استمع إلى الملخص
- داخليًا، تسعى حماس لإعادة بناء صفوفها عبر انتخابات ديمقراطية، مع التركيز على السرية التنظيمية والعسكرية، وتعزيز اللحمة الداخلية مستفيدة من التعاطف الشعبي، مع الحفاظ على بنية عسكرية دفاعية.
- إقليميًا ودوليًا، تهدف حماس لتوسيع علاقاتها مع الدول المتعاطفة، خاصة في العالم الإسلامي وأميركا اللاتينية، لتعزيز الدعم للقضية الفلسطينية، مع مواجهة التحديات من الأنظمة المعادية.
من نافل القول افتراض أنّ حركة حماس، ذات المرجعية الإسلامية والامتداد الوطني، لن تكون هي نفسها بعد حرب الإبادة على قطاع غزّة، والتداعيات الهائلة التي ما زالت تتفاعل حتّى الآن، وربّما لعقودٍ طويلةٍ، بل إنّ حقائق الواقع الجديد في غزّة، التي ما زالت مفاعيله في طور التطور، والرؤية الإقليمية والدولية للحركة، التي ما زالت في سياقات التبلور أيضًا، ستنقل حركة حماس إلى مرحلةٍ أخرى، ستختلف بالضرورة كلّيًا عن سابقتها. واقعٌ جديدٌ يفرض تحدياتٍ، وفرص بديناميكياتٍ لا تتوافق مع التحديات والفرص السائدة قبل الحرب. هذا واقع القضية الفلسطينية، وروافعها الوطنية من منظّماتٍ وأحزابٍ وحركاتٍ ورموز استثنائية، منذ تأسيس دولة الكيان، وبروز الحركة الوطنية الفلسطينية بعد عام 1967.
على الصعيد الداخلي؛ أدركت حركة حماس مبكرًا، بعد طوفان الأقصى وما أعقبه من حرب إبادةٍ، أنّ دورها السلطوي في غزّة وصل إلى نهايته، لاعتباراتٍ عدّة، لعل أبرزها الخشية من تفاقم حصار غزّة، إن بقيت على رأس السلطة، لأنّ مجمل المنظومة الإقليمية العربية تتعامل مع حركة حماس ليس على اعتبارها حركةً وطنيةً فلسطينيةً تكافح ضدّ الاحتلال، حتّى لو قالت غير ذلك في العلن، إنما على اعتبارها امتدادًا طبيعيًا لحركة الإخوان المسلمين، التي تناصبها، الأنظمة، عداءً مزمنًا. أما المنظّومة الغربية، وعلى رأسها الولايات المتّحدة، مع بعض الاستثناءات، فقد رأت، وما زالت، في حركة حماس قوّةً "معاديةً" لها، تشكل خطرًا على دولة الاحتلال، وعلى استقرار الأنظمة العربية المتحالفة مع الولايات المتّحدة، والساهرة على أمن حدود دولة الكيان، كما تعاظمت مستويات العداء بعد "طوفان الأقصى"، نتيجة استشعارهم تهديدًا وجوديًا تجاه دولة الكيان.
كذلك فإنّ إعادة إعمار قطاع غزّة، بعد تدمير أكثر من 70% من بناه التحتية وبناياته السكنية، حسب تقرير الأمم المتّحدة الأخير، يحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات، وإشراف الدول والجهات المانحة إشرافًا مباشرًا وغير مباشرٍ، لذا سيعرقل وجود حماس في السلطة معظم مساهمات الجهات المانحة، نظرًا لكون حركة حماس مدرجةً على قوائم الإرهاب الأميركية والأوروبية، كما أنّ إشراف أو مشاركة الحركة، على اعتبارها سلطةً، في إدارة هذه العملية سيعزز من حضورها، وسيضعف من حضور السلطة الفلسطينية في رام الله، المُعترف بها دوليًا.
