التقاط اللحظة السورية

15 ابريل 2025
محطة وقود في دمشق، 26 ديسمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعيش السوريون بين الأمل والإحباط بعد التحرر من الاستبداد، حيث يواجهون تحديات مثل التمزق الداخلي، الانفصاليين، التهديدات الإسرائيلية، الأداء الحكومي الضعيف، والعقوبات الاقتصادية.
- بوادر الأمل تظهر في استعادة السيطرة على مناطق مثل درعا، واستئناف عمل مصفاة بانياس، مما يعزز الآمال في تحسين الاقتصاد واستعادة حقول النفط، مع فرص للاستثمار وإعادة الإعمار.
- لتحقيق الآمال، يجب على الحكومة السورية توفير بيئة استثمارية مناسبة، تشمل بنية تحتية وقوانين تحمي المستثمرين، واستغلال الفرص المتاحة لتحقيق مستقبل أفضل.

يعيش جلّ السوريين، كما العروس خلال شهر العسل. فتارة ترى الأمل بدولة ومواطنة وتطوّر يكسوهم، وأخرى تبدو عليهم علائم الإحباط ويلفهم اللا أمل. كما العروس التي تعوّل بلحظة على المستقبل والإنجاب والملكية، وأخرى تفكر بالانفصال والطلاق.

ومن يطلع على واقع التناقضات في سورية، منذ تحريرها من نظام الاستبداد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، سيعذر السوريين المتأرجحين بمواقفهم وعواطفهم، وقد يجد مبررات للمترددين بالخارج، سواء للعودة أو الاستثمار والمساهمة بتطوير وطنهم.

فأمواج المخاطر التي تتعالى تباعاً، أتت على قسط وافر، من فرحة النصر وتطلعات البناء والعيش بسكينة. سواء كانت الأمواج من جراء ملامح التمزّق الداخلي وتعالي أصوات الانفصاليين، أو استسهال التعدي على حدودهم من العدو الأزرق، كما يصف السوريون دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وكل هذا، إن لم نأخذ ما يراه المحبطون، في أداء الحكومة الاستئثاري وانعدام الموارد واستمرار شبح العقوبات، عوامل إضافية لأسباب ترددهم.

كما قد يرفع المطلع قبعته للحالمين، بعد الذي ذاقه السوريون ومرّ عليهم، خلال سنوات ثورتهم الطويلة، فخبروا واختبروا اللجوء والأصدقاء، وأيقنوا أن الحل داخل سوريتهم، حتى وإن كان المستقبل محفوفا بالضبابية والمجاهيل.

فمجرد أن تعيش بدولة لا تلاحقك بإقامتك ولا تتهمك بتبديد مواردها وأسباب تخلفها، سبب كاف لتبدأ، ولو من تحت الصفر.

كما بملامح الانفتاح الخارجي وتهافت السوريين المهاجرين، سبب إضافي يزيده الحالمون على ضرورة العودة وزيادة الآمال بسورية التي تشهّاها مهاتير محمد يوماً، وطمح إلى أن يصل بماليزيا لمصافها.

موقف
التحديثات الحية

قصارى القول: كل من الضفتين على حق، أو هكذا يبدو حين استعراض الحالمين أسباب تفاؤلهم، والمحبطين عوامل إحجامهم وترددهم. إلا أن حلقة مفقودة خلال هذا التقييم المنطقي بشكله ومضلل بمضمونه وأهدافه ربما. وهو سورية الوطن، لا سورية الفندق.

إذ وحين يتم نقل المفاضلة من المكاسب والأرباح وحتى الراحة والأمان، إلى المصير والمستقبل وحق الأبناء، فستتبدل النظرة على الأرجح وتتغير النتائج ولا شك. وبالأخص، أن ملامح القوة والثروة المبددة، تغلب وبمسافة، كل ما يمكن استجلابه من مخاوف وأسباب الابتعاد واليأس.

وإن قرّبنا الطرح من العملي والواقعي وابتعدنا عما قد يؤخذ علينا، من العزف على أوتار العاطفة أو طرح الشعارات العريضة، فسنرى حقيقة أن أسباب الأمل متوفرة وعوامل القوة كثيرة والفرص، إن استثمرت، أكثر من أن تعد وتحصى.

بالأمس، على سبيل الذكر لا الحصر، تمت استعادة جغرافيا الجنوب "محافظة درعا" لسيطرة الدولة، ما يزيد الآمال باستعادة محافظة السويداء وقطع الطريق على دعاة التقسيم وذرائع العدو الأزرق، بالتدخل والاحتلال، وحتى بالإعاقة لمشروع الدولة السورية الواحدة.

