اضطرابات الساحل السوري: هل هي رسالة إيرانية لتركيا؟

04 ابريل 2025
+ الخط -

بالنظر إلى الأحداث التي جرت في الساحل السوري، يمكننا تقسيم الأسباب إلى داخلية وخارجية.

  • أولًا: الأسباب الخارجية

ترتبط الأسباب الخارجية بشكل أساسي بالصراع التركي-الإيراني، وعدم قدرة التيار المحافظ في إيران على استيعاب فكرة خروج سورية من كونها درعاً أو خطاً أمامياً في أمنها القومي. وقد أدى هذا الانسحاب الإيراني من سورية إلى إضعاف نفوذها في لبنان، المتمثل في حزب الله. ويبدو أنّ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة، مثل ضبط الحدود والحد من عمليات التهريب، قد أثرت بشكل كبير على قدرات حزب الله، ما أدى إلى إغلاق العديد من منافذ تهريب الأسلحة، وهو ما انعكس على توازن القوى في المنطقة.

في السياق نفسه، وفي مقابلة مع قناة الجزيرة، انتقد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان سياسات إيران، مشيراً إلى اعتمادها على أذرع تقاتل نيابة عنها، واعتبر هذه الاستراتيجية غير فعالة في إدارة الصراع. وبدلاً من ذلك، شدد على أهمية تعزيز العلاقات والمساندة المباشرة، معتبراً ذلك أكثر جدوى مما تقوم به إيران. كما وجّه تحذيراً لإيران بشأن دعمها لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مشبهاً ذلك بالمثل القائل: "إذا كان بيتك من زجاج، فلا ترمِ الناس بالحجارة"، في إشارة إلى قدرة تركيا على زعزعة الاستقرار داخل إيران إذا استمرت الأخيرة في اتباع هذا النهج.

لم يتأخر الرد الإيراني، إذ استدعت طهران السفير التركي، وردّت أنقرة بالمثل عبر استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية. في هذا السياق، يمكن تفسير الأحداث التي وقعت في الساحل السوري بأنها بمثابة "قرصة أذن" من إيران لتركيا، لإظهار مدى نفوذها وتأثيرها في الداخل السوري.

وقد تميز التمرد في الساحل السوري بعنفٍ مفرطٍ، حيث قُتل المئات من عناصر الأمن العام والجيش السوري على يد الفلول المسلحة، وهو ما كان يُراد منه دفع الحكومة السورية إلى رد فعل مبالغ فيه. أدى هذا إلى زجّ عناصر غير مؤهلة وغير مدربة في الصراع، ما أسفر عن استهداف المدنيين.

بهذا، تكون إيران قد أوصلت رسالتها إلى تركيا، وربما كان الهدف من هذا التحرك خلق نواة ذراع جديدة مماثلة لحزب الله داخل سورية. كما حاولت طهران تصوير الحكام الجدد في دمشق بأنهم متطرفون إسلاميون، وقد نجحت في إيصال هذه الرسالة، وإن كان ذلك على حساب الدم السوري.

إيران لن تتوقف عن زعزعة الاستقرار في سورية، وستواصل ذلك ما لم يكن هناك وعي وإدراك مجتمعي شامل داخل سورية بمختلف فئاته.

  • ثانيًا: الأسباب الداخلية

استمرار الثورة السورية على مدار 13 عامًا خلّف أحقاداً وضغائن متبادلة، خاصة بين العلويين والسُنّة. فقد استغل النظام السوري الشباب العلوي كوقودٍ لحربه ضد السُنّة في سبيل بقائه في السلطة، في حين أن المجازر التي ارتكبها بحق السُنّة جعلت من الصعب نسيان ما حدث. وكان ذلك أحد الدوافع الرئيسية وراء أعمال الانتقام الأخيرة في أحداث الساحل السوري.

خطوات لا بد من اتخاذها في القريب العاجل

  • محاسبة مرتكبي الجرائم: ينبغي على الإدارة السورية الجديدة محاسبة المسؤولين عن هذه الأحداث، واستكمال مسار العدالة الانتقالية لمحاسبة المتورطين في الجرائم التي ارتُكبت خلال الحرب السورية، وهو ما قد يساعد في تخفيف حالة الاحتقان المجتمعي.
  • إبعاد المقاتلين الأجانب: يجب منع المقاتلين الأجانب من المشاركة في النزاعات الداخلية مستقبلًا، وحصر دورهم في مهام مثل تأمين الحدود والعمل في القطاعات العسكرية دون ان يكون هناك احتكاك مع مكونات المجتمع السوري.
  • إعادة تأهيل الجيش: لا بد من إعادة تأهيل أفراد الجيش السوري، وزرع قيم التسامح والانضباط لديهم، مع التأكيد على أن مهمتهم الأساسية هي حماية المدنيين، لا استهدافهم.
  • الاستعانة ببعض المكونات المحلية لضبط الأمن: يمكن الاستعانة بمكونات مثل الأكراد أو الدروز لضبط الأمن في الساحل السوري بشكل مؤقت، ريثما تهدأ حالة الاحتقان الداخلي وتتحقق المصالحة الوطنية.

ختاما لا بد من القول إن تكرار الأخطاء الفردية يفقدها فرديتها وبالتالي يتم تفسيرها بأنها ممنهجة ومنظمة.