السوق البريطاني الهش: تشريعات وتكاليف ترهق الشباب والمهاجرين

15 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 08:24 (توقيت القدس)
مركز التوظيف في ويلز، 18 أغسطس 2020 (ماثيو هوروود/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه بريطانيا تحديات في سوق العمل بسبب الضغوط الاقتصادية والتغييرات التشريعية، مما يعقد دخول الشباب والمهاجرين إلى السوق، رغم استقرار البطالة عند 4.7% وتراجع نيات التوظيف في القطاع الخاص.

- تراجع الأجور الحقيقية بسبب التضخم يؤثر على استقرار الأفراد، مع ارتفاع تكاليف التوظيف نتيجة تغييرات التأمينات وزيادة الأجور، مما يضع ضغوطًا على أصحاب العمل في قطاعات مثل الرعاية والضيافة.

- يناقش البرلمان مشروع قانون حقوق العمل لتحسين حقوق الموظفين، لكن قد يزيد من تكاليف التوظيف ويعقد التعيين، مما يدفع لتقليص التوظيف أو الاعتماد على العمال المؤقتين، ويوصى بزيادة الاستثمار في التدريب المهني.

تواجه بريطانيا مرحلة حساسة في سوق العمل، حيث تتقاطع الضغوط الاقتصادية مع تغييرات تشريعية مرتقبة، ما يهدد بزيادة التحديات أمام الشباب والمهاجرين الباحثين عن فرصهم الأولى في السوق البريطاني.

وتشير أحدث بيانات المكتب الوطني للإحصاءات إلى أن معدل البطالة استقر عند 4.7% خلال الربع المنتهي في يونيو/حزيران 2025، وهو مستوى يوحي بالثبات، لكن تراجُع نيات التوظيف في القطاع الخاص إلى 57% فقط، مقارنة بـ65% في خريف العام الماضي في أدنى معدل منذ ما قبل الجائحة، يغيّر ملامح سوق العمل على نحو غير مسبوق منذ أزمة كوفيد.

ويعكس هذا النمط اتساع مؤشرات التخبط في الاقتصاد البريطاني، الذي يتأرجح عند حافة الركود. وقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3%، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاءات الوطنية الخميس، متجاوزًا توقعات خبراء الاقتصاد في القطاع الخاص وبنك إنكلترا البالغة 0.1%. وارتفع الناتج في يونيو وحده بنسبة 0.4%، أي ضعف التوقعات، عقب انخفاضات طفيفة في الشهرين السابقين.

هذا يعني أن المملكة المتحدة سجّلت أسرع نمو بين دول مجموعة السبع خلال النصف الأول من العام، وهو تعهدٌ كررته حكومة كير ستارمر. إلا أن جزءًا كبيرًا منه مدفوعٌ بزيادة الإنفاق العام في عهد حزب العمال. فقد ساعد ارتفاع الإنفاق الحكومي والمخزونات على تعويض تباطؤ إنفاق المستهلكين وانخفاض استثمارات الشركات خلال الربع الثاني.

وصرحت آنا ليتش، كبيرة الاقتصاديين في معهد المديرين لوكالة "بلومبيرغ": "من الجيد أن نشهد نموًا أقوى مما توقعه الكثيرون. لكن من اللافت للنظر أن الزخم يأتي من القطاع العام". ووفق مركز الإحصاءات، انخفض معدل نمو الأجور المنتظم المعدل وفقًا لتضخم مؤشر أسعار المستهلك إلى 1.5%، وهو أدنى مستوى له منذ الأشهر الثلاثة المنتهية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وهذا يعني أن التعافي في الأجور الحقيقية يتلاشى مع ارتفاع التضخم. هذا الهبوط لا يظهر فقط في الجداول والإحصاءات، بل في قصص الناس.

دانييلا، 24 عامًا، خريجة علم الجريمة، قالت لـ "العربي الجديد" إنها كانت تبحث عن وظيفة تتناسب مع شهادتها الجامعية، لكنها تنازلت وقبلت العمل في مجال الضيافة على أمل أن تكون خطوة أولى نحو الاستقرار. إلا أن التجربة كانت محبطة، إذ كانت تُفصل بعد شهر أو شهرين من دون تبرير واضح، حتى يئست وقررت ترك بريطانيا للعمل في إحدى دول الخليج. "لم أكن أبحث عن وظيفة أحلامي، فقط أردت مكانًا أستقر فيه، لكن حتى هذا لم يكن ممكنًا"، وفق دانييلا.

