استمع إلى الملخص
- تستعرض الرواية المجتمع السوري من خلال شخصيات متنوعة، مثل الضابط صفوان وأبي ريحانة، وتعكس واقع الحياة اليومية في اللاذقية والعلاقات الخائبة قبيل سقوط النظام.
- ترمز الرواية إلى الفشل الاجتماعي من خلال حلم بديع في التمثيل، وتبرز بارقة أمل عبر صديقته سوسن، مما يشير إلى ولادة سورية جديدة.
"لم يبق سوى أن يُقلع بطائرته من قاعدة حميميم، فوق سماء اللاذقية وفوق بيت علياء"... "وبعد ذلك يسلّم نفسه، ويصبح حديث الناس في دمشق وموسكو، هكذا مثل افتتاح دورة للألعاب الأولمبية"، هكذا تنتهي رواية "النشيد الأولمبي" الصادرة حديثاً عن "دار نوفل"، للروائي السوري راهيم حساوي، قبيل الحدث السوري، وهي تدور في المحيط الذي شهد انفجارَ وضعٍ أفضى إلى رحيل بشار الأسد من قاعدة حميميم الروسية.
مع أنَّ الرواية لا تحمل تباشير هذا الحدث، ولا تعرّج عليه، إلّا أنّه، أي الحدث، يبدو في طياتها، ويحمل طبعتها. إنّه يبدأ بوفاة رواد ابن العائلة البكر، الذي كان يومها في التجنيد العسكري، ولقي حتفه إثرَ اشتباكٍ مع مليشيا المعارضة، وإن شاع أنّه انتحر. الحرب الأهلية هي مدخل الرواية، وواحد من أمكنتها الأثيرة قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية.
نحن هكذا على عتبة المعركة الأخيرة، على أرضها وفي جنباتها. نصادف في مدخل الرواية رواد، ونصادف أخته علياء التي تكاد أن تكون بطلتها، التي لا تفتأ تستذكر أخاها الذي يبقى في سرِّ الرواية. علياء هذه تجتذب بديع الذي يصمّم على أن يكون مُمثّلاً، لكنّ فاحصه في الكلية يرفضه مرتين، ووالده يلومه لكونه لا يختار اختصاصاً آخر. إذ ذاك يخرج من البيت ليقضي وقته في حلم التمثيل، وليجد طريقة يتعرّف بها إلى علياء وإلى أبيها، ويغدو قريباً منهما، وبخاصّة من الأب الذي يقضي معه وقتاً في لعب الشطرنج، ومعها ومع أبيها في لعبة مخترعة هي "عجن الكلمات"، التي تتركّز في التعليق على عبارة مأثورة من أحد.
نحن هكذا في مدينة اللاذقية، لكنّنا نبدأ من مدينة أخرى هي بيروت التي نلتقي فيها كارمن الروسية العائدة إلى موسكو، والتي تحمل إلى ابن خالتها في اللاذقية هدية هي لوحة لأمّه المتوفاة، وترسلها إلى علياء لتسلمه إيّاها. يكلّف الضابط الروسي زميله السوري صفوان المرور على علياء لتسلّم البورتريه منها. نتعرّف هكذا إلى الضابط السوري الذي يترك لنا انطباعاً سيئاً، إنّه مُدّعٍ متحذلق، هكذا تجده علياء التي لا تستجيب لتقرّبه منها.
نحن هكذا في الرواية، في اللاذقية مع زمرة من أهلها تمثّل مجتمعها وناسها. هنا نتعرّف إلى أبي ريحانة الذي ينصب فوق كشكه زهرة الريحان، التي تحمل اسم ابنته ريحانة المتوفاة. نتعرّف أيضاً إلى النادلة في حانة وبائعة الملابس المستعملة، كذلك نستذكر كثيراً رواد في قرارة أخته وعائلتها. نزداد معرفة بصفوان، الضابط السوري، كما نزداد مقتاً له. كذلك نستمر وقتاً أطول في التعرّف إلى أبو رواد، وإلى علبة الشطرنج التي يزاولها مع بديع. ونخرج من اللاذقية لنصادف لوكاس وديمتري لاعبي الشطرنج، واحتجاج الثاني باللعب لبناء علاقة غرامية مع والدة لوكاس؛ الأمر الذي ينتبه له لوكاس وينزعج منه لينفصل بعده عن ديمتري.
علاقات خائبة تضعنا داخل المجتمع السوري قبيل سقوط النظام
هذه العلاقات الخائبة والعديدة هي، إلى جانب قاعدة حميميم، تضعنا داخل المجتمع السوري قبيل سقوط النظام الأسدي. لا تحمل الرواية مقدمات وتلاويح لهذا السقوط، لكننا مع ذلك نستشفه من صورة ضابط كصفوان، ومن نهايات آخرين، ما يحمل ليس فقط الكارثة التي تنتظر النظام، بل أيضاً الخيبات التي تحف به. كأنما خيبة بديع وملاحقته الدؤوب للهواية التي لا يقدر على مزاولتها، ما يشير ويرمز إلى الدولة الأسدية.
هكذا يبدو حلم التمثيل لدى بديع رمزاً للفشل الاجتماعي، كذلك حب بديع الخائب لعلياء يحمل الدلالة نفسها. مع ذلك فإن وعداً بالنجاح يخالط حكاية بديع، حين تزمع صديقته سوسن على أن تتيح له فرصة لممارسة تمثيليّته. عند ذلك يبرز خيط نجاح لبديع، وانقلاب في الصورة لصالحه. لن نجد في المسرحية المُقبلة سوى فرصة للأشخاص وللمجتمع بكليّته، للوصول إلى قدر من الانتصار على واقعهم، وعلى أنفسهم، قدر من النجاح الذي قد يحمل اسم سورية الجديدة، التي ما لبثت أن خرجت من تحت الردم، وصارت وعداً حقيقياً.
* شاعر وروائي من لبنان