استمع إلى الملخص
- تتعرض المنازل للحرق والتدمير من قبل عناصر أمن السلطة، مما يشرد السكان، وتدعو اللجنة الإعلامية لتغطية هذه الانتهاكات.
- يواجه المعتقلون التعذيب والإهانة، وتتعرض الصحافيون للاعتقال، مما يثير قلقًا حول حرية الصحافة وحقوق الإنسان، وتطالب الهيئة المستقلة بفتح تحقيق جاد.
يعيش أهالي مخيم جنين منذ شهر ونصف أوضاعا صعبة في ظل انقطاع الماء والكهرباء، بينما تواصل أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية حملتها العسكرية التي ذهبت ضحيتها ثماني أرواح حتى الآن.
- تَبات أسرة الفلسطيني معتصم الصباغ، في العتمة بسبب عطل أصاب مجمع توزيع التيار الكهربائي قرب منزلها في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية، جراء استهدافه برصاص عناصر تابعة لأجهزة أمن السلطة، والتي كررت استهداف المجمع حتى بعد استدعاء الأسرة لفرق شركة الكهرباء لإصلاح ذلك العطل لتعود للظلام مجددا بمجرد مغادرة موظفي الشركة، وفق ما شاهده الصباغ ورواه لـ"العربي الجديد".
ويعيش أهالي المخيم المحاصر منذ شهر ونصف أوضاعا صعبة في ظل انقطاع الماء والكهرباء، بحسب الصباغ، الذي يقول إن عناصر أمن السلطة استولوا على منزل قريب من بيته يعود للقيادي في كتيبة جنين يزيد جعايصة، الذي استشهد برصاصهم في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، مضيفا أن استهداف خزانات المياه وأعمدة الكهرباء وتجمعات المواطنين في منطقتهم أصبح روتينا يوميا، وهي ذات المظاهر الملازمة لاقتحامات الاحتلال للمخيم والتي كان آخرها في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أي قبل أسبوعين من بدء عملية السلطة هناك، إذ عمدت قوات الاحتلال إلى تدمير البنية التحتية وتخريب شبكات الماء والكهرباء.
ويهدف حصار المخيم والتضييق على المواطنين إلى تفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة، وتكريس فكرة مفادها أن وجود المجموعات المسلحة داخل المخيم يعني مزيدا من الدمار، بحسب إفادة عمر عساف، منسق المؤتمر الشعبي الفلسطيني (هيئة أهلية تضم أعضاء من الضفة والداخل المحتل والشتات).
استهداف سكان المخيم
"كسّر القرميد.. خزّق خزانات المي بلا إطلاق رصاص"، توجيهات وثقها مقطع فيديو لعدد من عناصر تابعة لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية خلال تسلقهم أحد المباني في مخيم جنين في إطار الحملة العسكرية المستمرة حتى يومنا هذا وأطلقت عليها "حماية وطن". "ولا يبدو أن تلك التوجيهات عشوائية" يقول الصباغ الذي يعايش الانتهاكات منذ انطلاق الحملة".
وخلال هذه الحملة، تحولت الشوارع والمنازل في مخيم جنين إلى حيز مرعب، إذ يخشى المواطنون الصعود إلى أسطح منازلهم أو الوجود في ساحاتها لأن ذلك قد يؤدي إلى مقتلهم أو إصابتهم كما جرى مع الأربعيني محمد الجلقومسي ونجله قَسَم (14 عاما)، اللذين استشهدا على سطح منزلهما داخل حي الحواشين وسط المخيم في 3 يناير/كانون الثاني 2025، خلال تعبئتهما لخزانات المياه، وفق ما يروي أسامة الجلقموسي شقيق محمد، قائلا لـ"العربي الجديد" إن النيران كان مصدرها من جهة وجود عناصر أمن السلطة.
ونفى المتحدث باسم أجهزة أمن السلطة أنور رجب علاقة عناصره بقتل الأب وابنه في بيان صدر في الثالث من يناير، وهذا النفي هو الإجراء الذي كررته أجهزة الأمن عقب سقوط كل ضحية من أصل ثمانية، سُفكت دماؤهم منذ بدء الحملة، وفق مصادر التحقيق من ذوي الضحايا، ومن بينهم الصحافية العشرينية شذى الصباغ، التي استشهدت خلال توجهها لشراء حاجيات برفقة طفل شقيقتها في شارع مهيوب داخل مخيم جنين برصاص عناصر السلطة في 29 ديسمبر الماضي، وفق رواية والدتها التي كانت برفقتها، ولم تتمكن من إنقاذها بسبب إطلاق النيران الكثيف، مشيرة إلى أن السلطة لم تجر أي تحقيق في ظروف استشهادها وترفض طلب العائلة الحصول على تقرير الطب الشرعي الخاص بها حتى الآن، "بل اكتفت بالادعاء أن لا علاقة لها بالحادثة، رغم أن عناصرهم كانوا في المكان وإطلاق النار مصدره مكان وجودهم وعرقلوا وصول سيارات الإسعاف، وفي كل مرة يحاولون زج اسم أحد المقاومين بالقضية، وبالتزامن مع ذلك يحرضون علينا كعائلة، وادعوا لاحقا أن شذى كانت تدير قناة "ساحة جنين" على تطبيق التليغرام، والتي تتداول مضامين معارضة لعملية السلطة في جنين"، وتؤكد أن لا أمان في المنطقة التي يسكنون فيها في ظل وجود أجهزة أمن السلطة، لأنهم فجأة يبدأون بإطلاق النار، وتشعر بأن الأمر يتعلق بمزاج العناصر الموجودة".
