استمع إلى الملخص
- تقييد الحريات الإعلامية: تُفرض قيود على الصحافيين، مثل التوقيع على تعهدات بعدم الظهور على قنوات معينة، مما يُعتبر انتهاكاً لحرية الصحافة المكفولة في القوانين الفلسطينية والدولية.
- ردود الفعل والمطالبات: دعت منظمات حقوقية إلى وقف هذه الممارسات وضمان حماية الصحافيين، مؤكدة أن حرية الإعلام حق أساسي، بينما لم تصدر نقابة الصحافيين الفلسطينيين أي بيانات حول هذه الانتهاكات.
تعيش الضفة الغربية حالة انتهاك للحريات واعتقالات واستدعاءات بالجملة بحق الصحافيين الفلسطينيين على خلفية الحملة العسكرية للسلطة الفلسطينية على مخيم جنين شمال الضفة الغربية المتواصلة منذ 39 يوماً. وتعتقل السلطة صحافيين اثنين، هما جراح خلف ومحمود مطر، فيما تستمر حملة استدعاءات لمقار الأجهزة الأمنية بالتزامن مع حملة ترهيب وتكميم للأفواه.
اعتقال الصحافيين يتواصل
قال المحامي محمد خلف، شقيق الصحافي جراح خلف، لـ"العربي الجديد": "حضر شقيقي الصحافي جراح إلى نيابة جنين اليوم، وتم تمديده 48 ساعة على ذمة التحقيق بناءً على طلب النيابة". وتابع خلف: "وفقاً لأقوال شقيقي أمام هيئة النيابة، فقد تعرّض للتعذيب والشبح لمدة ثلاثة أيام في مركز مباحث جنين، حيث أقدم عشرة من عناصر الأمن على ضربه ضرباً مبرحاً في جميع أنحاء جسده، وتركّز الضرب على رجليه".
وحول التهمة التي وجهتها النيابة للصحافي خلف، قال محاميه: "وُجّهت له تهمة حيازة سلاح". يُذكَر أن هذه التهمة تندرج ضمن التهم السياسية التي توجَّه إلى الصحافيين والنشطاء منذ سنوات، وعادةً ما تسقط بسبب عدم قدرة الأمن على إثبات وجود السلاح، لكن بعد أن يكون الصحافي قد تعرّض لأيام وأسابيع من الاعتقال والتعذيب.
واختطفت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بعد ظهر يوم الأربعاء، الثامن من يناير/كانون الثاني الحالي، الصحافي جراح وليد محمد خلف، على حاجز للسلطة الفلسطينية عند مدخل مدينة جنين ونقلته إلى جهة مجهولة. كما اعتقلت عناصر الأمن الفلسطينية على حاجز لها عند مدخل مدينة جنين الصحافي عبادة طحاينة بعد ظهر أمس السبت، وأفرجت عنه في ساعات الفجر الأولى. وبحسب ما أكدته مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، فقد انتشرت عشرات الحواجز الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على مداخل مدينة جنين ومخيمها، إضافة إلى مناطق متفرقة داخل المدينة. وأكدت المصادر أن هذه الحواجز شهدت عمليات تفتيش مشدَّدة، إذ يوقف عناصر الأمن المركبات ويدقّقون في البطاقات الشخصية للركاب، مع فحص محتويات هواتفهم النقالة، وفي حال العثور على صور أو مقاطع فيديو تعبّر عن دعم للمقاومة أو وجود صور لأشخاص يحملون أسلحة، سواء كانوا أسرى أو شهداء، يتعرّض أصحابها للاعتداء بالضرب أو يُعتَقلون.
وفي هذه الأثناء، ما زال الصحافي محمود مطر معتقلاً منذ الاثنين الماضي، إذ استدعاه جهاز المخابرات الفلسطينية، وذهب للاستدعاء ولم يعد منذ ذلك الحين، وتبين أن جهاز المخابرات اعتقله ومدّده أكثر من مرة، بحسب ما أفاد شقيقه محمد مطر لـ"العربي الجديد".
استدعاءات وتقييد للحريات
إلى جانب الاعتقالات، يتعرّض صحافيو الضفة الغربية لحملة استدعاءات لمقار الأمن المختلفة، ويفضّل الكثيرون عدم التحدث عن الاستدعاء والإعلان عنه خوفاً من إثارة غضب أجهزة السلطة الفلسطينية وانتقامها. وفي الأيام الماضية، استُدعي مراسل الجزيرة، ليث جعّار، الخميس الماضي، لمقر الشرطة الفلسطينية لاستلام أمر من النيابة يحظر ظهوره على قناة الجزيرة، كما استُدعي الصحافي محمد سمرين الأربعاء الماضي، ووقّع على تعهد بعدم الظهور على الجزيرة، رغم أنه ليس موظفاً فيها. إلى جانب ذلك، استُدعي مدراء ومقدمو عدة برامج في الإذاعات المحلية، وطُلب منهم التوقيع على عدم تناول قرار السلطة بوقف بث الجزيرة أو نقل أي شيء عنها تحت طائلة المسؤولية وإغلاق الإذاعة.