ستسعى الحركة إلى استثمار حالة التعاطف والتضامن مع الشعب الفلسطيني، التي تعاظمت مع حرب الإبادة وفصولها المأساوية
إنّ الأهوال التي أحاطت بسكان القطاع، خلال أشهر حرب الإبادة الطويلة، واستشهاد عشرات الآلاف، وإصابة أضعافهم بجراحٍ مختلفةٍ، منهم ما لا يقل عن عشرة آلاف مصاب بإعاقاتٍ دائمةٍ أو جزئيةٍ، تتطلّب عنايةً ودعمًا دائمًا، والتداعيات الاجتماعية طويلة الأمد، التي أصابت كلّ بيتٍ، والارتدادات النفسية التي تركت جروحًا عميقةً، خصوصًا ضمن فئة الأطفال، ومن فقدوا أحبائهم، كلّها عواملٌ أضعفت، ربّما لسنواتٍ قادمةٍ، الحماسة لبرنامج المقاومة وشخوصه، رغم الأداء العسكري المُبهر لفصائل المقاومة في الميدان، وأطرت لرغبة الجماهير العامة بالعودة إلى الحياة الطبيعية، ومعالجة آثار الحرب وتداعياتها الكارثية.
أيضًا؛ لا يمكن تجاهل خسائر حركة حماس، وجهازها العسكري، البشرية والبنيوية، في سياق مواجهة العدوان، كونها عمود المقاومة الفقري، والمبادرة بـ"طوفان الأقصى"، فقد استشهد قادة الحركة من الصف الأول، وغالبية القيادات من الصف الثاني والثالث، فضلاً عن آلاف الشهداء من المقاتلين في الميدان، ومن رواد العمل الخيري والإغاثي، ومن كوادر المؤسسات المدنية والأمنية السلطوية، ودمرت آلة الاحتلال العسكرية بنية كتائب حماس العسكرية التحتية، التي عكفت الحركة على بنائها منذ سيطرتها على غزّة عام 2007، ورصدت لها مبالغ طائلةً لإنجازها، خصوصًا مشاريع الأنفاق، والصواريخ، والتطوير الذاتي للكثير من الأسلحة والذخائر.
ستنعكس هذه العوامل مجتمعةً، بكل تأكيد، على حركة حماس، وبرنامجها المقاوم، وأولياتها الدعوية والتربوية والجماهيرية والسياسية، بما ينبئ بمرحلةٍ جديدةٍ وواقع مغايرٍ للحركة، فمن الناحية العسكرية؛ لن تعيد حماس بناء قوتها وقدرتها الهجومية كسابق عهدها، بل حتّى لو رغبت لن تكون قادرةً على ذلك، لأن جيش الاحتلال، وضمن حرية العمل في القطاع في المرحلة القادمة، سيبادر إلى تقويض أيّ محاولاتٍ لذلك في مهدها، كما أن واقع غزّة الجديد، بإدارته أو سلطته لمرحلة ما بعد الحرب، تحت مسمى "لجنة الإسناد المجتمعي"، أو حكومة التكنوقراط، أو سلطةٍ فلسطينيةٍ محسنةٍ لن يساعد على عودة الشكل العسكري لغزّة قبل "طوفان الأقصى"، هذا لا يعني تخلي الحركة عن نهجها المقاوم، ولا استبداله بنهجٍ آخر، إنّما إعطاء الأولويّة لوسائل عملٍ أخرى منسجمةً مع متطلبات المرحلة الجديدة، كما لا يعني ذلك تفكيك بنيتها العسكرية بالكامل، إنّما الإبقاء على بنيةٍ عسكريةٍ دفاعيةٍ، تتسلح بأسلحةٍ خفيفةٍ، أولويتها الدفاع عن القطاع في حال تقدمت قوات الاحتلال البرية، والحفاظ على الحركة وعناصرها من تغول أيّ قوّةٍ عسكريةٍ محليةٍ، كما يحدث في الضفّة الغربية حاليًا، والاستعداد للأسوأ، أو لأيّ طارئٍ لم يكن في الحساب.
