مسلسل معاوية والنزعة "الأموية الجديدة"

06 مارس 2025
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اشتعلت معركة شعرية بين تميم البرغوثي وأنس الدغيم حول بني أمية، مما أثار جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعكس نزعة "الأموية الجديدة" التي تستخدم سرديات تاريخية لتبرير مواقف سياسية حالية.
- استغل حافظ الأسد التراث الأموي لبناء هوية وطنية سورية متعددة الثقافات، حيث أصبح الجامع الأموي رمزاً مهماً في سردية حزب البعث وظهر على العملة السورية.
- أثار مسلسل "معاوية" جدلاً بسبب مغالطاته التاريخية، مما زاد الاستقطاب الطائفي، وتفتقر النزعة الأموية الجديدة إلى رؤية واضحة لتوجيه الدولة العربية.

فجأة أصبح نفر من أمتنا أمويين، يذودون عن حياض "الخلافة" وميراثها بالشعر والدراما، لتشتعل معركة عبثية جديدة (كأن واقعنا المزري يحتمل المزيد)، بين فريقين لكل منهما بواعثه التي بالتأكيد ليست دراسة التاريخ لاستخلاص عِبَر من أجل بناء مستقبل أفضل من حاضر بائس، وإنما النكاية في الآخر، حتى إن مساجلة شعرية دارت رحاها بين تميم البرغوثي وأنس الدغيم حول ما وصفه الأخير بالإساءة إلى بني أمية، فكان الرد عليها بأبيات عادت إلى عهد عبد شمس وأمية، رغم إيضاح البرغوثي أن البيت المتداول مقتطع من سياق جاء على لسان زينب بنت علي بن أبي طالب، في القصيدة وليس على لسانه.

هدأ الصراع المسف قليلاً بعدها، إلا من مناوشات هنا وهناك ضمن سياق ردود الفعل على تفاعلات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي من الباحثين عن الترند ومكاسب النفاذ إلى أكبر عدد من الجمهور بهجاء بني أمية أو مدحهم، وهذا كله مفهوم وطبيعي ضمن سياق ابتلاء الأمة بالجدل العقيم والمعارك الاستقطابية، لكن غير المنطقي هو المغالاة في تلك النزعة الماضوية التي يمكن وصفها بـ"الأموية الجديدة"، لدرجة وصف انتصار الثورة السورية بأنه "عودة دمشق إلى إرث بني أمية"، وهذه ردة فعل تستبطن وتكرر خطيئة الحالة الإيرانية الطائفية في بناء سردية للتدخل في سورية عبر مقولات من قبيل "لن تسبى زينب مرتين"، التي ادعى الإيرانيون أن الأمويين سبوها في تحريف للوقائع التاريخية ليس محل نقاشه هنا، و"لكن أحداثاً وقعت منذ 1400 سنة من أناس، لا علاقة لنا بهم ولا نعلم عنهم شيئاً، فما ذنبنا أن يأتي اليوم من يحاول الثأر لهم؟"، كما قال الرئيس أحمد الشرع في لقائه مع وليد جنبلاط ووفد الحزب التقدمي الاشتراكي.

وبالأصل لم يكن لآل الأسد مشكلة مع التراث الأموي حتى تعود دمشق إليه مرة أخرى، إذ كانوا يربطون أنفسهم به ويفتخرون بكون بلدهم امتداداً له، فمؤسس السلالة كان يبدأ حديثه مع ضيوفه عن تاريخ الأمويين كما روى رئيس الوزراء القطري الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، في برنامج "الصندوق الأسود"، متحدثاً عن طبيعة لقاءاته مع حافظ الأسد، وهو ما يفسره عالم السياسة الفرنسي ستيفان فالتر، المتخصص في الثقافة والحضارة العربية، في كتابه الصادر عام 2002 "البناء الوطني السوري"، بأن مرجعه هشاشة التماسك الاجتماعي في سورية بسبب تنوع مجتمعاتها العرقية والدينية.

