استمع إلى الملخص
- في أغسطس 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تخفيض الرسوم الجمركية على ست دول عربية، مما أثار تساؤلات حول تأثيره على الاقتصاد الأردني وسوق السيارات المستعملة.
- تثير السياسات الأميركية تجاه الأردن تساؤلات حول قدرة الرئيس على اتخاذ قرارات دون موافقة الكونغرس، مما يعكس الحاجة إلى مؤسسة بحثية عربية لدراسة هذه القضايا وتعزيز العمل العربي المشترك.
من يسعى للحصول على معلومات من "تشات جي بي تي" أو من أي موقع للذكاء الاصطناعي عن التاريخ العربي أو الجغرافي أو العلاقات بين دول الـMENA (الشرق الأوسط وسمال أفريقيا) من ناحية، فمن المرجح أنه سيحصل على معلومات بعضها خاطئ أو ناقص. وعندما تصحح المعلومة يعود إليك الموقع معتذراً ومقدماً معلومات أنت لم تطلبها. ولذلك علينا الحرص الشديد في الاعتماد على المعلومات والاستنتاجات المقدمة عبر الذكاء الاصطناعي. وقد سألته عند الشروع بكتابة هذا المقال عن حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والدول العربية في المنطقة، جاءني الجواب التالي: لقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والولايات المتحدة خاصة مع الإمارات. ثم ينسى السؤال الأصلي ويشرح العلاقات التجارية الثنائية بين دولتي الإمارات والولايات المتحدة. والعجيب أنني لما ألححت عليه بالسؤال أنني أريد الحجم الكلي لتجارة الدول العربية مع الولايات المتحدة، أدخل أنغولا إلى الخط معتبراً إياها دولة عربية. فلما صححت له، أكد لي أن كلامي صحيح وبدأ يقدم لي معلومات تفصيلية عن أنغولا.
وفي مطلع الشهر الحالي آب/ أغسطس 2025، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قائمة جديدة بالرسوم الجمركية التي سيفرضها، حيث خفضها على ست دول عربية ومنها الأردن التي خفض عليها تلك الرسوم من %20 إلى 15%. وقد أثار هذا الإجراء الموجه للأردن بالذات عدداً من التساؤلات التي تستحق المشاركة مع القراء المهتمين.
أولها هي أن الأردن قد وقع اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة في العام 2000 وبدأ بتنفيذها في العام 2010 بعدما استكملت الدراسات والإجراءات والترتيبات التي بموجبها يمكن أن تدخل سلع الأردن إلى السوق الأميركية بدون رسوم جمركية. وقد حلت اتفاقية التجارة الحرة مكان اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة Qualified Industrial Zones أو QIZs التي وقعت بعد معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل وسمحت بإدخال سلع أردنية المنشأ إلى السوق الأميركية معفاة من الرسوم الجمركية إذا حققت الشرط الأساسي وهو وجود 10% من القيمة المضافة لهذه السلع من مصادر إسرائيلية. ونتج عن هذا القرار انتقال بعض الصناعات الإسرائيلية إلى الأراضي الأردنية داخل مناطق صناعية مؤهلة لتلك الغاية. وحظيت المنطقة الصناعية في مدينة إربد بالنصيب الأوفر.
لكن بمرور الوقت، تبين أن شرط القيمة المضافة من مصادر إسرائيلية كانت معوقاً للتبادل التجاري. فقد اتفق الأردن والولايات المتحدة وإسرائيل على إسقاط شرط القيمة المضافة من إسرائيل. وبتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والأردن صار التبادل مباشراً بينهما بدون تدخل إسرائيلي.
وبعد توقيع هذه الاتفاقية، ارتفع حجم التبادل التجاري بين الأردن والولايات المتحدة، وشكلت ستة أنواع من السلع المنتجة أردنياً الغالبية العظمى من السلع المصدرة للولايات المتحدة، ومن هذه السلع نبدأ بالملابس من المناطق الصناعية، ويليها بند الكيماويات، ثم المواد الغذائية الشرقية الخاصة والتي ازدادت شعبيتها في الولايات المتحدة، مثل الفول والحمص والفلافل واللحوم المصنعة الحلال، ثم أملاح البحر الميت والصابون ومواد عطرية أخرى، والحاصلات الزراعية، وأخيراً وليس آخراً الأدوية التي لاقت رواجاً عبر شركات عالمية أردنية المنشأ مثل شركة "الحكمة".
وبوضع ضريبة بنسبة 15% على صادرات الأردن للولايات المتحدة والبالغة قيمتها حوالي ثلاثة مليارات دولار، فإن الرسوم الجمركية الجديدة ستعني رفع أسعار هذه السلع بمبلغ يساوي قيمة الرسوم الجمركية عليها والتي قد تصل إلى 450 مليون دولار، ولكن هذا المبلغ كله لن يدفع بالكامل لأن شركات الأدوية سوف تتوسع في استثماراتها داخل الولايات المتحدة، ما سيجعل من الصادرات الأردنية سلعاً محلية الصنع في الولايات المتحدة، ولكن هذه الحالة وغيرها سوف تخلق بعض التشويش في نظام التصدير والتزويد.
واستبق الأردن قرار الإدارة الأميركية بتخفيض الرسوم الجمركية من 20% إلى 15% بقرار جعل فيها الرسوم على سيارات الكهرباء والهايبرد والبنزين الكبيرة مساوياً للسيارات الصغيرة والمتوسطة المشابهة، ويخدم هذا القرار الاقتصاد الأميركي المصنع للسيارات الكبيرة والتي هبط سعر السيارة الواحدة منها في السوق الأردنية ما بين ثمانية آلاف دولار و12 ألفاً على الأقل.