حرق للمنازل وتشريد لسكانها
يوثق مقطع مصور حصل عليه "العربي الجديد" إحراق عناصر أمن السلطة لمنزل غسان الستيتي داخل مخيم جنين، وهو فعل يتكرر بحسب تأكيدات مصادر داخل المخيم قابلهم معد التحقيق، ورفضوا الكشف عن هويتهم خشية اعتقالهم، إذ شهدوا على إقدام عناصر أمن السلطة على حرق بعض المنازل بعد اقتحامها أو من جراء استهدافها بقذائف الآر بي جي، وهو ما جرى مع منزل المطاردين من قبل قوات الاحتلال يزن حنون وأحمد أبو عميرة وهما أسيران محرران من سجون الاحتلال. وقد أوضح أبو عميرة في منشور على حسابه في "فيسبوك" أن عناصر الأجهزة أطلقت النار على منزله ثلاث مرات رغم وجود أطفاله فيه، وأحرقت منزل عائلته المكوّن من أربعة طوابق.
"وتعددت مظاهر انتهاكات السلطة في حصارها لمخيم جنين، وبعضها مستنسخ من أساليب الاحتلال الإسرائيلي"، وفق اللجنة الإعلامية لمخيم جنين (أهلية) التي وجهت رسالة لوسائل الإعلام والمؤسسات الحقوقية عبر بيان أصدرته في تاريخ 11 يناير الجاري بضرورة تغطية حرق المنازل وطرد سكانها منها في مشهد يعيد للأذهان حرق جنود جيش الاحتلال لمنازل الغزيين.
إذلال المعتقلين
"صورة ابني حرقت قلبي"، يصف عصام أبو عميرة مشاعره لدى رؤيته صورة مسربة لابنه محمد المحتجز داخل إحدى زنازين أجهزة أمن السلطة، وفي حديثه لـ"العربي الجديد" يقول الوالد "إن ابنه مطلوب لقوات الاحتلال منذ ثلاث سنوات وبحاجة للرعاية الصحية، ولا يعقل أن يكافئه طرف فلسطيني بوضعه داخل زنزانة بملابس صيفية في ظل البرد الشديد وهو مصاب"، متسائلا: "ما الهدف من هذه الممارسات ولم ينشرون مثل هذه الصور"؟
ونشرت أجهزة الأمن فيديوهات عبر قنوات محسوبة على حركة فتح والسلطة الفلسطينية من بينها "إعلام ثورة" و"الفهد الأسود"، كما رصد معد التحقيق، يظهر فيها معتقلون داخل مقارّ أجهزة الأمن وهم يتعرضون للضرب والإهانة ويقدمون اعتذارا على منشوراتهم التي كتبوها على وسائل التواصل الاجتماعي، وحملت التعليقات التي أرفقت بالفيديوهات تهديدات لمن يعارض العملية مثل عبارة "اللي بعده".
في واحد من تلك المقاطع المصورة، يظهر المعتقل مضر أبو عرقوب لدى جهاز المخابرات العامة، وهو يقدّم اعتذاره على تساؤله الذي كتبه داخل مجموعة "واتساب": كيف يمكن اعتبار من ذهب لقتل أبناء بلده شهيدا؟ شعار المخابرات كان مثبتا على مقطع الفيديو، بينما كان التعليق المرفق في قناة "إعلام ثورة" هو: "اللي بعده".
