استمع إلى الملخص
- ألبومها "مرا" يعكس انتماءها للنسوية، مستلهمة من ثقافات البحر الأبيض المتوسط، مما يعزز شعورها بالانتماء للعالم العربي والأفريقي والأوروبي.
- توسعت في الموسيقى التصويرية بمشاريع مثل "وين صرنا" و"Assassin’s Creed"، ساعية لتقديم تجارب موسيقية ومسرحية تتجاوز الغناء لتصبح تجارب سينمائية متكاملة.
انطلقت المغنية التونسية آمال المثلوثي (1982) من عالم الميتال، لتتنقل بخفة بعدها بين عوالم موسيقية مختلفة. ذاعت شهرتها مع انطلاق الثورة التونسية حين أمست أغنيتها "كلمتي حرة" أيقونة من أيقونات الحراك، وإن كانت مسيرتها قد بدأت قبلها بسنوات. إضافةً إلى الغناء، تكتب المثلوثي وتلحّن وتوزع ما تغنيه. ولإلقاء الضوء على تجربتها الموسيقية، التقتها "العربي الجديد" في هذه المقابلة.
قد يستغرب بعضهم حين يعرف أن بداياتك كانت مع الميتال. هل ما زال لها امتداد مع ما تقدمينه اليوم؟
بالتأكيد، ما زال هناك امتداد قوي مع بداياتي. حين تستمع إلى أغانيّ ستلمس ومضات وإحساس وروح الميتال في طريقة التلحين، لذلك أشعر أن الاتصال مع هذا اللون الموسيقي ما زال قائماً، لكن بما يتلاءم مع شخصيتي الفنية الحالية.
أصدرتِ ألبوماً بعنوان "مرا"، بتحريض من نسوية تصرّحين دائماً بانتمائك إليها. هل وجدت انعكاساً أو بعداً فنياً للأمر بعد خوض التجربة؟
كانت تجربة ثرية جداً وعميقة ولها انعكاس وأثر قوي عليّ شخصياً وعلى مشروعي الفني أيضاً. نعم، شعرت أن الإنتاج النسائي يتمتع ببعد مختلف، إذ أحسست لكوني امرأة بأن تجاوب النساء مع أفكاري وتجاربي الصوتية أقوى. وحين أغني أعمال هذا الألبوم، وأحكي للجمهور على المسرح قصصاً كانت وراء إنتاجه، أشعر بتعاطف كبير مع الفكرة، وأتمنى أن يعتمد فنانون آخرون، ليس النساء فقط، هذا التوجه؛ لأننا بصفتنا نساءً نستحق مساحة أوسع في الميدان الموسيقي والفني عموماً.
تكتبين كلمات أغانيك وتلحنينها وتوزعينها. ما الذي يمنحه لك إنتاج الأغنية كاملةً؟
كثير من وجع الرأس (تضحك). حين بدأت مشواري لم أطمح قَطّ إلى إنتاج الأغنية كاملةً، لكن طبيعة المشروع الموسيقي جعلت الأمر يحدث عفوياً. تأتيني فكرة اللحن والإيقاع ثم فكرة النص، و"شوية بشوية" يصبح هناك تصور مكتمل، وما عليّ سوى أن أتتبع الموجة، ويصعب ألّا أفعل ذلك، لتكبر وتكبر حتى تكتمل. هكذا أجد نفسي ألحن وأوزع وأنتج أعمالي، وأتصور أنّ من الطبيعي أن يقدم الفنان منتجه الفني وفق رؤيته، وأن يصوغ هوية ما يقدمه بنفسه.
في ألبومك Everywhere We Looked Was Burning يستمع الجمهور إلى إيقاعات غربية وشرقية وأفريقية ومغاربية، هذا التنوع يطبع موسيقاك، ما الذي يميزها أيضاً إلى جانب التنوع والتجريب؟
أظن أن ما يميز موسيقاي بالفعل هو التنوع أولاً، وإن حَكَمته العفوية والسلاسة، إلى جانب قوة المشاعر التي ينتجها شيء من المعاناة النفسية تتلاقى مع الأمل في المستقبل. ثانياً، أطمح دائماً إلى تقديم موسيقى خالدة، تقف بعيداً عن نظيرتها الاستهلاكية، وتهب الناس مشاعر قوية، وتحفّز عقولهم. ثالثاً، أشعر أن لدي شخصية فنية متعددة، لأني لا أقدم موسيقاي إلى فئة واحدة، وهذا لأن نشأتي في تونس أهلتني لهذا التنوع؛ فبحكم انتماء بلدي إلى دول البحر الأبيض المتوسط، تجده مفتوحاً على ثقافاتها المتنوعة. هذا يجعلني أشعر أنني عربية وأفريقية وأوروبية أيضاً، ما يمنحني مساحة واسعة من الحرية، ويحرضني على الإبداع.
