لماذا استهداف مروان البرغوثي بالذات؟
يأتي ما قام به الوزير الإسرائيلي المتطرّف إيتمار بن غفير في الفيديو المسرّب من زنزانة المناضل الفلسطيني، مروان البرغوثي، محاولةً لضرب الرمزية المعنوية للحركة الوطنية الأسيرة، نظرًا لرمزيته العالية داخل المُعتقل الإسرائيلي على الصعيدين الوطني والأممي.
يدرك بن غفير، ومن ورائه المشروع الاستعماري الصهيوني، الدور والأهمية اللذين لعبهما الحراك الوطني داخل الأسر في صياغة الوعي الوطني الفلسطيني، من خلال انخراطهم المباشر في النضال الوطني. أمّا في حالة مروان البرغوثي، فقد تمثّل دوره في الورقة التي أمضاها مع أحمد سعدات، فضلًا عن قيادات الفصائل الأخرى سنة 2006، والتي تُطالب بإنهاء الانقسام، طارحة آليات واضحة لوقف نزف الانقسام، وطرح مشروع تحرّر وطني يهدف إلى إنهاء الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية.
مروان البرغوثي أحد قيادات حركة فتح، وأحد القيادات والرموز الوطنية اليوم. ولد في مدينة رام لله، وتعرّض للاعتقال عدّة مرات، ومن ثم أُبعِد عن الأرض المحتلة عام 1986، وعاد إلى أرض الوطن عام 1994، وقد انتُخب أمين سرّ حركة فتح في الضفة الغربية في العام نفسه، وفي الانتفاضة الثانية كان له الدور البارز في قيادة الانتفاضة والجناح المسلّح لحركة فتح.
يتعرّض الأسرى في السجون الإسرائيلية إلى سياسة إبادة واضحة من خلال الإهمال الطبّي المتعمّد وتصاعد وتيرة العنف ضدّهم
تجدر الإشارة إلى أنّ بن غفير بدأ سياساته الانتقامية من الأسرى الفلسطينيين قبل السابع من أكتوبر، ومنذ توليه منصب وزير الأمن القومي، حينما نصّب نفسه مسؤولًا عن السجون. عمل بن غفير على ضرب كلّ منجزات الأسرى الفلسطينيين التي ناضلوا من أجل انتزاعها عقودًا طويلة داخل الأسر، وقدّموا من أجلها شهداء، وخاضوا إضرابات جوع مختلفة. أبرز إجراءاته الانتقامية وقف التمثيل الاعتقالي للأسرى الفلسطينيين وتقليص أوقات الزيارة من مرتين شهريًا إلى زيارة واحدة كلّ شهر. وإمعانًا في التنكيل، فرض بن غفير على الأسرى الأمنيين مدّة قصيرة جدّاً للاستحمام بالماء الساخن لا تتجاوز الدقيقتين لكلّ أسير، وغيرها من الإجراءات التعسّفية.
تضاعفت الهجمة على السجون منذ السابع من أكتوبر، إذ تعرّض الأسرى لسياسة إبادة واضحة من خلال الإهمال الطبّي المُتعمّد وتصاعد وتيرة العنف ضدّهم من خلال ما يُسمّى وحدات القمع التي تمارسها مصلحة السجون بإيعاز من بن غفير للحطّ من معنويات الأسرى وضرب رمزيتهم، حتّى إنه أوعز إلى مصلحة السجون بتعليق صور الدمار في غزّة في ساحات التجوّل ومقابل غرف الأسرى، فضلًا عن المعتقلات السريّة الخاصّة التي شُيّدت بعد السابع من أكتوبر (كسدي تيمان) وما خلّفه وراءه من سياسات إخفاء قسري للأسرى الغزاويّين بشكل خاصٍ. تسبّبت هذه الإجراءات الانتقامية وسياسة التنكيل المُمنهجة في تضاعف عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 65 شهيداً منذ تاريخ السابع من أكتوبر، ليسجّل بذلك رقم قياسي لعدد الشهداء الفلسطينيين الأسرى منذ نكبة 1948.
إنّ محاولة الاغتيال المعنوية التي هدف بن غفير إليها باقتحامه زنزانة مروان البرغوثي في سجن جانوت، تعكس مدى هشاشة الموقف السياسي الصهيوني ومدى تخبّط الاحتلال الذي يعي الدور الجوهري للحركة الأسيرة مُمثّلة بمروان البرغوثي وسواه، خصوصاً في هذه المرحلة المفصلية من محطّة النضال الوطني الفلسطيني.