أميركا في زمن رئيس محكوم عليه وحاكم

11 يناير 2025
ترامب يحضر المحكمة عن بعد، 10 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصدرت محكمة نيويورك حكمًا بالإفراج غير المشروط عن دونالد ترامب في قضية جنائية تتعلق بحملته الانتخابية لعام 2016، حيث حالت الحصانة الرئاسية دون تنفيذ العقوبة رغم إدانته.
- الحكم الجنائي يمثل سابقة تاريخية لرئيس منتخب، مما يثير تساؤلات حول تأثير القضية على العلاقات الدولية، خاصة مع تصريحات ترامب المثيرة للجدل.
- تتزايد المخاوف من تأثير سياسات ترامب غير التقليدية على الاستقرار العالمي، مع تحفظات من داخل حزبه الجمهوري، مما يعكس اضطرابًا سياسيًا مع استعداده للعودة إلى البيت الأبيض.

لفظت محكمة نيويورك الجمعة حكمها ضد دونالد ترامب في قضية جنائية تعود لحملته الانتخابية في 2016، وقضت بـ"الإفراج غير المشروط" عن المدّعى عليه وبما يعفيه من عقوبة تتراوح بين السجن أو التغريم أو تكليفه القيام بخدمة مدنية تحت المراقبة لفترة محددة. وهو ما يوازي إصدار حكم مع إلغاء التنفيذ بسبب الحصانة الرئاسية. وكان الحكم قد جرى تأجيله مرتين خلال الصيف الماضي بحجة أنه قد يؤثر على الحملة الانتخابية. وبذلك خدم القرار ترامب، سواء عن قصد أو عن غير قصد، لأنه أعفى المرشح الرئاسي آنذاك من فتح ملف هذه القضية المحرجة التي تدور حول عملية رشوة بمبلغ 130 ألف دولار لشراء صمت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز التي قيل إنه كان على علاقة معها.

لحجب الموضوع أقدم على تزييف قيود سجلاته التجارية لإخفاء حيثية دفع هذا المبلغ. محاولته هذه جرى اعتبارها عملية تضليل متعمد للناخب في تلك الحملة، كما أنها تضليل لدائرة الضريبة، فضلاً عن جوانب أخرى مخالفة للقانون الجنائي، وبما حمل هيئة المحلفين على إدانته، وبالتالي جرت إحالته إلى المحكمة لتقرر عقوبته. بيد أن اقتراب موعد تسلم ترامب الرئاسة أربك المحكمة. فكان لا بدّ من تدوير زوايا الحصانة وتقديمها على القانون، وبالتالي توفير الحماية للرئيس القادم من عقوبة السجن، التي لم تعد واردة كما قال القاضي.

لكن حصانة الرئاسة لا تمحو لطخة الجناية التي التصقت بسجله الأمني، وكذلك بسجله التجاري، ما لم تحصل عودة عن الإدانة، سواء عبر المحاكم أو من خلال عفو يمنحه إياه حاكم ولاية نيويورك لا غيره. كما عليه تسليم عيّنة عن الشفرة الوراثية (DNA) للسلطات المعنية في الولاية المقيم فيها لضمها إلى بنك المعلومات الجنائية لديها.

المشهدية غير مسبوقة. لأول مرة يصدر حكم جنائي، ولو مع وقف التنفيذ، بحق رئيس منتخب، قبل 10 أيام على تسلمه سلطاته الدستورية. والمحرج أكثر أنها المرة الأولى التي يدخل فيها رئيس أميركي إلى البيت الأبيض بمثل هذه الخلاصة الشخصية المثقلة باللطخات، مع كل ما تنطوي عليه من تساؤلات وشكوك يخشى المعنيون من انعكاساتها على العلاقات مع الحلفاء والخصوم. خصوصاً وقد سبقتها موجة من البهلوانيات التي تطرح علامات استفهام حول الجدّية في المواقف بقدر ما تثير الخشية من الخطوات والطروحات غير المسؤولة، مثل الرغبة التي كشف عنها الرئيس ترامب قبل أيام بتغيير اسم "خليج المكسيك" إلى اسم "خليج أميركا"، الأمر الذي قد يُثير أزمة مع الجار المكسيكي. وقبل ذلك كان عرضه على الجارة الشمالية كندا، كي تتخلى عن كيانها كدولة وتنضم كولاية إلى الولايات المتحدة. والأخطر أنه يتحدث جدياً عن استعادة ملكية قناة بنما والسيطرة عليها من جديد، رغم تثبيت ملكيتها لدولة بنما بمعاهدة دولية بتوقيع أميركي في 1979 وانتقالها عملياً وقانونيا إلى الدولة الأم في نهاية 1999.

هذا عدا عن التلويح المكرر بالعزم على "شراء" غرينلاند التي ما زالت مرتبطة بالدنمارك والتي تتردد المخاوف في واشنطن من احتمال نشوب أزمة مبكرة مع الأوروبيين حول هذا الموضوع. بل هناك قلق من التمادي في مثل هذه الشطحات وما قد تجرّه من تداعيات في وقت لا يشكو فيه العالم من شحّ النزاعات والخضات والتي يخشى البعض من تمددها إلى الجوار الأميركي في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وذلك سعياً وراء ترجمة شعار العودة إلى "أميركا العظيمة من جديد".

الأسئلة كثيرة والمفاجآت متوقعة. وثمة حالة من حبس الأنفاس لما قد تحمله السنوات الأربع القادمة التي يقول المتخوفون إنها ستكون سنوات عجافاً وإن المقدمات المذكورة ليست سوى بداية الغيث، إذا تعذر كبح مثل هذه الاندفاعات. ولا تخفى بدايات الحذر المتزايد حتى في صفوف الجمهوريين في مجلس الشيوخ الذي أبدى بعضهم تحفظه وعدم ارتياحه بل اعتراضه على بعض التعيينات التي اختارها الرئيس ترامب في إدارته والتي لوح عدد غير قليل منهم باحتمال عدم منح موافقته عليها.

الحكم الذي صدر اليوم يأتي على هذه الخلفية المضطربة لرئاسة تعدّ لتدشين عودتها القريبة إلى البيت الأبيض والانتقال من موقع المحكوم عليها إلى موقع الحاكم العازم على تصفية الحسابات ومحاولة الإطاحة بالسائد والمألوف.