أزمات السوق البريطاني

قصص كهذه تعكس ما تكشفه بيانات المعهد المعتمد للأفراد والتطوير، التي تشير إلى أن 84% من المنظمات في بريطانيا تؤكد أن تكاليف التوظيف ارتفعت منذ تغييرات التأمينات الوطنية لأصحاب العمل التي دخلت حيز التنفيذ في إبريل/نيسان 2025. ويقول 36% من أصحاب العمل إن هذه الزيادة كانت أكبر عامل ضغط على ميزانياتهم خلال العام الماضي، مقارنة بـ15% عزوا السبب إلى ارتفاع تكاليف الطاقة و12% إلى زيادة الحد الأدنى للأجور.

القطاعان الأكثر تأثرًا هما الرعاية والضيافة، حيث أفاد نصف أصحاب العمل فيهما بأن تعديلات إبريل/نيسان رفعت تكاليفهم إلى حد كبير. كما تكشف بيانات المعهد عن مفارقة لافتة، 37% من أصحاب العمل الذين يوظفون شبابًا دون 21 عامًا قالوا إن تغييرات التأمينات رفعت تكاليفهم بشكل كبير، رغم أن هذه الفئة معفاة قانونيًا من مساهمات صاحب العمل، مقارنة بـ23% لدى من لا يوظفون شبابًا.

ويرى اقتصاديون أن هذه الضغوط ترتبط بزيادة الأجر الوطني المعيشي، الذي ارتفع اعتبارًا من 1 إبريل/نيسان 2025 إلى 12.21 جنيهًا للساعة لمن يبلغون 21 عامًا فأكثر، إلى جانب رفع نسبة مساهمات أصحاب العمل في التأمينات الوطنية من 13.8% إلى 15% بدءًا من 6 إبريل/نيسان، مع خفض الحد الأدنى لبدء الاشتراك. هذه الزيادات رفعت الكلفة الفعلية لتوظيف العاملين قليلي الخبرة، وأضعفت رغبة الشركات في المخاطرة بتعيين مرشحين يفتقرون إلى سجل مهني طويل.

يأتي هذا التباطؤ في نيات التوظيف بينما يناقش البرلمان مشروع قانون حقوق العمل، الذي يتضمن منح الموظفين حق التظلّم من الفصل منذ اليوم الأول، بدلاً من فترة الانتظار الحالية البالغة عامين. ورغم أن القرار المبدئي بإقرار هذا الحق قد اتُّخذ منذ أشهر، فإن الخطة الحكومية تُرجّح دخول معظم هذه التغييرات، بما فيها "اليوم الأول"، حيّز التنفيذ تدريجيًا بدءًا من عام 2027.

في السياق، يقول بن ويلموت، رئيس السياسات العامة في المعهد المعتمد للأفراد والتطوير، في حديث لـ "العربي الجديد"، إنّ تكاليف التوظيف ترتفع نتيجة زيادة التأمينات الوطنية لأصحاب العمل ورفع الحد الأدنى للأجور. كما أن التغييرات المرتقبة في مشروع قانون حقوق العمل، مثل فترة التجربة القانونية الجديدة وحق الإجازة المرضية منذ اليوم الأول، ستضيف مزيدًا من الكلفة والتعقيد على عملية تعيين وإدارة الموظفين الجدد.

ويضيف: "أخبرنا العديد من أصحاب العمل أنهم قد يقلّصون التوظيف بسبب بعض بنود القانون أو يعتمدون أكثر على العمال المؤقتين أو المتعاقدين المستقلين. ومع محدودية الخبرة والحاجة لمزيد من التدريب، يصبح الشباب أكثر عرضة للتهميش لمصلحة المرشحين ذوي الخبرة الذين يمكنهم المساهمة فورًا".

ويرى ويلموت أن على الحكومة "أن تكون أكثر طموحًا في توسيع فرص التدريب والعمل للشباب، مع زيادة الاستثمار في برامج التدريب المهني للفئة العمرية 16–24 عامًا، وإشراك أصحاب العمل مبكرًا في تصميم ضريبة النمو والمهارات، وتطبيق ضمانة للتدريب المهني لكل شاب ضمن هذه الفئة".

المساهمون