نص قرارات قمّة عربية لن تنعقد

07 فبراير 2025
+ الخط -

يريدُ تاجر الدين والحرب والبشر والأراضي، دونالد ترامب، أن يشير بطرف إصبعه إلى الحكّام العرب، فيهرولون طائعين إلى البيت الأبيض، لعقد ما يسميها الإعلام الأميركي، وينقله الإعلام العربي، قمّة أميركية عربية لوضع موضوع تهجير الشعب الفلسطيني من غزّة موضع التنفيذ.

كلُّ يومٍ يمرّ من أيّام ترامب في البيت الأبيض، رئيساً للمرّة الثانية، يكشف بوضوح أنّ الأميركيين انتخبوا رئيساً لأميركا وإسرائيل معاً، أو الأقرب أنهم انتخبوا إسرائيليّاً صهيونيّاً لكي يحكم العالم بعقليّةٍ فاشيّةٍ ترى من هم خارج أميركا وإسرائيل بشراً في مرتبةٍ أدنى، وبالتالي يحقّ له أن يتصرّف فيهم تصرّف الغزاة الأوائل القادمين من الغرب الأبيض في الهنود الحمر، السكان الأصليين للأرض التي استولى عليها الغزاة، بالضبط كما يريد ترامب (رئيس أميركا وإسرائيل) أن يفعل في أرض غزّة وشعبها.

يعلّق ترامب الجرس في رقبة كلّ الحكّام العرب، حين يعلن بوقاحة "الولايات المتحدة سوف تسيطر على قطاع غزّة وكل من تحدثت معهم أحبوا هذه الفكرة". هذا السفل في استباحة البشر والأوطان لا يكفي للردِّ عليه بيانات دبلوماسية عربية مليئة بعبارات الرفض والتنديد والشجب، وخصوصاً حين يقطع ترامب كلّ يوم خطوةٍ جديدة في الإصرار على تنفيذ مشروعه.

والحال كذلك، من المُعيب في حقِّ العرب، وفي حقّ القانون الدولي والاعتبارات الإنسانية والأخلاقية أن يلبّي أحد من العرب دعوة، أو بالأحرى استدعاء ترامب لهم للاجتماع في البيت الأبيض، أو في أيّ مكانٍ، قبل أن يعقد العرب أنفسهم قمّة عربية طارئة للبحث في خطوات عملية للردِّ على مشروع الاحتلال الأميركي قطاع غزّة، بالوكالة عن الاحتلال الصهيوني، الذي قال ترامب إنه سوف يسلّمه القطاع، لكي يبدأ تنفيذ مشروعه هناك، بعد تهجير الشعب الفلسطيني منه بكلِّ الوسائل، وفي مقدّمتها التي أعلنها وزير الأمن الصهيوني حين قال "أوعزتُ للجيش بتحضير خطة لمغادرة سكان غزة برّاً وبحراً وجواً".

يلفت النظر أنّ ترامب أعلن عن مشروعه لاحتلال غزّة، وهو يجلس صحبة نتنياهو أمام المدفأة يتبادلان الأنخاب احتفالاً بما سمّاه مجرم الحرب المطلوب للعدالة الدولية بنيامين نتنياهو "النصر المطلق"، معلنًاً أنّ زئير أسد الصهيونية قد انطلق، ولن يستطيع أحد أن يوقفه، ومن ثم لم يعد ثمّة شك في أنّ الإدارة الأميركية جزء من مشروع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي، يصبح رضوخ أيّ نظامٍ عربي لرغبات ترامب هو في اللحظة ذاتها نوعٌ من التفاني في خدمة إسرائيل، إذ لا يريد ترامب من الاجتماع بالنظام الرسمي العربي سوى تمرير جريمة التطهير العرقي في غزّة تحت غطاء عربي، بحيث تبدو عملية احتلال غزّة بزعم إعادة بنائها وتنميتها وكأنّها مطلب عربي أو بالحدّ الأدنى هدف إنساني لا يُمانع فيه العرب.