ويوم السبت الماضي، زار وزير الطاقة، محمد البشير، مصفاة بانياس للنفط، بعد استئناف عملها بطاقة إنتاجية تصل إلى نحو ٩٥ ألف برميل يومياً، ومن يعرف أهمية النفط بسورية، بعد تحولها من مصدر لنحو 200 ألف برميل إلى مستورد بمثلها، وأثر ذلك على الإنتاج والخدمات وحتى موارد الخزينة، يعرف أهمية خبر كهذا، بواقع زيادة الآمال بتنفيذ الاتفاق مع قوات سورية الديمقراطية واستعادة الدولة السورية حقول النفط.

وغداً، ضمن ملامح الأسباب، تستقبل سورية نهاية أيار/ مايو المقبل، نحو 500 شركة من عشرين دولة عربية وإقليمية ودولية، في المعرض الدولي للبناء، ما يفتح الباب واسعاً، لجذب الاستثمارات ولقاءات مباشرة، مع المشاركين، وبالتالي التسريع بعملية البناء وإعادة التأهيل، إن لم نقل التأسيس لإعادة الإعمار.

وأما إن خرجنا بأمثلتنا إلى ما وراء الحدود، فسنرى الوعود والنيات الطيبة بالمساعدة، سواء من تركيا أو قطر والسعودية، إقليميا أو حتى ممن يترددون حتى اليوم، برفع سيف العقوبات عن رقاب وقوت السوريين، فما رأيناه في مؤتمر المانحين من الدول الأوروبية مثال، وما لمسناه من استعادة كوريا الجنوبية علاقاتها آخر، وما شهدناه من تقارب خلال مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي بتركيا، مثال ثالث.

بل حتى الولايات المتحدة التي يصعب على عاقل توقع سلوكها بظل حكم دونالد ترامب، ها هي ترحب بمشاركة ثلاثة وزراء سوريين "المالية، الاقتصاد والخارجية"، فضلاً عن حاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر الحصرية باجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين التي ستستضيفها نيو يورك في وقت لاحق من الشهر الجاري، لتكون أول مشاركة لوفد سوري رسمي في اجتماعات، الصندوق والبنك الدوليين، منذ عقدين على الأقل.

نهاية القول: العبرة ليست برؤية الأفكار المنتشرة على قارعة الطرقات، كما يقال، بل فيمن يترجمها عملياً وواقعاً على الأرض، وكذا اللحظات السورية والفرص اليوم، السر فيمن يغتنمها ويلتقط اللحظة بشروطها وخصوصيتها، فيترجمها عملياً لما فيه خير سورية والسوريين، إذ اللحظة التي تتاح اليوم قد لا تتكرر غداً أو مرة أخرى، تماماً كما مياه النهر الجارية التي لا يمكن الاستحمام فيها مرتين.

بمعنى، لا يمكن لمستثمر يجذبه مناخ سورية أو محبته لها والمشاركة في نهضتها، أن يحافظ على شغفه ومجازفته إن علم أنّ لا بنية تحتية ولا أرضية قانونية تنظم عمله وتحفظ أمواله وحقوقه حتى اليوم.

ولا يمكن لشركة أو دولة، حتى إن جازفتا رغم سيف العقوبات الغربية، أن تعلنا عن توطين مشروعات بسورية، من دون أن تعرض حكومة الشرع خريطة استثمار، وتعلن عن مؤتمر تقدم خلاله المزايا والتسهيلات والفرص التي يحتاجها النسيج الاقتصادي السوري.

وقائمة الأمثلة تطول لتطاول استقرار سعر الصرف واستثمار الموارد المهدمة والمهدورة، بشرية كانت أم مادية والتي يرتبط معظمها، إن لم تقل جميعها، بالتقاط اللحظة اليوم وتحقيق شروط الخارج التي تلتقي بمعظمها مع مطالب السوريين، من مشاركة الجميع وفتح الباب للجميع وإبعاد كل ما من شأنه تكريس نظرة الاستئثار والإقصاء... فسورية الحالمة والمحتاج أهلوها لشروط العيش الآدمي، بعد سنوات الحرمان والتنكيل، ليست من الترف بما يدفعها للمكايدة وخسارة الفرص أو ضياع اللحظات المتاحة.

المساهمون