من ناحيةٍ أخرى؛ ستتوجه أولويّات الحركة إلى صيغ عملٍ جديدةٍ، أو تعظيمٍ لأدوارٍ ومسارات عمل جديدةٍ مُبتكرةٍ، فأولويّة الحركة الآن تمتين اللحمة الداخلية، وإعادة بناء الصف الداخلي، بإجراء انتخاباتٍ لاختيار قيادةٍ جديدةٍ على مستوى الداخل والخارج، وتصعيد نُخبٍ شبابيةٍ فاعلةٍ، وتوسيع القاعدة التنظيمية بالاستناد إلى منجزات "طوفان الأقصى"، وأداء المقاومة المُثير للإعجاب في الميدان، وبخلاف المرحلة السابقة، قبل "طوفان الأقصى"، ستتجه الحركة، بشخوصها وبناها التنظيمية وآليات عملها، أكثر نحو السرية، خصوصًا في ما يتعلق بالبنى العسكرية والأمنية، مع الحفاظ، قدر الإمكان، على سرية التسلسل التنظيمي، والقيادات والكوادر من مستوياتٍ مختلفةٍ.
إقليميًا، ستسعى الحركة إلى توسيع مروحة علاقاتها، ليس على مستوى الشعوب فقط، التي وقفت قلبًا وقالبًا مع "طوفان الأقصى"، إنّما على مستوى النظام الرسمي العربي أيضًا، خصوصًا مع الأنظمة ذات الصبغة الثورية، أو التي تتبنى، على الأقلّ في العلن، مواقف إيجابية من حركة حماس، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النظام الرسمي العربي لن يتخلى عن عدائه المزمن للحركة، ولحركات الإسلام السياسي عامةً، الذي يرى فيها تهديدًا وجوديًا على المُستوى الإستراتيجي، عوضًا عن العداء المُصطنع الذي تكنه العديد من الأنظمة، خصوصًا المُطبعة منها أو المنخرطة في ما يسمى بـ"اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية"، اتساقًا مع مواقف الكيان المعادي، وإذعانًا لتوجهات الإدارات الأميركية، ومن دار في فلكها من المنظومة الغربية.
دوليًا؛ قد تكون فرصة الحركة أكبر للمناورة وتوسيع شبكة علاقتها، بالمقارنة مع الوضع الإقليمي، هنا ليس المقصود الغرب عامةً، والولايات المتّحدة خاصّةً، إنّما العالم الإسلامي، الذي بات يرى في حركة حماس قوّةً حقيقيةً على الأرض، والحركة التي تهفوا إليها قلوب الملايين من شعوبها، والعالم الشرقي والغربي ممثلاً بأميركا اللاتينية، الذي بات يرى في الولايات المتّحدة، وحلفائها المقربين من الغرب الأوروبي، خصمًا ومهددًا لمصالحه الاستراتيجية، ويرى في دولة الكيان عبئًا على النظام الدولي، وحِملًا سياسيًا وإنسانيًا وأخلاقيًا ثقيلًا لا يمكن تجرعه، وستسعى الحركة إلى استثمار حالة التعاطف والتضامن مع الشعب الفلسطيني، التي تعاظمت مع حرب الإبادة وفصولها المأساوية، عبر التشبيك والتنسيق مع كلّ الهيئات والنقابات والمؤسسات والشخصيات المناصرة للحقّ الفلسطيني، بما يساند الشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل استقلاله وحرية وتقرير مصيره.
ستنعكس هذه العوامل مجتمعةً، بكل تأكيد، على حركة حماس، وبرنامجها المقاوم، وأولياتها الدعوية والتربوية والجماهيرية والسياسية، بما ينبئ بمرحلةٍ جديدةٍ وواقع مغايرٍ للحركة
إجمالاً؛ ستطرأ تحولاتٌ مرتقبةٌ على توجهات حركة حماس ورؤاها وآليات عملها، بما ينسجم مع واقعها الجديد، على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي بعد "طوفان الأقصى" وتداعياته، من أبرز هذه التوجهات الابتعاد عن إدارة قطاع غزّة، واستبدال نهج المقاومة المسلّح الشامل، بأدواتٍ أخرى، إذ ستعطي الحركة الأولوية في المرحلة القادمة لإعادة بناء صفها الداخلي، وترتيب قيادةٍ جديدةٍ، عبر عمليةٍ ديموقراطيةٍ شاملةٍ، مع الجنوح أكثر نحو السرية، خصوصًا في أطرها التنظيمية ذات البُعد العسكري والأمني، كما ستسعى الحركة على المستوى الإقليمي والدولي إلى توسيع شبكة علاقاتها مع كل الجهات المناصرة والمؤيدة للحقّ الفلسطيني، والمتضامنة مع كفاحه لنيل حريته وتحقيق مصيره.