استمع إلى الملخص
- الخطتان الأساسيتان تدعوان لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحميله مسؤولياته، مع خيار إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية علمانية، لتحقيق المواطنة الكاملة دون تمييز.
- تطبيق هذه الخطط يساهم في إنهاء الاحتلال وإعادة إعمار غزة، مما يؤدي إلى كسر الحصار وتأمين فرص عمل واستقرار، واستعادة الفلسطينيين حقوقهم وتحويل فصائل المقاومة إلى سياسية.
سال حبرٌ كثيرٌ بشأن ما تفوه به الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص قطاع غزّة وتهجير سكانه قسريًا منه، ثمّ تبعت تصريحات ترامب تصريحات لوزير خارجيته، ماركو روبيو، تحدث فيها عن أنّ ما وصفها بخطة ترامب، هي في الحقيقة مجرد تصريحاتٍ، هي الخطة الوحيدة المطروحة على الساحة، لذا على معارضيها، ومنتقديها تقديم خطةٍ أخرى، وهو الأمر ذاته الذي ذهب إليه الملك الأردني عبد الله الثاني، بل والنظام المصري، الذي أعلن عن إعداد خطةٍ بديلةٍ مصريةٍ- عربيةٍ قد ترى النور بعد انعقاد القمة العربية الطارئة الشهر المقبل.
نلحظ هنا مغالطاتٌ أميركيةٌ عديدةٌ، أولها الادعاء بأنّ ترامب وحده قدم خطةً بشأن قطاع غزّة وسكانه!! ما يناقض الوقع تمامًا، إذ توجد خطتان جديتان، دولية وفلسطينية، متوافقتان مع القانون الدولي وحقوق الإنسان، وتضمنان أمن واستقرار المنطقة وسكانها، كما قد تساهمان بقوّةٍ في تحقيق أمن واستقرار العالم أجمع كذلك.
نستطيع اختصار جوهر الخطتين بنقطتين اثنتين، أولاهما إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية فورًا، من دون قيدٍ أو شرطٍ"، وفقًا لم تضمنته كل القرارات الدولية المعنية بالشأن الفلسطيني. وثانيهما؛ تحميل الاحتلال مسؤولياته عن جرائمه المرتكبة في أرض فلسطين، وفي مقدمتها مسؤولياته الجنائية والاقتصادية، بما يشمل مسؤوليته عن تحمل تكاليف إعادة الإعمار.
كذلك هناك خطةٌ/ خيارٌ قديمٌ جديدٌ أو متجددٌ يتمثل في دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية الواحدة، دولةٌ لجميع سكانها الأصليين والحاليين، دولة مواطنةٍ كاملةٍ
إن تطبيق كلا النقطتين يؤدي إلى حلّ جوهر المشكلة، كما يؤمن مكانًا أمنًا ومستقرًا لكلّ سكان قطاع غزّة، بل لكلّ سكان فلسطين وشعبها الأصلي، وهي أولى المسائل التي عبر ترامب عن قلقه بشأنها، عندما تحدث عن عدم عيش الغزيين بأمنٍ في قطاع غزّة، ليس في الآونة الأخيرة فقط، بل على امتداد السنوات الماضية كلّها، فإنهاء الاحتلال وإعادة إعمار القطاع على نفقة الاحتلال نفسه (المسؤول قانونيًا وسياسيًا وأخلاقيًا عن تدمير القطاع وشؤون الشعب المحتل) يؤديان إلى إنهاء مظاهر عدم الأمان، من كسر الحصار اللاإنساني واللاقانوني، وتأمين فرص عملٍ وفيرةٍ، وصولاً إلى استقرار المنطقة وأمانها، فضلاً عن تسهيل عملية إعادة الإعمار بدايةً من خلال تمويلها من الاحتلال وكل الأطراف التي دعمته، وثانيًا عبر استعادة شعب فلسطين الأصلي لحقّه في التنقل بحريةٍ على أرضه، وعبر عودة آلاف اللاجئين إلى مدنهم الأصلية في كلّ فلسطين، ما يخفف من الضغط السكاني في قطاع غزّة، ويمنح الفلسطينيين مساحاتٍ جغرافيةً جديدةً واسعةً. كما يؤديان إلى تحول كل فصائل المقاومة المسلّحة من فصائل عسكرية إلى فصائل سياسية، أما من يرفض منها هذا التحول فسوف يفقد شرعيته الفلسطينية قبل فقدانه شرعيته القانونية والأخلاقية والسياسية.
أما أسلوب إنهاء الاحتلال وكيفية تحقيق ما سبق، فهناك مناهج وخطط عديدة بهذا الشأن، منها الطرح الأممي والدولي نفسه، الذي وافقت عليه الولايات المتّحدة، متمثلًا في قرار التقسيم (القرار رقم 181، الصادر في 29/11/1947)، الخالي من أيّ تقسيمٍ، فالرؤية الدولية المتضمنة بقرار التقسيم تدعو إلى إقامة دولةٍ واحدةٍ كونفدراليةٍ بحكومةٍ مركزيةٍ وثلاث سلطاتٍ مناطقيةٍ، يهوديةٍ، فلسطينيةٍ/ عربيةٍ، وسلطةٍ لإدارة مدينة القدس والأماكن المقدسة.
كذلك هناك خطةٌ/ خيارٌ قديمٌ جديدٌ أو متجددٌ يتمثل في دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية الواحدة، دولةٌ لجميع سكانها الأصليين والحاليين، دولة مواطنةٍ كاملةٍ لا تمييز فيها سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا. طُرح هذه الخيار فلسطينيًا منذ فترة الانتداب البريطاني، والذي تبنته نسبيًا سلطة الانتداب في كتابها الأبيض الصادر عام 1939، وهو أيضًا الخيار أو الخطة الأول التي تبنتها منظّمة التحرير الفلسطينية، قبل بدء مسار تدمير المنظّمة بعد إقرار البرنامج المرحلي وما تبعه من انحرافاتٍ متتابعةٍ، وصلت إلى مداها في توقيع اتّفاق أوسلو الكارثي والمدمر، بل هو خيار المنظمة الأول، الذي أكسبها شرعيتها فلسطينيًا وإقليميًا ودوليًا.
من ذلك علينا إعادة طرح الحلّ الصحيح والخطة الصحيحة بعيدًا عن ضغوط ترامب وإدارته، ومن خلفهما ضغوط الاحتلال بحكومته الحالية وكلّ قواه السياسية، فتحرير فلسطين وتحميل الاحتلال وداعميه كامل مسؤولياتهم الاقتصادية والقانونية والسياسية والثقافية هو المسار الوحيد لاستقرار المنطقة وأمنها، فضلاً عن أنهما المسار القانوني والأخلاقي والإنساني الوحيد أيضًا.