خالد أبو الفضل.. إعادة بحث التمرد في الفقه الإسلامي

03 فبراير 2025
يركز الكتاب على جذور الدقائق الفقهية المتخصصة
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتناول الكتاب جذور الفقه الإسلامي المتعلقة بالتمرد والعصيان، مستعرضًا آراء الفقهاء مثل ابن تيمية والشافعي، ومواقف المذاهب المختلفة في سياق آيات البغي والحِرابة وأحاديث الطاعة والخروج.
- يضيف المؤلف بُعدًا أكاديميًا في مناقشة العنف السياسي، منتقدًا احتكار الدولة للعنف، ويبرز التباين بين الفقه الحديث والتراث القديم في التعامل مع قضايا التمرد.
- يناقش الكتاب تعقيدات مفهوم التمرد، مميزًا بين التمرد المسلح والعصيان المدني، ويستعرض الجدالات الفقهية لفهم العنف السياسي اليوم.

ضمن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت النسخة العربية من كتاب "التمرد والعنف في الفقه الإسلامي" لأستاذ القانون والمتخصص في الشريعة خالد أبو الفضل، مصري الأصل ومن أبرز الشخصيات الإسلامية في الولايات ‏المتحدة الأميركية، بترجمة عمرو عثمان.

يناقش الكتاب، الذي صدرت طبعته الأولى من النسخة الإنكليزية عن "منشورات جامعة كامبريدج" بنيويورك عام 2001، إعادة بحث التمرد الإسلامي. وهو يركز على جذور الدقائق الفقهية المتخصصة في خطاب الفقهاء في آيتَي البغي والحِرابة، كابن تيمية وغيره، وفي أحاديث الطاعة والخروج والعصيان والأخرى المضادة لها، وكذلك تفسيراتهم للتمرد، وخصوصاً في خطاب الإمامين الشافعي والحنبلي، وبعض التردد لدى الحنفية والمالكية، ورفض المذهبَين الشيعي والظاهري، ومخالفة المذهبَين الزيدي والإباضي.

يُضفي المؤلف بُعداً أكاديمياً خطابياً على تناول الفقه الإسلامي المعاصر لإحدى أكثر القضايا إثارة للاهتمام في الزمن الحالي، وهي قضية العنف السياسي والإرهاب والحرب غير النظامية والتمرد والخروج والثورة والعصيان في العالم الإسلامي. وذلك بعد خوضه في دراسة عدة أفكار وجدها جميعاً لامنطقية، مثل احتكار الدولة ومؤسسات القانون استخدامَ العنف، واستخدامِ قلةٍ مسلّحة القوةَ ضد من يسمونهم متمردين، فضلاً عن السماح للشعب بالتسلح ومن ثمّ امتلاك القدرة على إيذاء الآخرين. 

يُضفي المؤلف بُعداً أكاديمياً خطابياً على تناول الفقه الإسلامي المعاصر لقضية العنف السياسي والثورة

ويبين أبو الفضل أن سبب لامنطقية هذه الأفكار يكمن في تعميم باحثيها ضرورة أن يقود الماضي إلى الحاضر، وأن يبشّر الحاضر بالمستقبل لزوماً، واتخاذهم تراثاً طويلاً من البطش حجة. أما الفقه الإسلامي الحديث، ‏فيرى باحثون مرموقون رتابةً في خطاباته تركز على إعلاء مصلحة المجموع على مصالح الأفراد، واعتبار المتمردين أهلَ شقاق وفوضى، علاوة على إضفاء الشرعية على سلطات الدولة وأعمالها، مُرجِعين هذه الرتابة إلى الهيمنة الصارمة للدولة الحديثة على آليات عمل الفقه، وبالنتيجة عدم امتلاكه قواعد ترتبط بالتمرد أو الحرب غير النظامية.

لكنّ المؤلف يعارض هذا الرأي، بعد تسعة أعوام من الغوص في بحر لجّيّ من الخطابات الفقهية التاريخية، ويجزم بتَفارُقِ الممارسة الفقهية المعاصرة عن تراث فقهي قديم حول التمرد والتدمير المسلّح ونشر الرعب وتحدّي السلطة يراه مبدعاً ومبتكراً وثريّاً، وخصوصاً في رمزيته اللغوية وقدرته التوفيقية المثيرة للحَيرة، المتمثلة بالتزام سوابقِ النصوص وإعادة تشكيل المجال في الوقت عينه. وقد بيَّنت الثقافة الفقهية ما قبل الحديثة سُبُلَ تقييد الدولة في احتكار العنف، بينما أعاد الفقهاء المعاصرون صوغ آراء ذلك التراث وفق السوابق نفسها، وتلاشى دورهم التقليدي في "الوساطة" بين الدولة والشعب.

