انقلاب في الأقصى يسبق النفخ بالبوق... هكذا غيّرت إسرائيل الوضع القائم
استمع إلى الملخص
- التغييرات تشمل السماح بأداء طقوس يهودية علنية تحت إشراف الشرطة، في ظل تفاهمات بين وزير الأمن القومي ورئيس الوزراء، رغم التحذيرات من تصعيد التوترات.
- لا تزال هناك قيود على بعض الطقوس، لكن التغييرات المستمرة تثير قلق الجهات العربية والإسلامية.
بات الكثير مما كان "محرّماً" على اليهود بالأمس مسموحاً به اليوم
تعمّقت ممارسات المستوطنين والمتدينين اليهود في الأقصى
في نقاشات نتنياهو وبن غفير تُصاغ التفاهمات التي تُحدث التغيير
مصطلح "انقلاب" صغير جداً، برأي أوساط إسرائيلية، أمام ما تفعله دولة الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى، إذ تغيّر "الوضع القائم" تدريجياً، بخطوات وقرارات سرية وعلنية، فيما القادم أخطر بكثير، على مستوى الحرم القدسي، بعد أن انتهكت إسرائيل الكثير من "المحظورات"، وبات الكثير مما كان "محرّماً" على اليهود بالأمس مسموحاً به اليوم، على طريق تحقيق السيطرة التامة على المسجد. أما الأعداد في ملفات شرطة الاحتلال، فتشير إلى 60 ألف مستوطن اقتحموا "الأقصى" في العام الحالي، وهو عدد ارتفع على نحو ملموس عاماً بعد عام، مقارنة بـ 5792 مستوطناً خلال العام 2010.
لكن ليس العدد وحده ما تغيّر في عقد من الزمان، واكتسب زخماً كبيراً في السنوات الأخيرة، بحسب تفاصيل وردت في تقرير مطوّل نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" بمناسبة السنة العبرية الجديدة التي بدأت اليوم، بل تعمّقت ممارسات المستوطنين والمتدينين اليهود في الأقصى، وطقوس كانت محظورة وباتت عادية، فيما يسعى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بتفاهمات مع نتنياهو، لما هو أكثر من ذلك. تشير التفاصيل إلى تحوّلات "تاريخية" في الأقصى، وإلى مفاهيم أمنية سقطت، وحوّلت المسجد إلى مكان مستباح، تنتظره مخططات أكبر.
"تعالوا معنا في رأس السنة (العبرية) هذا إلى جبل الهيكل (التسمية الإسرائيلية للمسجد الأقصى)، حيث يصلّي اليهود اليوم جماعة، يغنّون، ويرقصون، ويسجدون، ويقفون باحترام أثناء النشيد الوطني (هَتِكفاه)، والأهم من ذلك أنهم يتوافدون بأعداد متزايدة"، تكتب الصحيفة وتتابع: "في العيد القادم، من المحتمل أن يحاول أحدهم النفخ في الشوفار (البوق المصنوع من قرن الكبش) هناك، لتوسيع حدود ما هو ممكن لليهود على الجبل، والتي تتوسع شهراً بعد شهر". يشير النفخ في البوق في "الأقصى"، إلى إعلان قوي لحضور اليهود في المكان وفرص السيادة عليه.
وبحسب التقرير العبري، فإن مفاهيم مثل "برميل البارود"، و"القنبلة الموقوتة" التي حذرت منها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على مدار سنوات، ومنعت بسببها المستوطنين من تأدية بعض الطقوس في المسجد قد سقطت، "آلاف المرات تحدّثوا بهذه الطريقة، بل وأكثر، عن هذا المكان الحساس، الشاباك والشرطة، ومجلس الأمن القومي والجيش الإسرائيلي".
وعلى مدار عقود، وفق التقرير، "وقف ممثلو جهاز الشاباك والشرطة أمام المحاكم، ليشرحوا للقضاة، في مواجهة كل يهودي طلب ممارسة حقه في الصلاة في المكان، لماذا صلاة اليهود في جبل الهيكل تثير الفتن، وتهدد سلامة الدولة، وقد تؤدي حتى إلى اندلاع حرب دينية عالمية، ولماذا يجب الفصل بين الحق وبين ممارسته. وقد عادوا إلى الوضع القائم الذي أقره موشيه دايان عام 1967، والذي سمح بزيارات اليهود إلى الجبل على نحوٍ محدود، لكنه منع الصلاة فيه قطعاً".