من هنا كان على الأسد تأسيس هوية إقليمية وتاريخية يمكن لجميع الأقليات أن تجد فيها مكاناً شرعياً، وكان غنى سورية الأثري أداة ساعدت في بناء هوية وطنية قائمة على ثقافة تم الترويج لها باعتبارها "سورية أصيلة"، لذا أسس حزب البعث في سبعينيات القرن الماضي لجنة لإعادة كتابة التاريخ، استفادت من الفترة الأموية في بناء سردية الحزب، بسبب طبيعتها متعددة الأعراق، ليصبح الجامع الأموي في دمشق من الرموز التي استفاد منها حزب البعث، بسبب السمات الثقافية الآرامية والرومانية والكنسية والإسلامية، وتبدى الأمر في ظهور المسجد على أغلى ورقة نقدية في سورية ذلك الوقت (الألف ليرة)، وهو ما كرره الأسد الابن على فئة الألفي ليرة عام 2015.

ذلك يشير بوضوح إلى علاقة خاصة بين الأسد الأب ورمز الخلافة الباقي حتى اليوم، كما يرى المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو، في كتابه "مرآة دمشق.. سوريا تاريخنا" متحدثاً عن المسجد الأموي (كان اسم حافظ الأسد على جداره وأزاله الثوار عقب انتصارهم)، فمنه انطلق أول حكم وراثي في الإسلام، أو "الملك العاض"، كما وصفه الحديث الشريف، بعدما ورّث الصحابي معاوية بن أبي سفيان، ابنه يزيد الحكم، كما فعل الأسد الأب مع ابنه حسب فيليو، الذي يشير إلى إعجاب حافظ بمعاوية ودهائه وحنكته، ما ألهمه هوساً في إقامة سلالة خاصة به.

على يد معاوية كان هذا التحول الكبير في شكل الحكم الإسلامي، من الشورى إلى التوريث، ومن اختيار الأمة لأكثرها استحقاقاً وفضلاً، إلى حكم الابن أو الولد، سواء كان صالحاً أو طالحاً، وهو ما ندفع ثمنه حتى اليوم، لكن مضمونه بالتأكيد ليس محل نقاش مسلسل معاوية الذي ما إن تم الإعلان عنه حتى تأججت "الأموية الجديدة" بين "مع أو ضد"، ليرتفع منسوب البغضاء ونزاع فريقين تقوم أفهامهما وأحكامهما على الحب والكراهية، والخير والشر، من دون رؤية مركبة قادرة على تقييم الفترة التاريخية بدقة، ولا حاجة لها أصلاً، فتلك النزعة في جوهرها رد فعل سطحي على الطائفية الإيرانية المعقدة، فهي لا تروم إحياء نظام سياسي قديم، ترفضه الدولة الوطنية العربية (الخلافة)، وبالتأكيد لا يمكنها إعادة صياغته بطريقة حديثة من أجل استعادة نفوذ ثقافي أو سياسي أو جغرافي كالعثمانية الجديدة مثلاً، خاصة في ظل حالة الجهل والسطحية المتفشية شعبياً (حبذا لو سأل برنامج مسابقات رمضاني عن الدولة الأموية وسنرى عجباً)، وعدم وجود استراتيجيات كبرى أو حتى صغرى حكومية، تحدد بوصلة الدولة العربية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وما إلى ذلك.

تبقى السطحية سمة أساسية في تلك النزعة، كما تبدت في المسلسل وحلقاته المذاعة حتى اليوم والمليئة بالمغالطات التاريخية والركاكة الفنية واللغوية رغم بذخ إنتاجي (قدرت ميزانيته بـ 100 مليون دولار)، لم ينجح في مواكبة أهمية الشخصية وآثارها الهائلة على شكل الدولة في الإسلام، ضمن حالة جدل بلا هدف، تزيده نعرة الأموية الجديدة استقطاباً وطائفية.