"الفك المفترس" يلتهم السينما

30 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 08:30 (توقيت القدس)
ستيفن سبيلبرغ أثناء تصوير "الفك المفترس" (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "الفك المفترس" للمخرج ستيفن سبيلبرغ يُعتبر من كلاسيكيات السينما، حيث أثّر بشكل كبير على صناعة الأفلام، ممهداً الطريق لأفلام تتناول كائنات عملاقة مثل "الحديقة الجوراسية"، ويُنظر إليه كتعبير عن تدمير الصورة الرأسمالية للعالم.

- يُظهر الوثائقي على ديزني بلس كواليس تصوير الفيلم والتحديات التي واجهها فريق العمل، ويُبرز أهمية الإخراج في خلق تجربة سينمائية مميزة باستخدام المؤثرات الخاصة اليدوية في السبعينيات.

- أسس الفيلم لمفهوم أفلام الصيف ذات الإيرادات العالية، ويعكس الصدام بين الطبيعة وإصرار البشر، ويُظهر مخاطرة الاستديوهات في دعم المخرجين الشباب مثل سبيلبرغ.


مضت 50 عاماً على عرض الفيلم الأميركي Jaws (الفك المفترس)، من إخراج ستيفن سبيلبرغ. فيلم الرعب الذي تحول إلى واحد من كلاسيكيات السينما المعاصرة، ما زال محطّ إعجاب الأجيال، علماً أنه ذو حبكة بسيطة: قرش فتاك يسيطر على شاطئ وهناك جائزة يحصل عليها من يصطاده. عشرات الإنتاجات والأجزاء والمحاكاة الجدية والساخرة صدرت منذ العرض الأول للفيلم، ما فتح الباب أمام أفلام كـ"الحديقة الجوراسية" وغيرها من تلك التي تتناول حكايات كائنات عملاقة فتاكة، تحاول التهام البشر. الفيلم أيضاً محط الدراسات الفلسفية، إذ نقرأ أبحاثاً مثل "قراءة ماركسية للفك المفترس"، كما علق عليه الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك عدة مرات، بوصفه، أي القرش، تدميراً للصورة الرأسمالية عن العالم، إذ تقتحهم هذه السمكة المتوحشة شاطئاً مثالياً لتلتهم المصطافين. لا حدود للتأويلات التي يحملها الفيلم، خصوصاً مع الهوس المستمر لدى البشر بالقروش، ليس فقط في الأفلام المتخيلة والوثائقيات، بل في الأخبار حتى، إذ تتكرر أخبار حول هجوم قرش على مصطافين على أحد الشواطئ، بل ربما أشهرها في العالم العربي هي حكاية القرش الذي يلتهم كابل الإنترنت، ما يقطع الاتصال عن سورية ومصر ولبنان.

بهذه المناسبة، بثت منصة ديزني بلس وثائقياً يشرح كواليس تصوير الفيلم، والصعوبات التي واجهها فريق التصوير التي وصلت إلى حد "توقف القرش عن العمل"، مع صور تعرض لأول مرة. لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن إنكار أن الفيلم خضع للنقد والدراسة والتحليل مراراً منذ صدوره، وكأن هناك هوساً فيتيشياً بالقرش، بوحش يخرج من الماء و"يلتهم" الوضع القائم، كما في فيلم "تحت باريس"، إذ تخرج القروش من نهر السين لـ"التهام المدينة". الهوس الذي نمتلكه نحن البشر بالقروش على الشاشة يمكن اكتشافه بمجرد تصفح الاقتراحات التي تقدمها "ديزني بلس" عند مشاهدة الوثائقي، إذ تتنوع الأفلام بين الوثائقيات الطبيعية مروراً بفيديوهات السباحة مع القروش انتهاءً بتعليق المؤثرين على الوثائقيات نفسها بصورة فكاهيّة.

يكشف لنا الوثائقي عن عملية إنتاج الأفلام في السبعينيات، حيث الاعتماد على المؤثرات الخاصة التي تُصنع يدوياً: آلات وزينة وزخارف تنتمي إلى عصر ما قبل الحواسيب الهائلة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وربما هذا ما يكسب الفيلم حيويته إلى الآن. ما نراه على الشاشة موجود في الحقيقة، والحنكة تكمن في الإخراج، وليس في براعة المصممين وقدرة الذكاء الاصطناعي على توليد الصور، ربما يمثل "أنياب" السينما بصورتها الصرفة، اللعب مع المكونات الواقعية لإنتاج الصورة، وليس التصميم على الشاشة.

أسس فيلم "الفك المفترس" لمفهوم أفلام الصيف ذات الإيرادات العالية، إذ رسّخه البعد النفسي الذي يمكن أن تحمله الأفلام الشعبية وقدرتها على عكس المتخيلّ العام وجعله مرئياً على الشاشة، كما أن الفيلم، المقتبس عن رواية، يحاكي أيضاً واحدة من روائع الأدب الأميركي: "العجوز والبحر" لأرنست هيمنغواي، وكأن الصدام بين "الطبيعة" و"إصرار البشر" موضوعة ما زالت تأسرنا إلى الآن، والقرش نفسه لطالما كان بطل هذه المواجهة، إلى حد تحوله إلى بطل خارق كما في الجزء الثاني من فيلم Suicide Squad.

قليلة هي الأعمال السينمائية القادرة على الحفاظ على جدّتها وراهنيتها، سواء تقنياً أو فكرياً، خصوصاً أمام تناقص الاهتمام بالحكاية على حساب التقنيات المتقدمة ونجوم هوليووديين. كما أنه يعكس مخاطرة الاستديوهات في دعم المخرجين الشباب، إذ كان سبيلبرغ وقت تصوير الفيلم بعمر الـ27 عاماً، وتأخر بإنهائه، لكن الإصرار والإيمان بالموهبة حينها كانا أشد من محاولات رصد السوق وتلبية رغباته، فحالياً يُصنع محتوى وليس أفلاماً، حسب رأي كثيرين، والفيلم ليس إلا نسخة طويلة من الفيديو الترويجي الذي يحاول قول كل شيء حتى قبل عرض الفيلم.

المساهمون