وزعم التقرير أن المحكمة العليا تأثرت جداً بذلك، فيما تبنّى المستوى السياسي على مدار عقود، السياسة التي صاغتها الجهات الأمنية، وأن الأمر بات محرجاً "بعدما أصبح اليهود يصلّون في جبل الهيكل دون عوائق، بينما لم تقع السماء".
تحوّلات كبيرة
عن الوقت الراهن، يقول التقرير العبري، إنّ كلمة "انقلاب" صغيرة جداً، لوصف ما يحدث في المسجد الأقصى. ويتحدّث أرنون سيغال، الباحث في شؤون ما يُسمى "جبل الهيكل" وأحد أبرز النشطاء في "حركات جبل الهيكل"، عن "تحولات على مستوى تاريخي. أمور لم تحدث في الجبل منذ ألف عام". ويؤكد أن من "يصعد" إلى الحرم القدسي "يصعب عليه ألّا يلاحظ ذلك. في القسم الشرقي من الجبل تُقام صلوات الصباح والعصر (اليهودية) بانتظام، وبصوت مسموع... المصلّون هناك توقفوا عن محاولة الصلاة سراً. كل شيء أصبح علنياً، وواضحاً، وطبيعياً. يتحركون ويصلّون بحرية وتحت إشراف وموافقة الشرطة. كثيرون منهم يؤدّون طقس السجود، الذي كان معمولاً به في جبل الهيكل أيام الهيكل. في رأس الشهر (العبري) تُتلى صلاة "هليل" (تُقال في المناسبات الاحتفالية) بصوت عالٍ، وبالرقص. قلة لا تزال تُدخل كتب الصلاة سراً، وهو أمر لا يزال ممنوعاً، لكن الشرطة تتسامح أحياناً مع ذلك".
كثيراً ما تجوب مجموعات من المستوطنين أرجاء المسجد الأقصى خلال الاقتحامات، وتردد أناشيد، منها لبناء الهيكل، فضلاً عن قيامها بالكثير من الطقوس التلمودية، بحرية لم تكن متاحة. خلف هذا الإذن، يقف بن غفير، الذي قاد أحد الطقوس التلمودية في الأقصى في الآونة الأخيرة.
تلفت الصحيفة، إلى أنه "في إطار السماح بالغناء في جميع أنحاء الجبل، يُسمح اليوم أيضاً بغناء النشيد الوطني الإسرائيلي، وهو ما كان قبل عام فقط سبباً للاعتقال أو التحقيق أو حتى المحاكمة"، وفي كل يوم خميس، في الساعة الأخيرة التي يُفتح فيها الحرم القدسي لليهود، "تُقام هناك مراسم استقبال السبت المؤثرة. أصبح جبل الهيكل مكاناً يحتفل فيه العديد من اليهود بمناسباتهم السعيدة. يصعد إليه العرسان عشية زفافهم، وكذلك الفتيان في طقوس البار متسفا (سن التكليف الديني في جيل 13 عاماً)، والآباء بعد الولادة. تصعد عائلات بأكملها مع أطفالها، بما في ذلك الرضّع في عرباتهم، ويصعد العديد من رؤساء المعاهد الدينية مع طلابهم".
في عهد بن غفير، وبالتنسيق غير المعلن مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بدأت ساعات فتح المسجد لليهود تتوسع تدريجياً. في الصباح: من الساعة 07:00 حتى 11:30 (زيادة ساعة وأكثر عما كان من قبل)، وفي فترة الظهيرة من 13:30 حتى 15:00، بزيادة نحو نصف ساعة. في التاسع من أغسطس، وفق التقويم العبري، والذي صادف في الثاني والثالث من آب/ أغسطس الماضي، خالف نحو 100 مستوطن الحظر المفروض على وضع التفلين (لفائف من نصوص التوراة)، في الأقصى. وفي رأس شهر إلول (العبري) الذي صادف في آب/ أغسطس الماضي، خالف الحاخام آرييه كوهين من حيفا الحظر المفروض على نفخ البوق في المسجد.
لكن التحوّل لم يكتمل بعد، وفقاً للتقرير، "إذ لا يزال يُمنع على اليهود استخدام كتب الصلاة، أو التوراة، أو التفلين، أو البوق... كما يُمنع رفع أعلام إسرائيل هناك، رغم أن كثيرين باتوا يجرؤون على تحدي هذه الحدود... أما الزيارات في ساعات المساء وفي أيام السبت، فلا تزال غير ممكنة. يُسمح، مع ذلك، بالغناء في جميع أنحاء الجبل، لكن الرقص مسموح فقط في القسم الشرقي منه".
