إفشال الناجحين في مصر
(عبد الهادي الجزار)
تستعدّ الحكومة المصرية لطرح تعديلات مقترحة لقانون الرياضة على مجلس الشعب، ويحمل رقم 71 وأُقرّ في 2017. وبدلاً من الارتقاء بالبيئة التشريعية للرياضة، بوضع معايير موضوعية لتقييم أداء المؤسّسات المعنية بإدارة الرياضة، وإخضاع المنشآت والهيئات الرياضية لقواعد قانونية عادلة ورقابة عامّة وفعّالة، تجسّدها إرادة الجمعيات العمومية، تضع التعديلات المقترحة النشاط الرياضي (بجميع مكوّناته) تحت سيطرة كاملة وتفصيلية للسلطة التنفيذية، فقد قطعت التعديلات المقترحة شوطاً أبعد في الافتئات على إرادة أعضاء الأندية والجمعيات العمومية للاتحادات والهيئات الرياضية. لا يمكن لأيّ نادٍ أو هيئةٍ رياضيةٍ اتخاذ أيّ قرار، إلا بعد موافقة الجهة الإدارية المركزية، بما في ذلك بناء منشآتٍ، بل إقامة مباريات مع فرق أجنبية (!).
أمّا الجهة الإدارية التي ستتمتّع بتلك الصلاحيات الواسعة الشاملة، فهي كيان جديد اسمه "الجهاز الوطني للرياضة"، ويتبع رئيس الحكومة، وستكون له صلاحيات كاملة شاملة في إدارة شؤون الرياضة، والتحكّم في مكوّناتها ومفاعيلها. بهذا التعديل، ينكشف الهدف الحقيقي من إعادة صياغة قانون الرياضة رغم حداثته، إنه الاستئثار بالسلطة واحتكار القرار، والانفراد بالتحكّم في مجريات الحياة، وكلّ كبيرة وصغيرة في مصر.
وكحال أشياءَ كثيرة في مصر الراهنة، لم تُقدم السلطة أيَّ تبرير لإقحام كيان جديد على الرياضة، لم تُحدِّد موقعه في الهيكل التنظيمي للمؤسّسات العامّة، ولا طبيعة علاقته بالمؤسّسات الأخرى، المعنية بالرياضة وشؤونها، وهي تشمل الوزارة المتخصّصة واللجنة الأولمبية والاتحادات والنوادي الرياضية ومراكز الشباب، فضلاً عن هيئاتٍ ذات طبيعة خاصّة، لكنّها معنية بالرياضة المصرية في بعض جوانبها، ومثال ذلك منظّمة مكافحة المنشّطات. بإيجاز، يلعب هذا الجهاز المُستحدَث دور "الأخ الكبير" الذي بات حاضراً في المجالات كلّها، ومختلف أشكال العمل والأنشطة العامّة والخاصّة.
وليس مستغرباً أن يدسّ ذاك الكبير أنفه في الرياضة بعمقٍ أكبر مما فعل في القانون الحالي، ليس بغرض التسلّط لذاته فقط، وإنما أيضاً لاستهداف نموذج استثنائي للنجاح، يضع السلطةَ في مقارنةٍ بين نجاحه وفشلها، وهو النادي الأهلي. إذ يُشكّل "الأهلي" حالةً متفرّدةً في مصر من ناحية حسن الإدارة وكفاءة الأداء وتحقيق إنجازات تتجاوز أحياناً الأهداف والخطط الموضوعة. كما أن تحقّق تلك النجاحات بأيدي شخصيات كاريزمية، بدءاً من صالح سليم وصولاً إلى محمود الخطيب، يثير حفيظة (وحقد) ضعاف النفوس، وفاقدي الصفات القيادية. وبذكاء فطري، اعتبر المصريون أن نصّ التعديلات الجديدة على تحديد مدّة عضوية مجالس إدارات الأندية بفترتَين متتاليتَين فقط، موجّه خصيصاً إلى إزاحة مجلس إدارة الأهلي ورئيسه (الخطيب) من أماكنهم.
إضافة إلى تلك الضغائن الشخصية، ثمّة عوامل أخرى تضع "الأهلي" حصراً في مرمى نيران السلطة، إذ يسخط المصريون على السلطة لتوجيهها موارد الدولة إلى بناء قصور وجسور ومدينة جديدة لإدارة الحكم (العاصمة الإدارية)، في وقت يقوم النادي الأهلي بأنشطة اقتصادية ناجحة، وافتتح فروعاً جديدة، ودشّن مشروعاً ضخماً لمجمّع رياضي عالمي. ولم تعد المقارنة بين نجاح النادي الأهلي فنّياً وإدارياً وتعثر أندية أخرى وأزمات تلاحقها فقط، فصار العقل الجمعي المصري يقارن بين نجاح إدارة "الأهلي" وكفاءتها مقابل إخفاقات السلطة، وعجزها عن تلبية احتياجات المجتمع، واعتمادها بشكل كلّي على القروض من الخارج، وتفريغ جيوب المواطنين في الداخل.
في الهوس بالسلطة، وخشية النماذج الناجحة، مفتاح فهم وتفسير سلوك الطغمة الفاشلة الحاكمة، وأتباعها من المنتفعين والمتسلّقين. وكما أخفقت السلطة في الأنشطة التي استولت عليها قسراً، والأدوار التي قامت بها تسلّطاً، كذلك تأميم حالة النجاح الاستثنائية في الرياضة وإخضاعها لسيطرة سلطوية مُستبدّة، سيُفضي يقيناً إلى تعميم الفشل وتكميم الرياضة، بالقانون.