الأزياء الرقمية: تلك الملابس التي تبقى على الشاشة

30 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 16:30 (توقيت القدس)
مؤسسي دار Auroboros للأزياء خلال فعالية أصوات من عالم آخر (سمير حسين/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الأزياء الرقمية تمثل تطوراً في الموضة، حيث تتيح تصميم وارتداء ملابس افتراضية في العوالم الرقمية مثل الألعاب و"ميتافيرس"، وتقدم دار Auroboros أزياء تمزج بين الطبيعة والتكنولوجيا.
- رغم الانتقادات والتحديات المالية، تحظى الأزياء الرقمية بالاهتمام، حيث أعلنت "ميتا" عن أسبوع الأزياء الرقمية، لكن تظل هذه الأزياء أقرب لشخصيات الألعاب، مما يثير تساؤلات حول واقعيتها.
- مستقبل الأزياء الرقمية غير مؤكد، حيث تظل محصورة في العوالم الافتراضية، مما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت ستصبح جزءاً من الواقع اليومي أم ستظل مجرد فقاعة رقمية.

لطالما مثّلت عبارة الأزياء الرقمية مفارقة وتناقضاً؛ فكيف يمكن للأزياء أن تكتسب قيمتها إن بقيت على الشاشة من دون أن نتلمسها ونتحسس طياتها ونلبسها ونستعرضها أمام الآخرين؟ أو على الأقل أمام المرآة؟ مع ذلك، يدافع كثيرون عن الأزياء الرقمية بوصفها منتجاً ما بعد حداثي.

هذه "الأزياء" تنتشر بشدة ضمن العالم الرقمي، ونقصد عوالم الألعاب التي نُلبس فيها الشخصيات التي نختارها للعب ما نريد، إضافة إلى تلك التي ترتديها الشخصيات في العوالم الافتراضية، مثل "ميتافيرس". بعضهم يرى الأمر مجرد هدر للمال وخدعة بعيدة عن "التصميم". في حين يرى آخرون هذه الأزياء تطوراً عضوياً لعالمنا الغارق في الشاشات.

دار Auroboros للأزياء مثلاً وجدت حلاً وسطاً، فالدار التي تأسست عام 2019 أثناء جائحة كوفيد-19، ترفع شعار "العلم يلتقي التكنولوجيا والأزياء"، وتقدم لنا ملابس تمزج بين الجسد البشري وتحوّلاته. أزياء مستمدة من الطبيعة والقدرة على توليد تنويعات عليها ضمن المساحات الرقميّة، وقد عرضت "أزياءها" في دور كبرى، مثل غوتشي وبرادا.

تصمم "الدار" أزياء للعوالم الرقميّة، للصور وأغلفة المجلات، وأحياناً مجرد مؤثرات بصرية تضاف إلى الصور التي نلتقطها، وأحياناً نراها في بعض الأفلام والمسلسلات. بصورة ما، نحن أمام تصاميم من الصعب أن نجد لها معادلات في الواقع، لكنها ممتعة على الشاشة.

الأمر أقرب إلى لعبة تصميم فاخرة لا تباع للمستهلكين مباشرة، بل لشركات الإنتاج؛ إذ يتراوح سعر بعض "الأزياء الرقمية" بين 1 إلى 1.5 إيثر (كل 1 إيثر يساوي حالياً نحو 3350 يورو). لكن على الرغم من المشاركات العديدة للدار في عروض الأزياء والاحتفاء بها، نلاحظ أنها أقرب إلى أعمال فنية رقمية، لا أزياء، فيختصر حضورها على العالم الرقمي، مثل عوالم "ميتا"، ويتم التعامل معها بوصفها عملاً فنياً رقمياً، وليست "أزياء" يمكن شراؤها وارتداؤها في الشارع.

هذا التراجع في الهالة يمكن تلمسه في صفحة إنستغرام الخاصة بـ"دار الأزياء" Auroboros، فلا تحوي تحديثات أو منشورات جديدة، وكأن هذه الموضة "انتهت" أو تلاشت. هي أقرب إلى فقاعة مشابهة لفقاعة "ميتا فيرس" التي كلفت مارك زوكيربيرغ المليارات، ثم ببساطة، فشلت.

لايف ستايل
التحديثات الحية

مستقبل الأزياء الرقمية يتجه إلى النهاية ربما، وهذا السؤال الذي طرحته مجلة فوغ عام 2024 ساخرة: "هل الأزياء الرقمية أصلاً أزياء؟". سؤال جاء تعليقاً على تحول هذا النوع من "التصاميم" إلى NFT خاضعة لتقلبات السوق؛ إذ يرتفع وينخفض ثمنها، بعكس الأزياء الفاخرة التي يزداد ثمنها مع مرور الوقت.

على الرغم من الانتقادات والخسارات المالية، أعلنت "ميتا" هذا العام عن أسبوع الأزياء الرقميّة، في عوالم تحت شعار أقرب ما يكون إلى "مستقبل مائع، عبيد رقميون". لكن الصور التي نشرت للـ"تغطية" تبدو أقرب إلى لعبة سيئة التصميم، ولا يمكن النظر إلى "الشخصيات" إلا بوصفها كائنات تنتمي إلى عالم الألعاب أو الرسوم المتحركة، فلا تمتلك حتى ذاك الأثر المرعب الذي نشعر به حين يتشابه الرقمي مع الواقعي، أي هي ليست فائقة الواقعية.

في هذا السياق، يلفتنا أن تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن الأزياء الرقمية يهدد المصممين، بسبب القدرة التوليدية اللامتناهية، وهذا ربما ما قد يدفع كثيرين إلى إعادة النظر في مفهوم الأزياء الراقية، إذ لم تعد مخيّلة المصمم هي الحكم، بل عدد لامتناه من الخيارات والصور يمكن للمستهلك أن يختار منها ما يراه الأنسب.

بصورة ما، قد تصادر القدرة على خلق الموضة من دور النشر، وتمنح للمستهلكين القادرين على اختيار ما يناسبهم وفق ذوقهم الخاص.

الواضح أن الأزياء الرقمية لم تغادر عوالم الشاشة، بل هي أشبه بقطاع ما زال يتحرك ضمن المشاريع المستقبلية وأحلام المؤمنين بوادي السيليكون، أولئك الذين يرون أن المستقبل سيكون حكراً على الشاشات، بينما يتلاشى الواقع وخياراته، في إهمال تام للحسي والتركيز على البصري والمتخيل الذي يتجاوز حتى الجسد الإنساني.

هكذا، نحن أمام "مصممين" يخلقون صوراً ويتبادلونها. صور مهما اختلفت دقتها تبقى بعيدة عن الواقع، أو بصورة أدق، لا تنتمي إليه.

المساهمون