شمال غزة... أزمات الإنترنت والكهرباء تعرقل العمل عن بعد

04 فبراير 2025
يواصل الفلسطينيون العودة إلى منازلهم في شمال غزة، 2 فبراير 2025 (علي جاد الله/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه العاملون عن بعد في غزة والشمال تحديات كبيرة بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت، مما يهدد مصادر دخلهم ويزيد من صعوبة الحياة والعمل في هذه المناطق.
- تدمير ألواح الطاقة الشمسية وعدم توفرها يدفع الفريلانسرز للاعتماد على حلول بديلة، مما يؤثر على التزامهم المهني ويفقدهم بعض العملاء الدوليين.
- يعاني العاملون من تأثيرات سلبية على حياتهم المهنية والشخصية، مما يهدد قدرتهم على المنافسة ويدفع بعضهم للتفكير في وظائف تقليدية بسبب الإرهاق والتوتر.

 

يواجه أصحاب العمل عن بعد (فريلانسر) العائدون من المحافظات الوسطى والجنوبية إلى محافظتي غزة والشمال تحديات كبيرة بسبب الانقطاع التام للكهرباء والإنترنت، الأمر الذي بات يهدد بقطع مصادر دخلهم في ظل الأزمات العميقة التي طاولت مختلف الإمكانات.

وإلى جانب النقص الحاد في مختلف المقومات الأساسية للحياة، والتي فوجئ بها النازحون العائدون من رحلة النزوح القاسية والتي امتدت منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يعاني شمال القطاع من انعدام مختلف أشكال البنية التحتية، والمياه والصرف الصحي، كذلك غياب كامل لشبكات الكهرباء وبدائلها والإنترنت وضعف شديد في الاتصالات الخلوية.

وتعتبر أزمة الكهرباء والإنترنت من الأزمات المركبة، حيث يعتمد عليها الفلسطينيون في حياتهم اليومية، إلى جانب اعتماد شريحة واسعة على تلك المقومات في العمل عن بعد، وقد تم قطع الخطوط الإسرائيلية للكهرباء منذ اليوم الأول للحرب وقصف الأعمدة والأسلاك ومنع دخول الوقود الخاص بتشغيل المحطة الوحيدة، والذي يساعد كذلك على تشغيل المولدات الكهربائية التي توفر بديلاً عن الكهرباء، كما تم تعطيل خطوط الإنترنت عبر قصف وتدمير الشركات والشبكات وأبراج الإرسال والكبائن.

وحسب تقرير سابق لمنظمة العمل الدولية، سجل معدل البطالة في غزة ما بين أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2024، نحو 79.7%، في حين قدّرتها تقارير أممية بأكثر من 90%. وكان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، قد أعلن عن عودة 300 ألف نازح فلسطيني إلى الشمال مع بداية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

تدمير بدائل الطاقة في غزة

يزيد من عمق الأزمة في شمال قطاع غزة تدمير الاحتلال الإسرائيلي ألواح الطاقة الشمسية التي من شأنها توفير كهرباء بديلة وعدم توفرها في الأسواق بفعل منع دخولها، بينما تعاني الألواح المتبقية من ضعف في الأداء بفعل الاستخدام المتواصل لها وتعرضها للتلف في ظل صعوبة الصيانة وعدم توفر قطع الغيار.

ويقطع أصحاب العمل عن بعد مسافات طويلة للوصول إلى نقاط تعتمد على الطاقة الشمسية لشحن هواتفهم وأجهزة اللابتوب و"الباور بانك" الخاصة بهم والبطاريات المحمولة الخاصة بالإنارة، وبعد إتمام الشحن يتوجهون إلى نقاط توفر إنترنت الشوارع، بينما يبحث بعض الفريلانسرز عن مراكز توفر إنترنت وكهرباء مستقرة، إن وجدت، للعمل منها مقابل رسوم.

ويعتمد الفريلانسرز على خطوط الإنترنت المحمولة (بيانات الهاتف) رغم أنها ليست بديلاً مثالياً بسبب التكلفة والجودة، إلا أنها تظل خياراً في الحالات الطارئة، بينما يضطرون إلى تعديل جداول العمل، إذ يعمل البعض في ساعات متأخرة أو مبكرة، حسب توفر الكهرباء البديلة أو الإنترنت، لتلبية متطلبات عملائهم، إلى جانب حرصهم على التواصل مع الشركات ومصادر العمل في الخارج لإبلاغهم بالوضع وتعديل المواعيد أو تجميد العمل مؤقتاً.