ما الذي يمنحك إياه الغناء بأكثر من لغة؟
في تصوري، الانفتاح على الثقافات المختلفة هو المرحلة الأولى التي على كل فنان أن يمر بها خلال فترة إعداده، فأثمن ما يملكه الإنسان على امتداد عالمنا هو الثقافة، وحين أغني بأكثر من لغة أجدها فرصة لتلاقي هذه الثقافات.
تقدمت أخيراً إلى مجال الموسيقى التصويرية من خلال الفيلم الوثائقي الفلسطيني "وين صرنا". ما الذي تمنحه هذه المساحة لك باعبارها موسيقية؟
عندما بدأت مشواري الفني اقتصر طموحي، كما ذكرت لك، على الغناء، لأنه بمثابة التجربة الروحية الأهم بالنسبة إليّ. وبمرور الوقت صرت ألحن وأوزع، وهذا جعلني أشعر أن الإنتاج الموسيقي يمثل جانباً آخر من شخصيتي، أشعر معه بالسعادة أيضاً. كذلك فإنني، منذ البداية، كثيراً ما استقبلت تعليقات من جمهوري أن موسيقاي أقرب إلى الموسيقى السينمائية، وهذا شجعني على اختراق مجال الموسيقى التصويرية في عدد من التجارب، آخرها موسيقى لعبة الفيديو Assassin’s creed، وآمل أن تزيد الفرص في هذه المساحة للنساء، لأني أشعر صراحة أن عالم الموسيقى التصويرية عالم رجالي بحت، خصوصاً في بلداننا العربية، لذلك أتمنى لو اتسعت المساحة فتعطي الفرصة للعنصر النسائي حتى يضيف إحساساً ورؤى جديدة في هذا المجال.
وبالنسبة إلى تجربة "وين صرنا"، أتذكر أنني استمتعت بها، وإن كانت متعة لا تخلو من ألم، بسبب موضوع الفيلم الذي ناقش معاناة الشعب الفسلطيني، إلا أنه كان شرفاً كبيراً أن أتعاون مع المخرجة درة زروق، وأن يكون الوثائقي عن فلسطين، بما يحمله ذلك من قيمة بالنسبة إليّ، وأعتز بالعمل أيضاً لأنه أول تجربة أقدم خلالها الموسيقى التصويرية إلى فيلم كامل.
هل ما زلت مخلصة لما يعرف بالموسيقى الملتزمة أم أن ما تقدمينه اليوم قد تجاوزها؟
لا لم أتجاوزها، لكن هذا المفهوم في العالم العربي ينحصر للأسف في كلام قوي وموسيقى جميلة مع توزيع وإنتاج متواضع وبسيط. لكني منذ البداية مهتمة بمزج هذا اللون الموسيقي بالتجارب الإيقاعية المختلفة وبالموسيقى الإلكترونية، وبإنتاج كبير ربما، إلى جانب التزامي المعاني الإنسانية النبيلة. لذلك، أظن أن التجربة ممتدة وتتطور في ما أقدمه، عندما أغني للحب، حب الحياة، حب الحرية، حب العدالة، حب الناس، لأنني أشعر دائماً أن الموسيقى يجب أن تحتوي على بُعد أوسع من تجاربنا الخاصة وعلاقة الحب العادية.
ما المساحة الجديدة التي تتطلعين إلى الانتقال إليها خلال الفترة المقبلة؟
حالياً، لدي جولة خاصة بآخر ألبوماتي. وبالنسبة إليّ، فإن تجربة المسرح تتسم بالجدة مع كل مرة أصعد عليه، لأني أعمل دائماً على تطوير جميع الجوانب الفنية المتعلقة بالحفل من إضاءة وصوت وتصوير؛ فالمسرح بالنسبة إليّ يتجاوز الغناء، هو أقرب إلى أن يكون تجربة سينمائية. وأتطلع إلى إنتاج ألبوم جديد، وخوض تجارب مختلفة للموسيقى التصويرية، وأرحب دوماً بكل التجارب الفنية.