وفي النقاشات التي تُجرى بين نتنياهو وبن غفير، تُصاغ التفاهمات التي تُحدث التغيير. وقد ناقش المجلس الوزاري المصغر في الآونة الأخيرة، التغييرات الجارية في الأقصى، لكن تفاصيل النقاش محظورة من النشر. ولفتت الصحيفة إلى أنه في الجدل الحاد الذي دار خلف الكواليس بين الوزير بن غفير ورئيس جهاز الشاباك السابق رونين بار، على مدار أشهر طويلة، كانت الغلبة في النهاية لبن غفير. وبلغت ذروته في التاسع من آب الماضي، وفقا للتقويم العبري (3 أغسطس) حين أدى مئات اليهود طقس السجود في الأقصى. حينها، اتصل رونين بار، رئيس الشاباك آنذاك، بالقائم بأعمال المفتش العام للشرطة، أفشالوم فلد، وأمره بإخراج جميع اليهود من المسجد، بدعوى أن القواعد المعمول بها هناك قد جرى خرقها. فسأله فلد: ما الذي خُرق تحديداً؟ فأجابه بار: اليهود يصلّون بأعداد كبيرة في المسجد، ليرد فلد: تماماً كما يفعل المسلمون، ورفض تنفيذ التعليمات. وأوضح أنه يخضع لتعليمات الوزير المسؤول عنه.
بعد فترة، أوضح بن غفير لنتنياهو أن ما كان في "الأقصى" لن يكون كما كان، وبحسب الصحيفة، فإن نتنياهو، الذي يتمسّك رسمياً فقط بالوضع القائم (القديم)، تقبّل ذلك، لكنه بقي متابعاً عن كثب، أما "اللاعبون العرب" في الأقصى، "الوقف، والأردن، والسلطة الفلسطينية، فيتقبّلون على مضض التحوّل اليهودي، حتى وإنْ لم يوافقوا عليه، وينشرون من حين لآخر بيانات احتجاج شديدة اللهجة".
يوضح التقرير، أن التغييرات في المسجد الأقصى، "بدأت قبل نحو عقد من الزمن، وكان هذا التحوّل تدريجياً وبطيئاً، ونبع أولاً من الضغط الشعبي الكبير"، ومن توسّع دوائر اليهود الذين يصعدون إلى المسجد. أما الأساس لهذا التغيير، الذي نشهده اليوم، فوُضع فعلياً، وفقاً للتقرير، عندما كان جلعاد أردان وزيراً للأمن الداخلي، ويورام هليفي مفتشاً لشرطة منطقة القدس.
أما التحوّل الحاسم فكان في إبعاد النساء والرجال، أعضاء "المرابطين" و"المرابطات"، والتي وصفتها الصحيفة بأنها منظمات فرعية تابعة للجناح الشمالي للحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح، والتي حظرتها إسرائيل، زاعمة أن "هؤلاء كانوا يعيقون ويشوّشون ويحاولون إفشال زيارات اليهود إلى جبل الهيكل، أحياناً بالصراخ والتهديد، وأحياناً بالعنف والإرهاب".
الخطوة الثانية التي اتُخذت في تلك الفترة، هي إبعاد حراس الوقف عن مجموعات المستوطنين الذين يقتحمون المسجد، بزعم أنهم عناصر محرّضة وتابعة لحركة حماس. ومنذ تلك المرحلة، أصبحت مجموعات اليهود تُرافق فقط من شرطة إسرائيل. بعد ذلك، شيئاً فشيئاً وتدريجياً، سُمح للمستوطنين بالصلاة في الجانب الشرقي من المسجد، بدايةً فردياً وبصوت خافت، ولاحقاً على نحوٍ منظّم وبصوت مسموع، ولكن دون مظاهر بارزة أو استفزازية.
اللواء المتقاعد في الشرطة يورام هليفي، الذي قاد قبل نحو عقد التغييرات في المسجد الأقصى، وعُيّن أخيراً منسقاً للحكومة في المناطق المحتلة، انتقد ما وصفه بالفجوات الكبيرة بين أصحاب التوقعات من مختلف المستويات، "أولئك الذين يجلسون في المستويات السياسية العليا ويبالغون أحياناً في أمور لا يعرفونها إطلاقاً، وبين المستوى الميداني الذي يرى ويشعر ويعرف ما يحدث".
واعتبر هليفي في دفاعه عن اقتحامات المستوطنين أن "من حق كل إنسان في دولة إسرائيل أن يكون هناك وأن يصلّي هناك. الصلاة بحد ذاتها، ليست استفزازاً"، لكنه اعتبرها استفزازاً "عندما يقرر المسلمون إغلاق شارع والصلاة في وسطه. هذا استخدام واضح للصلاة وسيلةَ استفزاز"، وزعم أن اليهود لا يرمون الحجارة على المصلّين المسلمين في المسجد الأقصى، بينما يفعل المسلمون ذلك.
