استمع إلى الملخص
- تدمج المجموعة الثياب الداخلية كجزء من الزي الرسمي، مما يعكس تحول غرف النوم إلى مساحات استعراض رقمية، وتحرر الأزياء الفضفاضة الحركة، مع إعادة تعريف مفهوم "العمل".
- تميز العرض بالتناقضات اللونية والابتعاد عن المينيمالية، مع قطع مثل "تنورة فرانكشتاين"، مما يعكس الفوضى في العالم وتداخل الصور والذكاء الاصطناعي، مع إبراز المهارة اليدوية.
افتتحت دار برادا مجموعة الأزياء للنساء لموسم صيف-ربيع 2026 في مجموعة باسم Body of Composition (يمكن ترجمتها إلى العربية بـ جسد التكوين). مجموعة وصفتها الدار بأنها "تستكشف تجميع عناصر غير متوقعة على الجسد"، والهدف هو "ليس التناقض بل التناظر"، بهدف التغيير عن الشكل التقليدي. المجموعة تعرضت لانتقادات متنوعة، أبرزها ربما ما كتبته صحيفة ذا نيويورك تايمز ساخرة بأن العرض أشبه بالاستعداد لارتداء الثياب في لحظة نهاية العالم، وكأن كل الأزياء رُتّبت على عجل: ثياب داخلية مع كفوف طويلة وسترة. مجموعة من التناقضات تمتد حتى إلى الألوان، الأمر الذي وصفته الدار بأنه "تحرُّر من الهرمية المعتادة".
على الرغم من الانتقاد الشديد، لا يمكن إنكار الغرابة فيما نراه، نحن أمام أزياء تنتمي إلى عالم ينهار أو على وشك التداعي، إذ تختلط فيه الأدوار، فلا يتضح إن كان ما نراه جدياً أو مازحاً. وربما هذا بالضبط ما تحاول "برادا" أن تعكسه في هذه المجموعة: التناسق والاتساق لم يعودا معياراً للأناقة، كل تماسك مهدد في عالمنا هذا، خصوصاً أن بعض الأزياء تستوحي من جماليات القمامة وثياب المشردين والثياب ذات المقاسات الأكبر من المعتاد، وكأن الحدية والصرامة المعتادة لم يعد لها مكان في عالم يمكن أن نشتري فيه حذاءً متسخاً بآلاف الدولارات.
يركز العرض أيضاً على الثياب الداخلية بوصفها جزءاً من "الزيّ" الرسمي، ربما في ذلك إحالة على تحول غرف النوم حتى إلى مساحات للاستعراض في عالمنا الرقمي، وانكشاف الجسد المؤنث أمام الشاشات والعدسات في أي لحظة، ونتحدث هنا عن اقتصاد الإباحية الجديد، فلم تعد العلاقة بين المكشوف والمخبأ واضحة. الحدود مائعة، ويمكن في لحظة أن تنقلب الأدوار، ويتحول موقف عادي إلى آخر إباحي.
نلاحظ أيضاً غياب ملامح الجسد: الأزياء عريضة وفضفاضة وتسهل الحركة. أجساد النساء ليست مقيّدة، بل حرة للتحرك تحت الزيّ، وهذا ما نراه حتى في البذلات الرسمية، التي تبدو أحياناً وكأنها أوفورول، ليختلط شكل أصحاب الياقات البيضاء مع أصحاب الياقات الزرقاء، في استعادة لمفهوم "العمل" بشكله الصرف، أي عمل لا بد لنا من "التنكر" حين نمارسه، سواء كنا في مكتب أم مصنع.
التناقضات اللونية تلفت النظر طوال العرض. كل شيء جذاب بصرياً، في ابتعاد عن المينيمالية (Minimalism) نحو أزياء صارخة أكثر، تدمج بينها قفازات الأوبرا مع الثياب الداخلية التي يرتديها المراهقون. وربما هنا ثمة خدعة تسويقية، فيمكن شراء كل قطعة على حدة وليس الزي بأكمله. لكن أبرز القطع التي تكرر ذكرها هي تنورة فرانكشتاين، وهي عبارة عن مزيج من عدة تنانير مختلفة بعضها عن بعض، يمكن النظر إليها من عدة زوايا، وفي كلّ زاوية نرى أنفسنا أمام "تنورة جديدة". يمكن تخيل ذلك ضمن عالم صور "إنستغرام"، حيث كل صورة تؤخذ بحذر ودقة، ووقفة معينة، لتأتي هذه التنورة وتكسر الإيقاع المعتاد، أو تفتح الباب أمام خيارات أوسع للتصوير، أو ربما هي سخرية من المؤثرات التي تستخدم لتغيير الثياب وألوانها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ربما تعكس هذه المجموعة الفوضى في عالمنا المتمثّلة في تداخل الصور والذكاء الاصطناعي والعدد اللامتناهي من الاحتمالات، إذ يمكن للواحد منا من هاتفه الخاص أن يمزج ما يريد من الأشياء، وهنا تتضح مقاربة "برادا" النقدية، حين نتأمل الأزياء، والقماش والجلد المستخدم، وطيّات أكف الأوبرا وحياكة التنانير، تتجلى أمامنا الصنعة، تلك التي تتجاوز قدرة الذكاء الاصطناعي، وتكشف عن المهارة اليدوية، خصوصاً أمام الاتهامات التي تطاول دور الأزياء الكبرى التي تحاول حول استخدامها لخطوط إنتاج وعمال أجانب في آسيا لإنتاج قطع بثمن رخيص ثم بيعها بأضعاف مضاعفة.