لبنان والغطرسة الإسرائيلية
تواجه لبنان معضلة كبيرة بعد التغيرات الجيوسياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، خاصةً عقب حربي إسرائيل على قطاع غزة والجنوب اللبناني. فإسرائيل أصبحت القوة الطاغية في المنطقة، حيث باتت تسيطر على مفاصل القرار في مثلث لبنان - سورية - فلسطين، وتتمتع بالقدرة على توجيه ضربات عسكرية دون إذن من أحد، بل ودون اعتراض يذكر من قوى إقليمية أو دولية.
ورغم المواقف العسكرية لحزب الله في مواجهاته مع القوات الإسرائيلية، وما حققه من صمود استراتيجي، إلا أن الصيغة التي قام عليها "توازن الردع" قد انهارت بعد الهجوم الأخير على صفوف الحزب وقياداته. والواقع الجديد في لبنان يفرض تغييرات جوهرية في كيفية التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا في ظل الانتهاكات اليومية التي تتعرض لها سيادة البلاد. إن لبنان لا يزال بحاجة ماسة إلى تعزيز موقفه الوطني لمواجهة هذا الخطر، سواء من خلال الخيار الدبلوماسي أو العسكري. ولكن على مر التاريخ، لم تحقق السياسات الدبلوماسية نتائج ملموسة أمام الاستهتار الإسرائيلي، حيث كانت القرارات الدولية تتعثر في تنفيذها.
لذلك، يبدو أن الخيار الوحيد المتاح هو توحيد الصفوف خلف الدولة اللبنانية، والإعداد لخطة دفاعية وطنية تجمع كل الطاقات المتاحة للحفاظ على السيادة اللبنانية واستقرارها. وبينما قد تكون الدبلوماسية والمقاومة غير كافيتين وحدهما في مواجهة هذا التحدي الضخم، يبقى الالتفاف حول الدولة اللبنانية هو السبيل الأوحد لصد العاصفة الجديدة التي تهدد الوطن.
لبنان، في هذه المرحلة الحساسة، بحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجياته الدفاعية والسياسية بشكل شامل، مع التركيز على تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الداخلي. مع انقسامات داخلية عميقة حول الخيارات الاستراتيجية، يجب على جميع الأطراف السياسية اللبنانية تجاوز خلافاتها والاتحاد حول هدف واحد، وهو حماية الوطن والحفاظ على سيادته. في ظل الانتهاكات المستمرة من إسرائيل، لا يمكن للبنان أن يتحمل المزيد من الانقسامات التي قد تضعفه أمام التحديات الخارجية. من الضروري أن يكون هناك تفاهم مشترك بين الأطراف اللبنانية حول كيفية مواجهة التهديدات الإسرائيلية، سواء من خلال الدبلوماسية أو المقاومة أو من خلال تطوير آليات دفاعية متكاملة.
ويجب على لبنان أن يسعى إلى تعزيز علاقاته مع القوى الدولية التي قد تقدم له الدعم العسكري والسياسي، ولكن بشرط أن يكون ذلك ضمن إطار يحفظ مصالحه الوطنية ويقوي موقفه الاستراتيجي. في الوقت نفسه، يجب على لبنان أن يكون حذرًا في التعامل مع الضغوط الخارجية، خصوصًا من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن يسعى لبناء سياسة خارجية متوازنة تضمن له حرية القرار واستقلالية الحركة.
إن التحديات كبيرة، ولكن الأمل في تجاوزها ممكن بشرط الالتزام بمصلحة لبنان العليا والعمل من أجل تحقيق استقرار داخلي وعلاقات إقليمية ودولية تحمي مصالح البلاد. إذا استطاع لبنان تجاوز هذه الأزمات والضغوط، فإنه سيكون قادرًا على الحفاظ على دوره في المنطقة، بل وتأكيد استقلاله الوطني في مواجهة القوى العظمى.