"في إطار هذا النهج"، يوضح هليفي: "قمنا بإبعاد المرابطين والمرابطات وحراس الوقف وكل من أعاق زيارات (اقتحامات) اليهود إلى جبل الهيكل (المسجد الأقصى) وأخلّ بالنظام"، وزعم "أوقفنا أيضاً يهوداً، عندما شعرنا أن تصرفاتهم في الجبل تحولت إلى استفزاز"، ومضيفاً "لكنني لم أكن مستعداً بأي حال من الأحوال لاعتقال يهودي يتمتم بصلاة على شفتيه. عندما وصلت إلى المنطقة واكتشفت أن اليهود يُعتقلون بسبب ذلك، شعرت بالذهول والصدمة. اعتقال بسبب تمتمة؟ من قرر أن هذه صلاة؟ وإذا كانت صلاة، فكلّ الحق لهم. أحياناً تكون صلاة شخصية، وأحياناً صلاة مأخوذة من كتاب الأدعية. من أنا لأتدخل؟ كان ذلك عبثاً. جمعنا الشجاعة اللازمة وغيّرنا هذا الواقع".
وتفاخر هليفي بأنه قطع سلسلة تحذيرات الأجهزة الأمنية بأن الانتهاكات في الأقصى قد تفجّر الأوضاع، معتبراً أنها "خطأ جسيم. أثبتُّ أن صلاة اليهود في الجبل ممكنة... لا أنهار من الدم، لا عنف، واليهود يصلّون هناك. الأمر أكثر طبيعية واعتيادية، وقد تحقق ذلك جزئياً بفضل سياسة (الأرض الباردة) في القدس الشرقية، التي عملنا باستمرار على الحفاظ عليها من الاشتعال. بهذه الطريقة حيّدنا مفهوم (برميل البارود).. حرصنا على واقع أنه حتى لو سقط عود ثقاب، فإنه يسقط على أرض باردة وينطفئ، وأنه إذا وقع حدث استثنائي، فلن يشعل المنطقة بأكملها".
ماذا يقول بن غفير عن تغيير الوضع القائم؟
عندما اجتمع بن غفير مع رئيس الوزراء نتنياهو، عشية تشكيل الحكومة، في بهو فندق في القدس المحتلة، وأطلّ على المدينة القديمة، أوضح له أنه بدون تغيير جوهري في المسجد الأقصى، "ينهي نظام الفصل العنصري هناك"، على حد وصفه، زاعماً وجود تمييز ضد المستوطنين، فلن يكون جزءاً من حكومته. واعتبر بن غفير في حديث للصحيفة العبرية، أن التغييرات التي أحدثها في المسجد الأقصى ليست نهاية المطاف ملمحاً أنه سيسعى للسماح بباقي الأمور التي لا تزال محظورة، على الأقل رسمياً: "لن أدخل في التفاصيل، لكنّني أوضح أنني لا أعتبر ذلك نهاية المطاف. من الأفضل أن أتحدث بعد الفعل وليس قبله، وأنا أعمل وأفعل".
وفي رده على سؤال عن كانت خطواته منسّقة مع نتنياهو، قال: "هناك تواصل، فهو رئيس الوزراء. أنا وزير أمثّل حزباً يضم ستة مقاعد فقط. بعض اقتراحاتي وطلباتي تُقبل، وبعضها الآخر يُرفض. مؤقتاً، آمل ذلك. تعلمت خلال ولايتي أن التغييرات في الجبل تجري تدريجياً، وليس دفعة واحدة".
وحول أن في الشرطة والشاباك من يرى أن عملية "طوفان الأقصى" دليلٌ على أنهم كانوا محقين، قال بن غفير: "أنا لا أقبل ذلك. أولاً، جبل الهيكل دائماً يُستخدم ذريعةً، وأداةً، لطردنا نحن اليهود من هنا، من كل أرض إسرائيل. وإن لم يكن الجبل، فهناك ذرائع أخرى، مثل حق العودة، وغيره. أما بخصوص الادعاء نفسه، فهو ببساطة غير صحيح من الناحية الواقعية. كل التغييرات التي كنت مسؤولاً عنها في الجبل نُفذت بعد المجزرة وليس قبلها".
