استمع إلى الملخص
- التحديات أمام وقف إطلاق النار تتضمن تراجع الاتصالات، مما لا يعني فشل المفاوضات، بينما تماطل روسيا في المفاوضات وتواصل انتهاك الحظر، مما يعرض ترامب لانتقادات.
- استمرار الحرب قد يؤدي لفقدان أوكرانيا لجيل الشباب، وتعتمد بشكل كبير على الدعم الأميركي، مع توقعات بإمكانية إعلان هدنة في مايو، لكن صمودها مشكوك فيه.
على الرغم من استمرار الاتصالات الروسية الأميركية التي عززها انعقاد جولة جديدة من المشاورات في إسطنبول، الخميس الماضي، بالتزامن مع إجراء موسكو وواشنطن صفقة تبادل سجناء جديدة بمطار أبوظبي، إلا أن التسوية الأوكرانية تكاد تكون غائبة عن المشاورات الروسية الأميركية بموازاة تبلور ملامح فتور في العلاقات بين البلدين. واللافت أن مشاورات إسطنبول جرت بعد نحو أسبوع على زيارة مبعوث الرئيس الروسي للتعاون الاستثماري - الاقتصادي مع الدول الأجنبية، رئيس الصندوق الروسي للاستثمار المباشر، كيريل دميترييف، إلى واشنطن يومي 2 و3 إبريل/ نيسان الحالي، فيما يعد أول زيارة لمسؤول روسي رفيع إلى الولايات المتحدة منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا عام 2022. إلا أن فشل الرهانات على تحقيق انفراجة سريعة في جهود التسوية الأوكرانية بعد عودة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، دفع بالإدارة الجديدة إلى تغيير لهجتها تجاه موسكو، وسط حالة من الغموض حول موعد انعقاد مفاوضات السلام وحتى بشأن إجراء اتصال هاتفي جديد بين ترامب ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يرفض الوقف غير المشروط لإطلاق النار مع استمرار الضربات الروسية على مختلف المناطق الأوكرانية. ومن مؤشرات تزايد غضب ترامب من الوضع الراهن، تأكيده، في السادس من إبريل/نيسان الحالي، على استيائه من استمرار الضربات الروسية على أوكرانيا، قائلاً: "يُقتل آلاف الشباب أسبوعياً، وهذا أمر مروع ما كان عليه أن يبدأ بتاتاً، وما كان ليبدأ بنسبة 100% لو كنت رئيساً". كذلك سبق له أن هدد بعقوبات ثانوية بحق مشتري النفط الروسي في حال لم يتم التوصل إلى إبرام الهدنة في أوكرانيا بسبب روسيا.
قسطنطين بلوخين: أوكرانيا تسعى لنسف الاتفاقيات الروسية ـ الأميركية
مسار التسوية الأوكرانية
مع ذلك، يعتبر الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية قسطنطين بلوخين أن تراجع كثافة الاتصالات الروسية الأميركية وتشديد البيت الأبيض لهجته حيال موسكو لا يعنيان تعثراً حتمياً للمفاوضات، عازياً تقلب تصريحات ترامب إلى بحثه عن التوازن بين القوى في الداخل الأميركي. ويقول بلوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "نشهد تشديداً للهجة تصريحات المسؤولين الأميركيين، وهي تعود إلى هيمنة الصقور على الإستبلشمنت (النظام) الأميركي والذين يعتبرون المفاوضات مع روسيا بمثابة الضعف والهزيمة والتضحية بالمصالح الوطنية الأميركية والغربية بشكل عام، لذلك يحتاج ترامب إلى البحث عن التوازن بين التصريحات شديدة اللهجة والمضي قدماً على طريق التسوية الأوكرانية حتى يظهر حزماً أمام المتلقين الداخليين". وحول رؤيته لآفاق وقف إطلاق النار في أوكرانيا في الأفق المنظور، يضيف: "الزمن وحده سيحكم، لكنّ هناك اهتماماً روسياً أميركياً بشأن إرساء التسوية الأوكرانية وإلا لما كان لمفاوضات الوفدين الروسي والأميركي في السعودية أن تستمر لساعات طويلة، ولكن ثمة متغيرات كثيرة مثل سعي أوكرانيا لنسف الاتفاقات الروسية الأميركية وإفشال الهدنة المحتملة والاستمرار في الحصول على إمدادات الأسلحة من الدول الأوروبية، التي تتبنى مواقف معادية لترامب وروسيا على حد سواء".