التمرد من أكثر القضايا صعوبة في التناول والفهم، وهو إنْ بدا واضحًا لدى أصحاب السلطة المؤمنين بسياسة الأمر الواقع أو المستسلمين لها، فإنه شديد التعقيد فلسفياً وقيَمياً وقانونياً، ومن التبسيط المخلّ المساواةُ بينه وبين العنف الجنائي من حيث نتيجته. فـ"التمرد" والاحتجاج‏ (Rebellion) قد يكونان على أرض الواقع مسلّحَين عنيفَين، أو يتخذان شكلاً مدنياً سلمياً، كالعصيان المدني، لكنهما يحملان معنى سلبياً في الحالتين. ولم يعبَّر في المصادر العربية القديمة عن معنى التمرد بلفظه هذا، بل بمفردات وردت في سياق أحداث متنوعة وتختلف في طبيعتها، مثل: "الثورة"، و"الخروج"، و"الامتناع"، و"العصيان"، و"البغي"، وغيرها. وعليه، ليس منصفاً استخدام مفردة واحدة لتمردات فِرَق مختلفة في التاريخ الإسلامي ضد السلطة الحاكمة. فلا يمكن على سبيل المثال وصف خروج الحسين بن علي أو عبد الله بن الزبير بـ"البغي"، أو وصفهما بالرجلَين بالباغيَين، أو التعبير - بالمنطق نفسه - بـ "أهل العدل" عن خصوم "أهل البغي"، من الحكام وأعوانهم، لكي لا يوحى إلى القارئ بأنّهم على الحق بالضرورة، في حين أن التعبير هو للإشارة إلى الإمام الذي يقاتل خارجين عليه.

وعُدَّ تعبير "الثورة" محايداً فلسفياً في المصادر القديمة، ولم يعد اليوم كذلك؛ فالكُتّاب المعاصرون يذهبون في فهم الثورة إلى طرف تحدّي السلطة، أو إلى طرف وصفها بالإيجابية كما كان سائداً قبل عقد تقريباً. ولذلك لم يورد المؤلف لفظ Revolution إلّا في حالات محددة.

أما حكم التمرد، من الحِلِّ والحرمة والوجوب والإباحة وغيرها، وعوامل هذا الحكم وظروفه، وتأثير شرعية الحاكم وعدله وظلمه فيه، وأوصاف التمرد وهدفه وتأويل أصحابه وسلوكهم، ومنطلقاته المذهبية والاجتماعية، وأسبابه المقبولة وغير المقبولة، ودواعي تأييده من جماعة المسلمين أو حيادها فيه، وأسباب افتراض فقهاء المسلمين قانوناً دائماً يعتبر التمردَ شرّاً، وتصرف الحاكم مع المتمردين حين يتمكّن منهم، فكلها قضايا يتوسع الكتاب في مناقشتها.

‏يمكن للجدالات والخطابات الفقهية، التي يتتبع  الكتاب تبدّلاتها وتحوّلاتها على مدار عدة قرون، أن تتحول مرجعيات لطريقة تفكير مسلمي اليوم في العنف السياسي والإرهاب، شرط عرض هذه التحوّلات بدقة وحساسية، والبحث في دينامية الخطاب الفقهي. فلغة ترجمته متيسّرٌ فهمها للقارئ العادي والآخر المهتم بتاريخ الإسلام السياسي والتشريعي، والفكر القانوني، وعلم الجريمة والعدالة الجنائية، ونظريات التأويل وآليات عمل اللغة والخطاب، وعلاقة الفكر الجدلية باللغة والواقع، والنظريات السياسية ونظم الحكم والتنظيم السياسي، والفلسفة القانونية والسياسية وفلسفة الحق والأخلاق، وارتباط ذلك كله بالمجتمع وتاريخه وثقافته وسياقه.

المساهمون