"الآن"، يضيف بن غفير، "الجبل هادئ، لأننا أوضحنا للجميع أننا أصحاب المكان، ولسنا ضيوفاً عابرين فيه، كما يصفنا المسلمون في أفضل الأحوال. لا يوجد تحريض في الجبل. لا توجد مخازن حجارة أو ذخيرة باردة. لا توجد مظاهرات كراهية، وإن وُجدت في الهامش، يجري إيقافها فوراً. هذا الواقع يثبت أن التصوّر الذي تبنّته الجهات الأمنية لعقود في الجبل كان خاطئاً"، ويقدّر بن غفير أنه سيكون هناك "تقدم إضافي".
ويتوقّع بن غفير من الجمهور أن يدرك أن "تغييراً كبيراً قد حدث هنا. دعونا نُفعّل هذا التغيير أولاً. دعونا نجلب المزيد والمزيد من اليهود إلى الجبل ليتمتّعوا بهذه التغييرات، ليمارسوا ما هو مسموح ويتعايشوا مع ما لا يزال ممنوعاً. ستكون هناك تغييرات أخرى، لا أعرف كم ومتى، لكنها ستحدث".
تحشييد الحريديم
الحاخام آرييه كوهين، حاخام حي نافيه شأنان في حيفا، الذي نفخ في البوق خلال اقتحامه الأقصى في شهر سبتمبر/أيلول، وزعمت سلطات الاحتلال أنها أبعدته لمدة أربعة أشهر، يُجسّد نهجاً يوسّع تدريجياً حدود الممكن والمسموح في الأقصى لليهود. يقول كوهين: "أخذت بالحسبان أنني سأُبعد، لكنني أخذت أيضاً بالحسبان أن هذه الخطوة الصغيرة مني، وربما من آخرين مثلي، في رأس السنة القادم ستُطبّع نفخات البوق" في الأقصى، "وهي فريضة تُعتبر من أكثر الأمور الطبيعية في شهري إيلول وتشرين الأول... أُبعدت فقط عن الجبل وسأعود إليه".
يشير تقرير الصحيفة إلى نحو 60 ألف يهودي متديّن، بحسب إحصاء الشرطة، اقتحموا المسجد الأقصى خلال العام الحالي، ولا يشمل هذا العدد اليهود غير المتدينين، الذين تعدّهم الشرطة مع السياح، في حين قبل عشر سنوات، كان عدد المقتحمين سنوياً لا يتجاوز عُشر هذا الرقم. وعزت هذه الزيادة إلى توسّع دائرة الحاخامات الذين يجيزون من الناحية الشرعية اقتحام الأقصى، وإلى "عمل توعوي" عميق قامت به منظمات تعنى بهذا الشأن، على مدار سنوات بين الجمهور العام، ما زاد كثيراً من اهتمام الإسرائيليين بالمكان، "سواء من الناحية الدينية أو من الناحية الوطنية".
وعموماً، غيّرت الشرطة تعاملها مع المقتحمين، ولم تعد تراهم عبئاً. وتتعامل معهم الآن بلطف واحترام، وفقاً للصحيفة، وليس مصدرَ إزعاج، وهو تغيير واضح مقارنة بالسلوك الذي كان يميّز تعامل أفراد الشرطة مع المقتحمين في الماضي.
كما انضمت شرائح أخرى إلى الاقتحامات، إذ بات يبرز عدد كبير من الحريديم أيضاً، رغم تحريم كبار الحاخامات الحريديم عموماً بشدة لذلك، ولهذا السبب تحديداً، بحسب الصحيفة، فإن الحضور الحريدي في المكان يثير الاهتمام والفضول، خاصة وأن الشارع الحريدي تقبّل هذا الواقع ولم يعد يبادر إلى مقاطعة هذه المجموعات كما كان يفعل في الماضي.
وتلزم الشرطة المقتحمين بالسير ضمن مجموعات دون الخروج عن المسار الذي تحدده؛ وذلك بهدف حمايتهم، إلّا أنه في ضوء مطلب الوزير بن غفير، تُدرس حالياً إمكانية توفير حماية مكانية للمقتحمين اليهود، بمعنى حماية شاملة لجميع المناطق التي يوجدون فيها داخل المسجد، ما سيُتيح لهم الوصول إلى مناطق إضافية فيه.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سابق في جهاز الشاباك لم تسمّه، زعمه بأن الجهات العربية والإسلامية بدأت تتعايش مع هذا الوضع في المسجد الأقصى، "وهكذا هو الحال مع الوقف، وكذلك مع دول مثل مصر، والأردن وسورية". وبرأيه فإنّ الواقع الذي تغيّر في المسجد الأقصى "لن يعود على الأرجح إلى الوراء... وحتى عندما يرحل بن غفير، فإن ما جرى ترسيخه، سيبقى إلى حد كبير للأجيال القادمة".