ويقول مصمم الغرافيك الفلسطيني أحمد عودة (29 عاماً) لـ "العربي الجديد" إنّ الانقطاع التام للكهرباء والإنترنت أثّر مباشرة على التزامه مع العملاء، إذ يحتاج أحياناً إلى تسليم مشروع في موعد محدد، لكن بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت، يجد نفسه مضطراً للاعتذار أو طلب تمديد المواعيد، الأمر الذي أفقده بعض العملاء الدوليين الذين كانوا يعتمدون عليه.
ويوضح عودة أن أزمة الكهرباء والإنترنت ليست جديدة، حيث واجهته قبل الحرب وقبل النزوح وخلال النزوح وبعد العودة نحو مدينة غزة، إلا أن الوضع الحالي في المحافظات الشمالية غير مسبوق، حيث لا كهرباء ولا إنترنت ولا بدائل، معرباً عن خشيته من أن تؤثر الظروف الطارئة على سمعته المهنية وتفقده المزيد من الفرص، بخاصة أنّ المنافسة في مجال العمل الحر شرسة.

موقف
التحديثات الحية

ويبين مطور المواقع الإلكترونية محمود يوسف (32 عاماً) ويعيل أسرة مكونة من أربعة أفراد أن أزمة الكهرباء والإنترنت لا تؤثر على الحياة اليومية للفلسطينيين، أو على عمله وأوقات تسليم المشاريع والطلبات فقط، بل تجاوزت ذلك وباتت تؤثر على تطوير مهاراته، إذ لا يستطيع الوصول لدورات تدريبية أو متابعة التطورات في مجال البرمجة بشكل منتظم.

ويلفت يوسف في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه يستخدم جهاز إنترنت متنقلاً ولوح طاقة شمسية قديماً ومهترئاً لشحن أجهزته، ولكن بكفاءة ضعيفة لا تمكنه من إتمام الشحن، مبينا أن استمرار الأزمة، قد يفقده قدرته على المنافسة في المجال سريع التطور والمواكبة، وهو ما يشعره بالإحباط، كما يعرض مصدر رزقه الوحيد للخطر.

فقدان الزبائن

تشير كاتبة المحتوى سعاد البرنية (27 عاما) إلى التعب الشديد الذي يلازمها منذ العودة من المحافظات الوسطى وبعد أن قامت بموائمة مساحة عمل تتضمن الكهرباء والإنترنت خلال ساعات النهار، فوجئت بعدم توفر الإنترنت أو نقاط شحن للأجهزة سوى في حدود ضيقة للغاية ولساعات قليلة خلال النهار، وتتطلب السير لمسافات طويلة بفعل عدم توفر وسائل النقل.
وتبين البرنية لـ "العربي الجديد" أن التعب يترافق مع شعور متواصل بالتوتر على مستقبل عملها في ظل هذه الظروف، وتقول "الوضع مقلق جداً، إذ تحتاج الكتابة إلى تركيز، والانقطاعات تجعلني أعمل في أوقات غير مريحة مثل منتصف الليل، بالإضافة إلى ذلك، العملاء يطلبون تواجدا شبه دائم للرد السريع، وهذا غير ممكن في ظل انقطاع الإنترنت بدأت أفكر بجدية في البحث عن وظائف تقليدية حتى لو براتب أقل، لأن الأمر أصبح مرهقاً للغاية".

وتشاركها في نفس الواقع المسوقة الرقمية رنا كحيل، حيث بدأت بفقدان بعض الزبائن الرئيسيين جراء التأخير المستمر، رغم شرحها للوضع، إلا أن بعض العملاء لا يفهمون تعقيدات الحياة في محافظات غزة. وتبين كحيل لـ "العربي الجديد" أنها تشعر بالقلق على مستقبلها المهني، حيث يعتمد العاملون عن بعد على بناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء، وأي خلل في الأداء قد يؤدي إلى خسارتهم، وهو ما قد يحدث في حال استمرار تعقيدات الأزمة.

المساهمون