من جانب آخر، يرى المحلل في مركز الاتصال الاستراتيجي والأمن المعلوماتي في كييف، مكسيم يالي، أن ترامب بات يدرك أن روسيا تماطل في مسألة وقف إطلاق النار وتحقيق التسوية الأوكرانية مرجحاً أن بوتين واثق في قدرة روسيا على اختراق خطوط القوات المسلحة الأوكرانية وإحداث انهيار لدفاعاتها. ويقول يالي في حديث لـ"العربي الجديد": "باتت الإدارة الأميركية بقيادة ترامب تدرك أن روسيا تماطل في المفاوضات وتنتهك الحظر على الضربات في البحر الأسود واستهداف المنشآت العاملة في مجال الطاقة، وشنت هجوماً إرهابياً على مدينة كريفي ريغ أسفر عن سقوط ضحايا بين المدنيين، بمن فيهم أطفال. يعرّض ذلك ترامب لانتقادات في الداخل الأميركي مع اقترابه إكمال الـ100 يوم الأولى من ولايته (30 إبريل الحالي) من دون تحقيق أي تقدم يذكر بشأن التسوية الأوكرانية ووقف الحرب". ويستبعد يالي احتمال وقف إطلاق النار في الأفق المنظور، مضيفاً: "يبدي بوتين ثقة في قدرة روسيا على اختراق خطوط القوات المسلحة الأوكرانية وإحداث انهيار لدفاعاتها، وثمة تقديرات استخباراتية أوكرانية تشير إلى أن روسيا تخطط لشن تقدم واسع النطاق من جهة الجنوب، ولذلك ليس من المرجح أن يتم وقف إطلاق النار على المدى المتوسط على الأقل".
مكسيم يالي: ترامب بات يدرك أن روسيا تماطل في مسألة وقف إطلاق النار
مصير جيل الشباب في روسيا وأوكرانيا
بدوره، يعتبر ميخائيل خودوركوفسكي، الملياردير الروسي الهارب، المالك السابق لشركة يوكوس النفطية العملاقة، الذي يعد واحداً من أشرس خصوم الكرملين في المنفى، أن مواصلة الحرب لعام آخر في متناول بوتين على عكس أوكرانيا التي ستفقد جيل الشباب في حال إطالة أمد المواجهة. ويقول خودوركوفسكي في مقطع فيديو حظي بأكثر من ربع مليون مشاهدة على منصة يوتيوب: "تنطوي مواصلة الحرب لعام آخر على بعض الأمور المزعجة بالنسبة إلى بوتين، مثل اتخاذ قرارات صعبة كإعلان تعبئة جديدة واحدة على الأقل وتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد الحرب، ولكنهما في متناوله". ويلفت إلى أن كييف وواشنطن مقيدتان بدرجة أكبر بالأطر الزمنية، مضيفاً: "بالنسبة إلى ترامب، فإن إنهاء الحرب هو حصراً مسألة السياسة الداخلية للنجاح في عيون ناخبيه، وهو معني بإبرام الهدنة، ولو غداً. أما أوكرانيا، فتقف أمام سيناريوهين، أولهما استمرار الدعم العسكري الأميركي وزيادته، فهي ستستطيع الصمود، وإن كانت ستتكبد خسائر فادحة بين الذكور الشباب، وإذا استمرت الحرب لعامين آخرين، فستبقى أوكرانيا بلا جيل الشباب. وإذا توقف الدعم الأميركي، فلا بديل له".
ويخلص خودوركوفسكي إلى القول إن ترامب يسعى لإسعاد ناخبيه عبر الضغط على الطرف الأكثر عرضة للضغوط، أي أوكرانيا، التي تكاد تعتمد على الولايات المتحدة اعتماداً كاملاً، وهو وضع يدركه بوتين ويسعى لاستثماره عبر المماطلة واختبار حدود التنازلات المحتملة وحصر التهدئة في الامتناع عن استهداف المنشآت العاملة في مجال الطاقة. من جانب آخر، لم يستبعد أمين لجنة شؤون الأمن القومي والدفاع والاستخبارات بالرادا العليا (البرلمان الأوكراني)، رومان كوستينكو، الثلاثاء الماضي، احتمال إعلان هدنة بين روسيا وأوكرانيا في مايو/أيار المقبل، مشككاً في الوقت نفسه في صمودها. وقال كوستينكو للقناة الخامسة الأوكرانية: "هل هناك مجال لهدنة ما؟ يتوقع كثيرون التوصل إلى اتفاق بشأن هدنة ما في مايو. لا أستبعد احتمال وضع خطة ما للهدنة وتحقيقها، لأن ذلك مهم للغاية بالنسبة إلى شركائنا من الولايات المتحدة بسبب صعود رئيسهم، دونالد ترامب، إلى السلطة، رافعاً هذه الشعارات". يذكر أنّ بوتين وترامب اتفقا خلال ثاني اتصال هاتفي بينهما في 18 مارس/ آذار الماضي، على امتناع طرفي النزاع في أوكرانيا عن الضربات على مواقع البنية التحتية العاملة في مجال الطاقة لمدة 30 يوماً، كما رحب بوتين باقتراح ترامب بشأن تحقيق مبادرة أمان الملاحة في البحر الأسود، إلّا أنّ وزارة الدفاع الروسية اتهمت أوكرانيا مراراً باستهداف منشآت الطاقة في روسيا منذ ذلك الحين.