لا خوف على سورية الجديدة

08 مارس 2025
+ الخط -

عندما كانت ابنتي في الثالثة من العمر، أخبرتنا معلّمتها في الروضة بأنّ ابنتنا تخاف من الألعاب المخصّصة للهالوين، تلك التي تكون مخيفة بعض الشيء. وطلبت منا لحل هذه المشكلة أن نشتري لها لعبة مشابهة ونلعب معها في المنزل، لكي تكسر حاجز الخوف وكي يتحوّل الأمر إلى لعب وتسلية. وبالفعل، كان هذا الحل ناجعاً.

لطالما حاول النظام السوري تخويف السوريين بعضهم من بعض طيلة فترة حكمه، وفق مبدأ  "فرّق تسد"، إذ عمل على نشر الطائفية والكره والبغضاء بين مختلف الطوائف والديانات والمكوّنات. تارةً يُخيف الأكراد من العرب، وتارةً يُخيف العرب من الأكراد، وأخرى يُخيف السنة من الشيعة والشيعة من السنة، وكذلك الحال بالنسبة للدروز والمسيحيين. وهكذا، أصبح الجميع يخشى الجميع، وتقوقعت المكوّنات نوعًا ما على نفسها لتعيش في حالة خوف دائم.

لكن منذ عام 2011، بدأ السوريون بتحطيم هذا الحاجز، وتعرّفوا بعضهم إلى بعض أكثر. وعلى مدار ثلاثة عشر عاماً، تمكّنوا من استيعاب التنوّع المجتمعي، وتفكيك المخاوف التي سعى النظام إلى غرسها فيهم.

ما يحدث في سورية اليوم، بعد هروب الطاغية، من تجاذبات وخلافات، هو حالة صحية بامتياز. إنها محاولة لكسر حاجز الخوف من الطائفية عبر مواجهتها، فهمها، واستيعابها، وصولاً إلى إيجاد أرضية توافقية تجمع الجميع في المستقبل.

ما يحدث في سورية اليوم، بعد هروب الطاغية، من تجاذبات وخلافات، هو حالة صحية بامتياز

قبل استيلاء حزب البعث على الحكم، كانت سورية دولة متنوّعة سياسياً ودينياً، تنبض بالحياة السياسية وتتمتّع بهامش من الحريات. لكن مع وصول البعث إلى السلطة، جرى قمع كلّ أشكال التعدّدية السياسية، وخُنقت الحياة الديمقراطية.

يمكن تشبيه ما حدث في سورية بوضع شعبٍ كامل في سجن مدّة خمسين عاماً، ثم فجأة تُفتح أبواب السجن. من الطبيعي أن تنشأ اختلافات عميقة بين مكوّنات هذا المجتمع، بل وحتى داخل العائلة الواحدة، وهذا أمر متوقّع. لكن الأهم هو أن نظل مخلصين لفكرة الوطن الجامع مهما بلغت خلافاتنا، وألّا نتحوّل إلى أدوات لتنفيذ أجندات الآخرين.

ما كان يدعو للقلق أكثر هو لو أنّ المجتمع السوري لم يُبدِ أي ردّة فعل بعد سقوط الطاغية، لأن ذلك كان سيعني أحد أمرين: إما أن المجتمع في حالة موت سريري، أو أن هناك انفجاراً قادماً لا يمكن التنبؤ بتبعاته.

كما أنّ الرئيس السوري أحمد الشرع يكرّس معظم وقته لبناء نواة الدولة وترسيخ أركانها، لا سيما الجيش والاستخبارات، فإنّ المجتمع السوري ينضج سياسياً شيئاً فشيئاً.

نأمل أن تشكّل هذه الأحداث درساً للمستقبل، بحيث يتمكّن الشعب السوري من استخلاص العِبر، وتجريم مثيري النعرات، وتعزيز ثقافة التسامح والتعايش، لترسيخ أسس وطن يسع الجميع.

نطمح لأن تكون سورية المستقبل نموذجاً في التعايش السلمي، بحيث تُعالج مخاوف جميع الأقليات، ليعيش الجميع تحت سقف القانون، قانون يضمن كرامة الإنسان ويخضع الجميع له من دون استثناء.