كثيرون من أهل السلطة في العواصم العربية يتحدّثون عن حتميّةِ الاصطفاف في ما بينها، واصطفاف الشعوب المحكومة بالقهر والقمع خلف أنظمتها، من أجل موقف قويٍّ وموحّد بمواجهة الخطر الداهم، وهذا جيّد لكن السؤال هنا هو عن ماهية هذا الموقف الموحّد وطبيعته، هل هو بيانات كلامية ساخنة أو أشدّ سخونة من سابقاتها؟

إن كان الأمر كذلك لا جدوى ولا معنى لهذا الاصطفاف الذي لن يقدّم أو يؤخّر، ولن يستجيب للحدّ الأدنى من مطالب الشعوب العربية، فالموقف الموحّد الذي نفهمه هو أن تنعقد قمّة عربية طارئة فوراً تقرّر: أولاً: إصدار قرار باعتبار ملف إعمار غزّة شأنًا عربيّاً خالصاً، غير مسموح للولايات المتحدة ولا غيرها التدخل فيه، على أن يوضع هذا القرار موضع التنفيذ من دون إرجاء، وذلك بالبدء فوراً في عمليات إعادة إعمار غزّة، بأن تشرع الدول العربية في دعوة شركات القطاع الخاص العاملة في مجال البناء والتشييد للإسهام في هذه العملية، على أن يتم إدخال المعدات والقوى البشرية اللازمة من معبر رفح مع توفير الحماية الأمنية اللازمة للدخول والبدء في العمل. 

وإذا كان ترامب قد منح نفسه سلطة تغيير الجغرافيا البشرية لقطاع غزّة، فإنّ واجب العرب أن يتصدّوا لهذه العربدة، باعتبارهم أشقاء فلسطين، وهنا يمكن لشخص اسمُه محمود عبّاس أن يثبت للفلسطينيين وللعرب أنه بالفعل رئيس سلطة وطنية، وليس مجرّد جهاز أمني تابع للاحتلال، بأن يكون دخول الدول العربية لإعمار غزّة بناء على طلب رسمي من السلطة الفلسطينية باعتبارها عضواً في جامعة الدول العربية.

 القرار الثاني: أن  تخاطب القمّة العربية، التي هي حتى اللحظة محض حلم يداعب الشعوب العربية، الهيئات الأممية، مجلس الأمن والأمم المتحدة، بأنها لن تقبل محاولات تهجير الشعب الفلسطيني من غزّة، سواء بشكل دائم أو مؤقّت، واعتبار ذلك نوعاً من التطهير العرقي، مع إخطار هذه الهيئات بأنّ مؤسّسة القمة العربية قرّرت تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك لحماية حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق.

ثالثاً: توجه الدول العربية الدعوة للدول الصديقة المؤيّدة للحقوق الفلسطينية في المشاركة في عمليات إعادة الإعمار، تركيا وإيران وجنوب أفريقيا وكولومبيا وكلّ دولة تؤمن بحقّ الشعب الفلسطيني وسيادته على أرضه، وخصوصاً أنّ جملة ردات الفعل الأوروبية ترفض خِطّة احتلال ترامب قطاع غزّة وتهجير سكانه.

رابعاً: توجّه الدول العربية إنذاراً إلى الاحتلال الصهيوني بأنّ أيّ استهداف للأفراد والمعدّات العاملة في بناء غزّة هو اعتداء على الدول العربية كلّها، مجتمعة أو كلّ دولة على حدة، سوف يتم الردّ عليه بأقوى ممّا يتوقْع الاحتلال.

باختصار، على مؤسّسة القمّة العربية، أن تثبت لهذا العنصري الوقح أنّ العرب، شعوباً وحكاماً، ليسوا قطيع أبقار يمتلكه "حاكم أميركا وإسرائيل" ويسيّره كيف يشاء. 

 

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة