كينتسوجي... الذهب المفقود في الإناء السوري

11 مارس 2025
+ الخط -

عندما ينكسر إناء فخاري في اليابان، يتم جمع القطع المكسورة ولصقها بواسطة طلاء ممزوج بالذهب، ليصبح لدينا قطعة فنيّة جديدة. لا تعود إلى أصلها، بل تتخذ شكلاً جديداً ينبثق من الحطام. هذا ما يدعوه اليابانيون "الكينتسوجي" أو فن "الرتق بالذهب".

ربما صادفت صوراً لهذا الإناء في العالم الافتراضي، في منشورات مليئة بحِكَم التنمية البشرية الفارغة عن "تجميل الواقع". لست أكتب هنا لألقي حكماً، بل لأنّ صورة الإناء حضرت إلى ذهني وأنا أتابع الواقع السوري من دون رغبة في تجميله، وراودتني أسئلة كثيرة؛ من حطّم الإناء السوري؟ هل الإناء السوري مكسورٌ أصلاً، ورؤيتنا له على أنه إناءٌ واحد ما هي إلّا أحلام نرجوها ونشتهيها؟ وهل كان نظام الأسد هو من حطّم الإناء، باعتباره آلة للكسر والتدمير بكلّ المعايير؟ فقد عمل على تشويه الأجزاء، وجعلها حادّة جارحة لبعضها بخطابات الكراهية وتعزيز القبلية والطبقية؛ حتى أصبح من الصعب إعادة جمع هذه القطع.

خمسة أيام، لم ينم فيها السوريون، في الساحل وسورية والعالم. التصقت عيوننا في الشاشات، نشاهد فيديوهات يعجز المرء عن متابعتها. نترقب ظهور إشارتي الصح الزرقاء على رسالة قد أرسلناها منذ ساعات، لنتأكد أنّ صديقاً أو عائلة ما زالت على قيد الحياة. حتى البارحة... تغيّرت الصورة كليّاً، وتغيّرت العبارات كليّاً، مع توقيع اتفاقية توحيد الأراضي السورية بين حكومة أمر الواقع وقوات سورية الديمقراطية.

خمسة أيام، لم ينم فيها السوريون، في الساحل وسورية والعالم

وهنا يحضر إلى أذهاننا "الكينتسوجي" مجدّداً. هل جاءت الاتفاقية كالذهب لتجمع سورية المشرذمة؟ الاتفاقية مبشّرة بالخير حتماً وخطوة إيجابية في تشكيل سورية المستقبل. لكن على مستوى الكينتسوجي، قد أكون سوداوياً، لأنّ لا ذهب يلمع في الأفق. ما حدث في الأيام الماضية لم يكن سوى تحطيم إضافي للأجزاء المكسورة أصلاً من الإناء السوري، على يد ما تبقى من ذلك الجلّاد، سواء من عصابته، أو من صورته التي حوّلت الضحية إلى جلّاد.

وما الاحتفالات في الأيّام القادمة بهذه الاتفاقية وغيرها، سوى لملمة الشظايا وتغطيتها، فيما الجرح سيبقى مفتوحاً كما بقي جرح حماة لأربعة عقود.

قد نكون بحاجة لأن نضع جانباً عواطفنا التي تقودنا باتجاه مختلف كلّ يوم، ونسأل أنفسنا: هل كنّا فعلاً إناء واحداً؟ ما الذي حطّمنا ويحطّمنا؟ وهل ستعيد تشكيلنا أيادٍ خارجية؟ بعدها قد نجد الذهب، ونجد طريقة لجمع شتاتنا من دون أن نعود إناءً كاملاً متكاملاً لا عيب فيه، بل إناءً كلّ قطعة فيه هي قطعة فنيّة تحكي حكاية طويلة.