الزيارات إلى سورية.... عرض غربي واحد وطلبات كثيرة

11 يناير 2025
بارو وبيربوك في سجن صيدنايا، 3 يناير 2025 (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- رفع العقوبات وبناء دولة تشاركية: تم التركيز على رفع العقوبات عن سوريا، بما في ذلك إدراج "هيئة تحرير الشام" على لوائح الإرهاب، مع التأكيد على بناء دولة تشاركية تعتمد المحاصصة واللامركزية.

- الدولة المدنية والعملية السياسية: تم التأكيد على ضرورة أن تكون الدولة السورية مدنية، مع ضمان حقوق المرأة، وتحقيق ذلك عبر عملية سياسية تقودها حكومة انتقالية.

- العلاقات الأوروبية السورية والمواقف الدولية: الزيارة الأوروبية لسوريا كانت مهمة، حيث تلعب فرنسا وألمانيا دورًا محوريًا في السياسة الأوروبية تجاه سوريا، مع مخاوف من تقارب الحكم الجديد مع تركيا وتأثيره على المصالح الأوروبية.

العرض خلال الزيارات إلى سورية هو رفع العقوبات، وهي من ثلاثة أنواع مختلفة، الأول يتعلق بإدراج "هيئة تحرير الشام" على لوائح الإرهاب الأميركية والأوروبية، والثاني يشمل تلك التي كانت مفروضة على النظام السابق، وبعضها يعود إلى زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد، والبقية على نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، أغلبها يعود إلى ما بعد عام 2011. الطلبات يمكن تلخيصها في عدة بنود، الأول هو بناء دولة تقوم على التشاركية بين مكونات المجتمع السورية الطائفية والإثنية، وهذا ما بات يعرف بالأقليات حسب المصطلح المتداول، وتشمل المسيحيين، العلويين، الدروز، الأكراد، والترجمة الفعلية لهذا الطلب هي اعتماد مبدأ المحاصصة، المعمول به في العراق، وتفصيل الدولة السورية الجديدة على أساسه، فتعتمد اللامركزية، بما في ذلك تشريع أشكال من الفيدرالية والإدارة الذاتية.

شكل الدولة في سورية

الطلب الثاني خلال الزيارات إلى سورية هو أن تكون هذه الدولة مدنية، وعلى نحو صريح ألا تكون السلطة من لون واحد، وبشكل محدد عدم أسلمة النظام، التي بدأت تبرز من خلال بعض الإشارات ذات الصبغة الدينية القوية، ومن ذلك التعديلات على مناهج التعليم التي نشرتها وزارة التربية والتعليم، أو التصريحات الصادرة عن مسؤولين في حكومة تصريف الأعمال، فيما يخص مشاركة المرأة وحقوقها وعملها ودورها، ومثال ذلك الحديث الذي أدلت به مسؤولة شؤون المرأة عائشة الدبس. وفي رأي الدبلوماسيين الغربيين الذين زاروا سورية، والتقوا رئيس الإدارة الجديدة أحمد الشرع، لن تتم الاستجابة للطلبات الغربية من خلال قرارات سريعة، بل عن طريق عملية سياسية تقودها حكومة انتقالية، تحقق المواصفات المطلوبة في المرحلة المقبلة. وهذا ما خلصت إليه زيارة وزيري الخارجية، الفرنسي جان نويل بارو، والألمانية أنالينا بيربوك، إلى دمشق في الثالث من يناير/كانون الثاني الحالي. وأثارت بيربوك زوبعة من النقاش حول أسلوبها وتصرفاتها الخارجة عن الأعراف الدبلوماسية، فهي نزلت من الطائرة العسكرية الألمانية، التي أقلتها من قبرص إلى دمشق، مرتدية درعاً مضاداً للرصاص، وذهبت إلى القصر الجمهوري بلباس صنف على أنه "غير رسمي".