"يتعرض المعتقلون للتعذيب في مقرات أجهزة أمن السلطة
هذه المشاهد دفعت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" (حكومية) لإصدار بيان بتاريخ 28 ديسمبر الماضي أكدت فيه متابعتها بقلق بالغ انتشار مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر قيام ضباط وأفراد من الأجهزة الأمنية في عدة محافظات بالضفة الغربية بتعريض مواطنين لأعمال عنف، بما يشمل الضرب والإهانة، إضافة إلى إجبار آخرين على نشر اعتذارات علنية للأجهزة الأمنية، والتعبير عن تأييدهم لسياسات السلطة، مشددة على خطورة هذه الممارسات كونها تمثل انتهاكًا واضحًا للقانون وحقوق الإنسان، وهي على ما يبدو، تأتي ردة فعل على ما تعتبره الأجهزة الأمنية تعليقات مسيئة أدلى بها بعض المواطنين في أعقاب مقتل أفراد من الأجهزة الأمنية خلال الاشتباكات المستمرة في مخيم جنين"، وطالبت وزارة الداخلية بفتح تحقيق جاد وشفاف بشأنها، ومحاسبة كل من يثبت تورطه فيها وفق القانون.
لكن تعذيب المعتقلين لا يقتصر على المخالفين في الرأي الذين أشار إليهم بيان الهيئة، بل إن أجهزة أمن السلطة استهدفت كذلك الصحافيين الذين يقومون بتغطية أحداث مخيم جنين، فهي تحتجز حتى الآن ثلاثة صحافيين على خلفية عملهم وتغطيتهم للأحداث الميدانية، وهم جراح خلف ومحمود مطر وهمام العتيلي وفق بيان لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية (أهلية) الصادر في 14 يناير، والذي دعا للإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحافيين المعتقلين، ووقف جميع أشكال الملاحقة الأمنية بحقهم.
ويؤكد المحامي محمد خلف شقيق الصحافي جراح لـ"العربي الجديد" أن الأخير تعرّض للتعذيب خلال احتجازه في مقرات أجهزة أمن السلطة، وقد أعطى إفادة بذلك خلال عرضه على النيابة العامة بعد اعتقاله في 8 يناير على أحد مداخل مدينة جنين خلال توجهه للمخيم لتغطية الأحداث هناك، وجرى تمديد اعتقاله في 14 يناير لمدة 15 يوما على ذمة التحقيق. ولم يخلُ الأمر كذلك من اعتقال أفراد الطواقم الطبية، إذ اعتقل في 7 يناير المسعف يزن جرار والممرض سامح حنون بعد إطلاق النار على مركبتهما، ونقلتهما الأجهزة الأمنية إلى سجن جنيد في نابلس شمال الضفة، وما زالا معتقلين حتى الآن هناك، وفق لجنة أهالي المعتقلين السياسيين، والتي حمّلت كذلك السلطة المسؤولية الكاملة عن حياة الطبيب قاسم بني غرة الذي اعتقل في 31 ديسمبر الماضي وقد تعرّض للتعذيب.
السلطة ترفض مبادرات الحل
"اجمعوا السلاح في مخيم جنين وتعالوا بعدها نتحدث" كان هذا رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على مبادرة "الوفاق" التي وقعتها 89 هيئة ومؤسسة مجتمع مدني وشخصية وطنية في 18 ديسمبر، وفق ما أكده لـ"العربي الجديد" منسق المؤتمر الشعبي الفلسطيني وهو أحد القائمين على المبادرة. موضحا أنها تهدف لوقف حالة الاشتباك في مخيم جنين وتضمنت بنودا واضحة بضرورة تطبيق القانون، وقد أبدى المقاومون استعدادا للتجاوب معها، وقالوا إنه لا مشكلة بوجود أجهزة أمنية داخل المخيم للحفاظ على الأمن لكن دون المساس بسلاح المقاومة، وهو الأمر الذي تؤكده بنود المبادرة.
ويؤكد عساف أن عباس رفض لقاء القائمين على المبادرة، وهو ما يؤكد أن الهدف من عمليته العسكرية في مخيم جنين إنهاء حالة المقاومة في محاولة منه لتقديم أوراق اعتماد للأميركيين والاحتلال الإسرائيلي، كما يقول.
في السياق، يشير قيادي في سرايا القدس - كتيبة جنين (فضل عدم الكشف عن هويته لدواع أمنية) لـ"العربي الجديد" أنهم وافقوا على كل المبادرات المجتمعية والوطنية والتي كان آخرها في 14 يناير الجاري، حقنا للدم الفلسطيني لكن السلطة تصرّ على حسم الموقف عسكريا وترفض البند الذي يتعلق بشرعية مقاومة الاحتلال وهو ما يكشف حقيقة أهداف هذه العملية العسكرية التي لا تنتمي إلى هدفها المعلن باعتقال "الخارجين عن القانون".
وسط هذا كله، يعيش أهالي المخيم في خوف ورعب دائمين ويلزمون بيوتهم حتى لا يتحولوا إلى ضحايا، رغم افتقادهم أساسيات كثيرة منها الماء والكهرباء وفق الصباغ.