لكنّ هذا القرار ينطوي أيضاً على خسائر بالقدر نفسه تقع على كاهل المشترين السابقين للسيارات الكبيرة والتي انخفضت قيمة استبدالها أو بيعها بمقدار الهبوط في سعرها الناتج عن تخفيض الرسوم الجمركية المستوفاة عليها. ولذلك وجد كثير من أصحاب السيارات الأميركية أنفسهم قد خسروا. ولعلّ الطريقة التي يمكنهم بها التعويض عن تلك الخسائر غير المتوقعة هو شراء سيارة جديدة بالرسوم الجمركية الجديدة ليسددوا جزءاً منها عن طريق استبدال السيارات القديمة لديهم. وهناك بالطبع شكاوى يثيرها تجار السيارات من غير الوكلاء والذين يبيعون السيارات القديمة أو المجمركة قبل التخفيض. وعليه سنرى ردات فعل مختلفة في الطلب على السيارات المستعملة والمعروض منها في صالونات شركات بيع هذه السيارات.
ولو كانت قدرة الولايات المتحدة الضاغطة على الأردن لكي يطبق طلبات الإدارة الأميركية منه محصورة بالسيارات لهان الأمر، ولكان بالإمكان تجرع نتائجها. ولكن الولايات المتحدة تمنح الأردن مساعدات سنوية تصل إلى أكثر من واحد ونصف مليار دولار، ولها أيضا تأثير مهم داخل آلية صنع القرار في صندوق النقد والبنك الدوليين. وقد لمح الرئيس الأميركي في عدد غير قليل من المناسبات إلى إعادة النظر في المساعدات الأميركية الخارجية. وحصل هذا عندما حلّ إيلون ماسك، الذي تولى "إدارة الكفاءة الحكومية" أيام شهر العسل مع ترامب، الوكالة الأميركية للتنمية USAID، وتكرر حينما تحدث الرئيس ترامب نفسه عن تخفيض حجم المساعدات الأميركية وإعادة النظر فيها ولمن تدفع.
أما النقطة الأخرى فهي التساؤل حول موقف القانون الأميركي من قيام الرئيس بالتوقف من طرف واحد عن تنفيذ اتفاق دولي حظي بموافقة الكونغرس في استكمال إجراءاته التشريعية والتنفيذية. وبموجب التعديل الذي جرى على قانون التجارة الأميركي في العام 1977، والذي أقر من قبل الكونغرس إلا أن ترامب اكتسب مع الوقت صلاحيات تعطيه الحق في اتخاذ قرارات تنفيذية دون العودة إلى الكونغرس. ومع أن هذا الأمر ليس محسوماً تماماً، إلا أن الرئيس ترامب يستطيع أن يجد طريقة لمعاقبة الأردن إذا صمم على ذلك. وبالمقابل، فإن ترامب هدد برفع الرسوم الجمركية إلى 100% ضد الدول الأعضاء في مجموعة بريكس في حال اتخذت المجموعة قراراً بإصدار عملة غير الدولار للتعامل التجاري الدولي في ما بينها أو مع دول أخرى. ولكن المحاكم الأميركية تنظر الآن في حق الرئيس أن يرفع الرسوم الجمركية من جانب واحد بدعوى الدفاع عن المصالح الأميركية العليا. ويثور السؤال: ما هي هذه المصالح ومن هو الذي يحدد نفعها من ضرها؟ وهل سيكون قرار المحكمة، إذا جاء مخالفاً لقرار الرئيس، ملزماً للرئيس بتنفيذه؟
هذه أسئلة مهمة ويجب أن تدرس وتحلل. ولذلك لا بد من خلق مؤسسة عربية للبحوث تنشأ في إطار الجامعة العربية أو بشكل مستقل، وتكون مهمتها إجراء بحوث متعمقة لهذه القضايا التي تهم الدول العربية والتي تدرس الحلول الممكنة والمحتملة لأي معضلة كالتي نواجهها الآن مع الإدارة الأميركية الحالية، ومن ثم تُعرض هذه القرارات على الجامعة العربية أو المجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للجامعة العربية أو بالتعاون مع كل من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أو صندوق النقد العربي من أجل دعم القرار العربي لمواجهة هذه المشكلات التي يبدو أنها سوف تزيد تعقيداً وإشكالية مع الوقت.
الحرب في نهاية المطاف بكل أشكالها التجارية والتكنولوجية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والنفسية وحرب العملات هي مظاهر من معركة أوسع لسرقة المستقبل العربي وفرض الهيمنة على خيراته وموارده. وأتساءل هنا عن دور العرب والمسلمين بشكل عام. لقد بات من الواضح أنهم (العرب خاصة) بحاجة إلى قراءة وصية القائد المهلب بن أبي صفرة الذي له بيتان شهيران من الشعر:
كونوا جميعاً يا بَنيَّ إذا اعتدى خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا
ومع أن هذه الأبيات قد قيلت في مطلع القرن الثامن الميلادي أو قبل ما يقارب 1330 عاماً ميلادياً، إلا أنها كان يمكن أن تصبح شعاراً لموسوليني في إيطاليا. ولكن هذا لا يقلل من قيمتها على الإطلاق، وخاصة أنها تأتي على لسان فارس بني أمية الشهير الذي قيل إنه لم يهزم أبداً.
نحن أمام تحديات قد يصبح بعضها وجودياً. والآخرون يخططون لنا ويقطعون فينا كما تقطع السكين في قالب الكيك. فهل آن الأوان لعمل عربي مشترك ذي قيمة يطمئن المواطن العربي بأننا ما زلنا أحياء وأننا قادرون على رفع روحه المعنوية ليكون مع قياداته.