في رأي الدبلوماسيين الغربيين الذين التقوا الشرع، لن تتم الاستجابة للطلبات الغربية من خلال قرارات سريعة

وتركت زيارة الوزيرين انطباعات سلبية لدى الرأي العام، فبدلاً من أن تثمر عن الضغط على الإدارة الجديدة، التي تمت من أجله، فإنها انعكست سلباً، بسبب ما صدر عن الوزيرين الذين ظهر من بعض تصرفاتهما، أنهما تعمدا تجاوز الإدارة الجديدة. الوزير الفرنسي استبق الاجتماع مع الشرع باللقاء مع ممثلي الكنائس السورية، والوزيرة الألمانية باللقاء مع منظمات نسوية سورية من المجتمع المدني. ورأى مختصون بالبروتوكول، أنه كان يجب عكس جدولي الوزيرين. وشكّلت الزيارة محطة مهمة على صعيد علاقات سورية مع أوروبا في المدى المنظور، وذلك لعدة أسباب. أولها هو أن الزيارة تمثل بلدان الاتحاد الأوروبي الـ27، لا فرنسا وألمانيا فقط، اللتين تعتبران رأس القاطرة الأوروبية، وأهم اقتصادين، وقوتين سياسيتين في القارة، ويمكن لهما أن تسهّلا أو تعطلا أي تحرك أوروبي. وبالتالي، فإنهما ستشكلان من الآن وصاعداً مرجعية القرار الأوروبي تجاه سورية، وتلتقي معهما في ذلك بريطانيا، التي تشاركهما أغلبية المواقف من القضايا الدولية، رغم أنها باتت خارج الاتحاد الأوروبي رسمياً.

السبب الثاني هو أن الدولتين على صلة مباشرة بالشأن السوري أكثر من أي طرف غربي آخر. فرنسا دولة انتداب سابقة على سورية، وتحتفظ بعلاقات تاريخية وثقافية متينة وراسخة معها، وهناك نخب فرانكوفونية سورية مؤثرة اقتصادية وسياسية وثقافية، كما أن باريس على علاقة مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وتحتفظ بقوة عسكرية رمزية إلى جانب "قسد" في شمال شرق سورية، وتقوم بطلعات جوية، وعمليات قصف في إطار حرب التحالف الدولي ضد "داعش"، وهي تراهن على توظيف كل هذا الثقل على نحو يخدم مصالحها بما هي دولة من جهة، ومن جهة أخرى، من أجل تمكين الأطراف التي تعدها حليفة لها، وذلك على حساب الدولة المركزية.

ورقة المساعدات وسط الزيارات إلى سورية

أما ألمانيا، فإنها تلوح وسط الزيارات إلى سورية بورقتي المساعدات والمشاركة في إعادة الإعمار، بالإضافة إلى أنها الدولة الأوروبية التي تحتل المرتبة الأولى في استقبال اللاجئين السوريين، الذين غادروا بلدهم هرباً من الحرب التي شنها النظام وحلفاؤه الإيرانيون والروس والمليشيات العابرة للحدود، ويتجاوز عددهم 750 ألف. وقد تمكنت الغالبية العظمى من هؤلاء من التكيف مع شروط الحياة والعمل والتعليم في ألمانيا، وحصل عدد كبير منهم على الجنسية، وهم يسهمون بدور في سوق العمل، ويحظون بسمعة جيدة أهّلتهم ليكونوا النسبة الأكبر من المجنسين الأجانب على مدى السنوات الثلاث الأخيرة. السبب الثالث هو أن كلا من ألمانيا وفرنسا ليستا على وفاق تام مع تركيا، التي تعدّ أقرب حلفاء الإدارة الجديدة في سورية، وهناك خشية لدى كل منهما أن يتقارب الحكم الجديد مع تركيا إلى شكل من أشكال التحالف، مما يؤثر على المصالح الفرنسية ـ الألمانية، ويرفع من رصيد تركيا التي تحتفظ بحضور مهم في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط في سورية وليبيا. وتخشى أوروبا أن تتحول سورية بعد انحسار النفوذ الإيراني الروسي إلى ساحة للنفوذ التركي، الذي يقترب من إسرائيل.

