشعب السوري، متبنّية مقاربة سياسية جديدة اتسمت بالبراغماتية، تركّز على الشعب لا على النظام.
تركيا.. بين التحفّظ والانخراط
في المقابل، اصطدمت التحركات الخليجية في بدايتها بموقف تركي متحفّظ، إذ ظلّ الخلاف الشخصي بين الرئيس رجب طيب أردوغان والأسد عائقًا أمام أيّ مصالحة حقيقية، كما لم تكن أنقرة راضية عن عودة دمشق إلى الساحة الدولية في ظلّ النظام السابق.
بادرت أنقرة إلى طرح خريطة طريق جديدة لسورية، تتقاطع في كثير من بنودها مع الرؤية السعودية، خصوصًا فيما يتعلّق بإعادة دمج سورية عربيًّا
غير أنّ سقوط النظام السابق غيّر المشهد كليًّا. فقد بادرت أنقرة إلى طرح خريطة طريق جديدة لسورية، تتقاطع في كثير من بنودها مع الرؤية السعودية، خصوصًا فيما يتعلّق بإعادة دمج سورية عربيًّا، ومكافحة تجارة المخدرات، وتأمين الحدود مع الأردن.
تشير تحرّكات القيادة السورية إلى أنّ تركيا وقطر والسعودية والإمارات شاركت في صياغة ملامح هذه الخريطة التي شملت ملفات حيوية، أبرزها: إعادة بناء مؤسسات الدولة بإشراف الجيش والأجهزة الأمنية، وإعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار، ومعالجة ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتحسين البنية التحتية في مجالي الكهرباء والمياه، وتحرير الاقتصاد من قيود العقوبات الدولية بما يُتيح جذب الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة.
الشرع في واشنطن.. والملف الكردي على الطاولة
تأتي زيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، المُرتقبة إلى الولايات المتحدة الأميركية في إطار تنفيذ هذه الاستراتيجية الإقليمية الجديدة، التي تهدف إلى إعادة ترتيب المشهد السوري سياسيًّا وأمنيًّا.
ويُتوقّع أن تكون ملفات الوجود الأميركي في الشمال السوري، والعلاقة مع إسرائيل، والتسوية الكردية، من أبرز القضايا المدرجة على جدول المُباحثات المقبلة، ضمن مسار متدرّج لإعادة سورية إلى المجتمع الدولي.
تحديات المسار الجديد
لا تزال ملامح خريطة الطريق السورية تتكشّف تدريجيًّا مع مرور الوقت، رغم بروز بعض المعوّقات الميدانية والسياسية، مثل أحداث الساحل والسويداء التي أسهمت في تأخير تنفيذ بعض البنود. كما أنّ الانقسام الداخلي وهواجس الأقليات من السلطة الجديدة، ما زالا يشكّلان تحدّيًا أمام تحقيق الاستقرار المنشود، إلا أنّ الإصرار الإقليمي والدولي على المضي في هذا المسار يبدو أقوى من تلك العثرات.
ورغم كلّ التحديات، تمثّل خريطة الطريق الجديدة القائمة على التفاهم بين تركيا ودول الخليج فرصة حقيقية لإعادة سورية إلى المجتمع الدولي، وإطلاق مرحلة جديدة من التكامل الإقليمي والاقتصادي، قد تُغيّر وجه الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة.