استمع إلى الملخص
- يعبر نواب البرلمان عن رفضهم لمشروع القانون بصيغته الحالية، مشددين على ضرورة مراعاة البعد الاجتماعي والاقتصادي للمستأجرين، ويقترحون تمديد فترة الإخلاء وتقليل الزيادات الإيجارية لضمان توازن حقوق الملاك والمستأجرين.
- أثار مشروع القانون جدلاً بين الملاك والمستأجرين، حيث يعتبر الملاك أن القانون الحالي يظلم حقوقهم، بينما ترى الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل في عقود الإيجار القديمة حماية من تكاليف السكن.
في وقت تتحدث فيه الحكومة المصرية عن إصلاح تشريعي شامل يشمل قوانين السكن والعقارات، يلوح في الأفق قانون الإيجارات القديمة مصدر خطر سياسي واجتماعي، يهدد بإشعال غضب شعبي واسع، وسط تحذيرات من أن تمريره بصيغته الحالية قد يفتح باباً لتوترات غير محسوبة في الشارع المصري.
وكشفت معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر برلمانية مطلعة أن قيادات بارزة من حزب "مستقبل وطن"، صاحب الأغلبية في البرلمان، عقدت اجتماعاً مغلقاً يوم الأربعاء الماضي مع رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، لبحث أزمة مشروع قانون الإيجارات القديمة، حيث نقل النواب إليه رسائل واضحة بشأن تصاعد الغضب الشعبي في الشارع، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ضد مواد القانون المقترح، خاصة المادة الخامسة التي تُنهي عقود الإيجارات السكنية القديمة بعد خمس سنوات من سريان القانون.
ووفقاً للمصادر، فإن وفد "مستقبل وطن" دعا جبالي إلى مطالبة الحكومة بسحب مشروع القانون، أو على الأقل إخضاعه لمزيد من التعديلات الجوهرية، خصوصاً في ما يتعلق بمدة الإخلاء، وضمانات التعويض أو البدائل، منعاً لانفجار أزمة اجتماعية قد تخرج عن السيطرة.
وأثار القانون، الذي تسعى الحكومة لتمريره بزعم "تصحيح الأوضاع القانونية وتحقيق العدالة بين المالك والمستأجر"، مخاوف حقيقية داخل الأوساط البرلمانية والأمنية على حد سواء.
فحسب مصادر أمنية تحدثت إلى "العربي الجديد"، هناك قلق متزايد من أن تؤدي تداعيات القانون إلى موجة احتجاجات شعبية، لا سيما في الأحياء القديمة والمكتظة بالسكان في القاهرة والإسكندرية، حيث يعيش الملايين في وحدات مستأجرة بعقود قديمة تمتد لعقود طويلة، بأجور زهيدة لا تواكب أسعار اليوم، لكنها تمثل الملاذ الوحيد لهؤلاء من الفقر والتشرد.
وتخشى الأجهزة السيادية من أن يؤدي رفع الحماية القانونية عن المستأجرين القدامى إلى تسونامي من الإخلاء، وما يصاحبه من مشاهد طرد لعائلات ونساء وشيوخ، قد تتحول إلى صور رمزية تؤجج السخط وتعيد إلى الأذهان وقائع انتفاضات اجتماعية سابقة.
وقال القيادي في الحزب ووكيل اللجنة التشريعية في البرلمان إيهاب الطماوي إن "مستقبل وطن" متمسك بإعادة النظر في عدد من مواد القانون المقدم من الحكومة، خاصةً ما يتعلق بإخلاء العين المؤجرة في غضون خمس سنوات، والزيادات المقررة على القيمة الإيجارية، بغرض إحداث حالة من التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين، وعدم الجور على طرف لحساب آخر.
وذكر الطماوي أن إنهاء العلاقة الإيجارية مسألة شائكة تتطلب التعامل معها بحذر شديد، مراعاةً للبعد الاجتماعي والاقتصادي لشريحة كبيرة من المستأجرين من أصحاب المعاشات والدخول المحدودة، مستطرداً بأن هناك اقتراحات نيابية وجيهة بمد فترة انتهاء عقود الإيجارات القديمة من خمس إلى عشر سنوات، أو إلى سبع سنوات على أدنى تقدير، وخفض نسبة الزيادة السنوية على الأجرة من 15% إلى 10%.
من جهتها، قالت النائبة عن الحزب المصري الديمقراطي أميرة صابر إنه للمرة الأولى يتفق نواب الأغلبية والمعارضة على رفض المشروع المقدم من الحكومة بشأن الإيجارات القديمة، والمطالبة بضرورة مراجعته وإعادة النظر في مادتي زيادة الأجرة وإخلاء العين، باعتبار أن المسكن الملائم من الحقوق المكفولة دستورياً لجميع المواطنين.
وأضافت صابر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مشروع القانون يمس الأمن القومي المصري كونه يطاول بشكل مباشر مصالح ما لا يقل عن عشرة ملايين مواطن، في وقت تعاني فيه السوق العقارية من فجوة بين العرض الحقيقي والطلب، مشددة على أهمية التوصل إلى تعديل تشريعي متوازن ومسؤول، لأن النواب لن يقبلوا بتمرير القانون في صورته الحالية خلال دور الانعقاد الأخير للمجلس، خوفاً من التأثير سلباً على شعبيتهم في دوائرهم قبل الانتخابات البرلمانية المرتقبة نهاية العام.
ودعت صابر الحكومة إلى تعديل القانون بما يضمن وضع حد أدنى عادل للأجرة، وتقسيم المستأجرين إلى شرائح بحسب المناطق، وعمر المبنى، وبيانات الدخل والإنفاق المتاحة عن الأسر، والتدرج في القيمة الإيجارية بين الأحياء الأفقر والأعلى قيمة.
وحسب مصدر في لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، فإن تحرير العلاقة الإيجارية سيكون على حساب ملايين المصريين الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة، وبالتالي يجب التريث في إصدار القانون، أو إصداره على مرحلتين، الأولى قبل انقضاء دور الانعقاد الحالي، ويلتزم فيها مجلس النواب بما أورده حكم المحكمة الدستورية الأخير في شأن عدم دستورية ثبات الأجرة السنوية، ووضع ضوابط حاكمة لتحديد الأجرة.
أما المرحلة الثانية من تعديل القانون -وفق المصدر نفسه- فتكون على مهل، وبعد مناقشات مستفيضة بين الحكومة والبرلمان، وجلسات موسعة للحوار المجتمعي تشمل كل الأطراف المعنية، وتتضمن شروط وإجراءات الإخلاء من العين المؤجرة، مع توفير الدولة وحدات سكنية بديلة في مناطق قريبة من السكن الأصلي، وبتسهيلات حقيقية بما يضمن حقوق المستأجرين، وعدم تركهم عرضة لآليات السوق الحرة من العرض والطلب.
ويكشف التحرك من داخل حزب الأغلبية ارتباكاً واضحاً لدى صناع القرار، بين الرغبة في الاستجابة لمطالب "لوبي ملاك العقارات" من جهة، والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي من جهة أخرى، لا سيما في ظل ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة يعيشها المواطن المصري، الذي يرزح تحت وطأة الغلاء وتراجع الخدمات وتآكل الدخول.
ورغم ما تروّج له الحكومة من أن القانون لن يُطبق بشكل رجعي، ولن يشمل الحالات غير القادرة مادياً، فإن واقع نصوص المشروع المطروح لا يضع ضمانات كافية للمستأجرين، ما يعزز الشكوك حول النيات الحقيقية للتشريع، ويجعل منه مادة خصبة لانتقادات سياسية وشعبية متصاعدة.
ونظّمت رابطة المستأجرين والجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية، بمشاركة عدد من أحزاب المعارضة، أول من أمس الأربعاء، مؤتمراً جماهيرياً لرفض مشروع قانون الإيجارات الجديد، وحذرت من تشريد ملايين المستأجرين وإغلاق منشآت اقتصادية.
وشدد المشاركون، بينهم نواب وشخصيات عامة، على أن القانون ينحاز للملاك ويهدد الاستقرار الاجتماعي، في ظل غياب الحوار المجتمعي وتجاهل أحكام المحكمة الدستورية. واعتبروا أن تطبيق "القيمة السوقية" ورفع الحد الأدنى للإيجار إلى ألف جنيه يعمّقان الأزمة الاقتصادية.
واختتم المؤتمر بالدعوة لتحركات سلمية لإسقاط القانون، وتفويض ممثلين عن المستأجرين للمشاركة في أي حوار مجتمعي مرتقب. وفي حال مضت الحكومة في تمرير القانون بصيغته الحالية، ترجّح مصادر مطلعة أن تشهد البلاد حالة من السيولة الاجتماعية يصعب ضبطها. وتشير تلك المصادر إلى أن دوائر في الدولة بدأت بالفعل في دراسة سيناريوهات بديلة لتطبيق تدريجي، أو تعديل المادة الخامسة لتسمح بإطالة مدة بقاء المستأجر، أو إدخال آليات لتعويض من يخرج من وحدته، منعاً لانزلاق الأمور نحو مواجهة مباشرة مع الفئات الأكثر هشاشة.
كما برزت دعوات من داخل لجان البرلمان المختصة لإعادة فتح جلسات الاستماع، وإشراك منظمات المجتمع المدني وخبراء الإسكان والنقابات في نقاش أوسع قد يؤدي إلى إعادة صياغة القانون من جذوره. وفجّر تعديل قانون الإيجارات القديمة جدلاً واسعاً بين الأطراف المعنية به، وصلت إلى الاحتراب والتلاسن الحاد بين الملاك والمستأجرين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وامتدت إلى النقاشات العامة التي أُجريت في بعض النقابات المهنية والمؤسسات البحثية لعرض وجهتي النظر، بهدف مساعدة الحكومة على وضع تصور لقانون بديل يعدل بين الملاك والمستأجرين.
وتتركز الإيجارات السكنية القديمة في محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية والوجه البحري، ويشكو ملاك العقارات الخاضعة لأحكام القانون من ضعف القيمة الإيجارية، التي تقل في جميع الأحوال عن 100 جنيه شهرياً، بوصف القانون يعود إلى ستينيات القرن الماضي. (الدولار = 50.70 جنيهاً).
ومع الارتفاع الهائل في تكاليف المعيشة، وتزايد الفجوة بين الإيجارات القديمة والجديدة، ارتفعت مطالب تعديل القانون من قبل الملاك الذين يرون فيه إجحافاً لحقوقهم. وفي المقابل، تعتبر الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل عقود الإيجار القديم حماية لها من صعوبة توفير السكن في سوق الإيجارات الحرة التي أصبحت تكاليفها باهظة، وتتراوح حالياً بين خمسة آلاف وعشرة آلاف جنيه شهرياً في المتوسط.
يذكر أن البرلمان أدخل تعديلاً على قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في 2022، يتعلق فقط بإخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكن خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات، مع زيادة قيمتها الإيجارية بواقع خمسة أمثال القيمة القانونية السارية، وزيادتها سنوياً، وبصفة دورية، بنسبة 15% من آخر قيمة قانونية مستحقة لها.