السبب الرابع هو مواقف الدول العربية، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، وهنا تجب الإشارة إلى أن زيارة الوزيرين في سياق الزيارات إلى سورية جاءت بعد أول زيارة لمسؤولين من الحكم الجديد في سورية إلى الخارج كانت إلى السعودية، وقام بها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الذي زار الرياض بدعوة من نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ورافقه فيها كل من وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز المخابرات أنس خطاب. وقد كانت نتائج الزيارة مفاجئة لما تضمنته من اهتمام سعودي بإرساء علاقات متينة مع الحكومة الجديدة، وحرص على استقرار سورية ومساعدتها من أجل تجاوز الوضع الصعب الذي تعيشه. وفي سياق الزيارات إلى سورية هذه صب اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بالاستقرار في سورية بعد الزيارة التي قام بها الأمين العام للمجلس جاسم محمد البديوي، برفقة وزير خارجية الكويت عبدالله علي اليحيا. وفي هذه الحالة هناك عامل إيجابي، من خلال تحول سورية إلى منطقة لتعزيز التفاهم العربي الأوروبي. الموقف المصري المتأرجح من التغيير في سورية، لم يترك صدى لدى فرنسا وألمانيا، وقد كان التقدير في بعض الدوائر العربية، التي ترعى الثورة المضادة، أن يشكل ذلك كابحاً يبعث على التريث ويحد من حماسة الأوروبيين في التواصل مع سورية وبناء حوار معها قائم على العرض والطلب. وهناك افتراق واضح في زاوية النظر إلى الخطر الإيراني على العالم العربي بين تقدير العواصم الأوروبية، وبين القاهرة.

يرفض الأوروبيون النهج الإسرائيلي في سورية من دون الضغط على إسرائيل

السبب الخامس يتعلق بالنهج الإسرائيلي في التعاطي مع سورية، الذي لا يبدو مقبولاً من طرف الأوروبيين الذين يعلنون دعمهم لسيادة سورية على أراضيهم، ورفضهم لعمليات التوغل الأخيرة التي تلت سقوط النظام، ورفض الاعتراف باحتلال الجولان السوري، ولكنهم يشجعون على إيجاد تسوية بين إسرائيل وسورية الجديدة، من دون ممارسة أي شكل من أشكال الضغط على إسرائيل كي توقف اعتداءاتها المتكررة على الأراضي السورية، وانتهاك السيادة السورية بشكل يومي، الأمر الذي يهز استقرار المنطقة، ويفتح الباب أمام عودة المزايدة الإيرانية بالمقاومة. وهناك سبب أخير يخص الموقف من إيران. ويبدو أن الأوروبيين ليسوا على الموجة ذاتها مع الإسرائيليين والأميركيين. ورغم التصريحات النارية بضرورة اتخاذ الحكم الجديد خطوات صارمة لمنع عودة إيران إلى سورية، فإن العلاقات الأوروبية الإيرانية ليست على درجة من السوء، وهي تحافظ على مستوى جيد من التفاهم وتبادل المنافع ورعاية المصالح المشتركة. ورغم العقوبات الأوروبية على إيران لم تتوقف الاتصالات واللقاءات بين الطرفين، والدليل على ذلك الاجتماع المرتقب في جنيف السويسرية، بشأن البرنامج النووي الإيراني، المقرر في 13 يناير الحالي، بين إيران وكل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وذلك قبل أسبوع من بدء ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في 20 يناير الحالي.

الابتعاد عن الشروط والإملاءات

ما جاء على لسان الوزيرين، خلال الزيارات إلى سورية وما حملته التصرفات التي بدرت عنهما لا يعكس توجهاً لمساعدة الشعب السوري على تجاوز المرحلة الصعبة، بلا شروط وإملاءات، وهناك من ينظر إليه على أنه تجريب لوصفة جاهزة للتدخل في الشؤون الداخلية، ونصب بعض الفخاخ التي تقود إلى تجزئة سورية إلى مقاطعات طائفية وعرقية، وفي أحسن الأحوال، يسعى إلى إضعاف الحكم الجديد، بهدف مصادرة قراره المستقل، وإلزامه بخطوات سياسية لاحقة منها التطبيع وتوقيع اتفاقات مع إسرائيل، تتضمن الاعتراف بها والقبول باحتلالتها لجزء من الأراضي السورية. واللافت هنا هو حديث وزير الخارجية الفرنسي عن استعداد فرنسا لمساعدة سورية في صياغة الدستور الجديد، مع علمه أن هذه المسألة سيادية، ومن اختصاص أهل البلد أنفسهم، الذين لا تنقصهم الخبرة في هذا المجال، ولديهم تجارب سابقة في عام 1920 حين وضعوا أول دستور، لكن الانتداب الفرنسي عطّل العمل به. وبعد تحقيق الاستقلال عن فرنسا، وضع السوريون دستوراً جديداً في عام 1950، لا يزال صالحاً، وهناك بعض المراجع القانونية تدعو للأخذ أو الاسترشاد به. وثمة من يرى أن الاقتراح الفرنسي ربما حمل في طياته محاولة لفرض مواد تناسب الأطروحات التي حملها الوزير بخصوص شكل الدولة السورية الجديدة.