وقالت القائمة بأعمال مدير مركز "مدى"، شرين الخطيب، لـ"العربي الجديد": "تواصل الأجهزة الأمنية الفلسطينية ملاحقة الصحافيين واعتقالهم، في مشهد مقلق يعكس تضييقاً متزايداً على الحريات الإعلامية في الضفة الغربية، في الوقت الذي نحن فيه بأشد الحاجة لوجود هؤلاء الصحافيين ومنحهم المساحة لتأدية عملهم بحرية ومهنية". وتابعت الخطيب: "على الرغم من الضغوط الحقوقية والإعلامية من بعض المؤسسات، لا تزال بعض الأجهزة الأمنية الفلسطينية توجّه استدعاءات للصحافيين، وتلزمهم بتوقيع تعهدات تتضمن الالتزام بالقوانين والحيادية والمهنية في العمل الصحافي، أو لتبليغ بعضهم رسمياً بعدم الظهور على قناة معينة أو عدم الظهور ضيوفاً مع قناة معينة".
وأشارت الخطيب إلى أن "جميع هذه الممارسات تُعَد تقييداً غير مبرر لدور الصحافيين المهني، وتُشكل انتهاكاً لحرية الصحافة المكفولة في القوانين الفلسطينية أولاً وفي المواثيق الدولية ثانياً، كما أن توقيع الصحافيين على تعهدات كهذه يُثير تساؤلات حول مدى التزام السلطة الفلسطينية بضمان بيئة إعلامية حرة، ويعكس نهجاً يهدف إلى فرض رقابة ذاتية على الصحافيين وإرهابهم لمنعهم من تغطية القضايا الحساسة".
وطالبت الخطيب "بوقف هذه الممارسات فوراً، وضمان حماية الصحافيين بدلاً من التضييق عليهم، لأن حرية الإعلام ليست جريمة، بل حق أساسي يجب احترامه وتعزيزه". وأكدت الخطيب "أن الصحافة الحرة هي ركيزة أساسية لأي مجتمع يسعى للشفافية والمساءلة، وأي استهداف للصحافيين ولعملهم يمثل تراجعاً خطيراً في الحقوق والحريات، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة لوجودهم ولتغطياتهم لنقل صورة التعديات والانتهاكات التي يتعرّض لها المواطنون الفلسطينيون من العدو الأساسي والأول، وهو الاحتلال الإسرائيلي".
وإلى جانب قرار السلطة وقف بث الجزيرة وملاحقة بعض مراسليها، تواصلت المباحث الفلسطينية مع غالبية الكُتّاب والمحللين السياسيين الذين تستضيفهم القناة، وأبلغتهم أن قرار النائب العام بوقف بث "الجزيرة" يسري عليهم أيضاً، وبالتالي يحظر عليهم الظهور على القناة للتحليل أو التعليق، وأبرزهم ساري عرابي، وعادل شديد، وعماد أبو عواد، وسليمان بشارات وغيرهم، الذين استدعتهم المباحث الفلسطينية وطلبت منهم التوقيع على تعهدات بعدم الظهور على القناة.
وقال الكاتب والمحلل عماد عواد لـ"العربي الجديد": "استُدعينا من مباحث رام الله، وأُبلغتُ بمنعي من الظهور على قناة الجزيرة". وتابع عواد: "أخبرتهم أن هذا تكميم للحريات، وهذا الكلام ينعكس سلباً على الحالة الفلسطينية الداخلية، وأن ما نقدمه بصفتنا محللين سياسيين هو وجهة نظر تخدم الواقع الوطني الفلسطيني". وأكمل أبو عواد: "أخبروني أن ظهوري على الجزيرة سيكون تحت طائلة المسؤولية والقانون". واعتبر أبو عواد أن هذه الخطوة الأمنية "تضييق كبير على الحريات، وهي خطوة ليست قانونية وإنما تخضع لمزاجات معينة". يشار إلى أن نقابة الصحافيين الفلسطينيين لم تصدر حتى الآن أي بيانات أو تعليقات على ما تقوم به السلطة الفلسطينية بحق الصحافيين أو الكتاب والمحللين السياسيين.