مستوطنو الشمال عائدون إلى واقع مدمّر "يصعب وصفه" بعد وقف إطلاق النار في لبنان

26 نوفمبر 2024
جيش الاحتلال يجلي مستوطنين من كريات شمونة، 20 أكتوبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه المستوطنون الإسرائيليون الذين أُخلوا من الشمال واقعًا غامضًا مع اقتراب وقف إطلاق النار، حيث يشعرون بالقلق من العودة دون ضمانات أمنية أو اقتصادية.
- مشروع تأهيل الشمال، بقيادة إليعزير ماروم، يواجه تحديات كبيرة في حصر الأضرار وتقديم استجابة فعالة، مع تخصيص 25 مليون شيكل لعام 2024، لكن العقبات الإدارية تعرقل التقدم.
- الأضرار تشمل تدمير آلاف المباني والمركبات، ويطالب المسؤولون المحليون الحكومة بخطط واضحة ودعم مستمر، مع بقاء المستوطنين في أماكن مؤقتة حتى تأهيل البنية التحتية.

ينتظر آلاف المستوطنين الإسرائيليين الذين أُخلوا من منازلهم في 42 مستوطنة في الشمال مع اندلاع الحرب العودة إلى بيوتهم قريباً، بعد أن يُعلن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، غير أنه وفقاً لما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في تقريرٍ لها، اليوم الثلاثاء، "لا أحد يعرف، ولا أحد بإمكانه أن يُقدّر أو يصف طبيعة الواقع الذي سيعود إليه هؤلاء".

الصعوبة في تصوّر الواقع الناشئ وتوقعه تعود إلى جملة أسباب، من بينها أنه في شهر مايو/أيار الماضي، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً هَدَف إلى توفير استجابة في المديين، الآني والمتوسط، من خلاله خصصت مليوني شيكل لمديرية "مشروع تأهيل الشمال"، الذي يرأسه إليعزير ماروم، حيث كان على الأخير وضع آلية لحصر الأضرار وترتيبها في "لوحة تحكم" (داش بورد) ليُستعد على إثرها لتأهيل الأضرار الجسيمة. مع ذلك، فإن ما تقدم لم يكتمل إلى الآن "تماماً كأمورٍ كثيرة أديرت خلال الحرب على الجبهة الشمالية من دون تخطيط أو استراتيجية"، بحسب وصف الصحيفة، التي تنقل مشاعر الغضب التي يكنّها رئيس منتدى مستوطنات خط المواجهة، ورئيس المجلس الإقليمي "ماطيه آشر"، موشيه دافيدوفيتش، الذي قال إنه "لا يوجد لدى دولة إسرائيل أي فكرة عن حجم الأضرار التي وقعت وما الذي ينبغي فعله من أجل معالجة الوضع في اليوم التالي للحرب".

طبقاً لدافيدوفيتش، فإن مستوطنيه يمثلون إزاء واقع يكتنفه الغموض، فكما يوضح "الشيء الوحيد الذي نعرفه الآن، أنهم سيُعيدوننا مثل اللاجئين السوريين الذين طُردوا من بيوتهم، أي أننا سنعود من دون أمنٍ، وبلا أفق اقتصادي، تعليمي، ومن دون بنى تحتية، ولا زراعة أو سياحة"، مضيفاً: "نحن ندفع ثمن تسوية سياسية قسرية". واعتبر دافيدوفيتش أن ما تقدّم "يكشف إلى أي مدى يُعتبر الشمال ومستوطنوه مُهمّين في نظر الحكومة"، في إشارة إلى إهمالهم.

في غضون ذلك، تشير الصحيفة إلى أن "دائرة مشروع الشمال"، برئاسة ماروم -الذي حاول رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إقصاءه عنها بسبب الخلافات بين الأوّل ومدير مكتب نتنياهو، يوسي شيلي- كان يُفترض بها أن تحصي الأضرار وتقدّم استجابة لها، حيث خُصص أكثر من 25 مليون شيكل لعام 2024 للمستوطنات المتضررة. مع ذلك، بسبب عراقيل وتحديات كثيرة، لا تزال الدائرة بعيدة عن توفير استجابة لذلك.

وعلى ما يبدو، كانت الحكومة، التي عيّنت الوزير زئيف إليكين فوق ماروم في الدائرة، تأمل أن يجسر الوزير الفجوات من خلال الخبرة التي يتمتع فيها، لكنه وفقاً للصحيفة "وصل هو الآخر متأخراً جداً". مع ذلك، تنقل عن مصادر في "الدائرة" قولها إن إنشاء لوحة المهام أو التحكم (الداش بورد) التي تتضمن المعطيات حول حجم الأضرار "توجد الآن في مراحل متقدمة"، حيث تستقي هذه الأخيرة معطياتها من مصادر مختلفة مثل ضريبة الأملاك ومن "دائرة أفق شمالي" التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية. وقد بدأت أخيراً برسم خريطة منهجية للمستوطنات الواقعة على طول خط المواجهة وتحديد نطاق الأضرار فيها.

لم تنته هذه الخريطة بعد، مع ذلك، المعطيات التي تكشف عنها الصحيفة تُظهر "صورة مقلقة وجزئية"؛ حيث  تكشف عن دمار لحق بـ9000 مبنى وأكثر من 7000 مركبة، تضررت بشكل أساسي من نيران حزب الله الآتية من لبنان. وحتّى الآن دُفع نحو 140 مليون شيكل لترميم الأضرار، فيما تشدد ضريبة الأملاك على أن "هناك أضراراً كبيرة في الشمال لم يُبلغ عنها حتى الآن، بسبب إخلاء السكان أو بسبب أن الأضرار نفسها وقعت في منطقة يحظر الدخول إليها وفقاً لتعليمات الجيش". علاوة على ذلك، ثمّة أضرار كبيرة قد أحصيت، غير أنها لم تعوّض بعد بسبب عدم قدرة المقاولين على الحضور لترميمها؛ حيث لا تدفع التعويضات إلا بعد التأكد من ترميم الأضرار وإعادة البناء.

وبناءً على معطيات دائرة "أفق شمالي" التي كان وزير الأمن السابق، يوآف غالانت، قد أنشأها قبل شهور، فإن خمساً من مستوطنات "خط المواجهة" والمحاذية تماماً للحدود مع لبنان لحقت بها أضرار جسيمة، وهي تتصدر قائمة المناطق الأكثر تضرراً في الشمال، وهي مستوطنات "مِنورا"، "شتولا"، "كريات شمونة"، "زرعيت" و"نهاريا".

ما تضرر وأصيب، سواء بنيران حزب الله، أو بسبب أنشطة الجيش الإسرائيلي، لا يقتصر فقط على منازل المستوطنين، والمباني العامة التي يحتاج بعضها إلى هدم وإعادة بناء مجدداً؛ إذ كما يؤكد رئيس بلدية "كريات شمونة" أفيخاي شتيرن، فإن كل منزل من بين آلاف المنازل في مستوطنته، "يحتاج إلى أعمال ترميم تستغرق شهوراً"، وهو ما ينطبق كذلك على حال البيوت في المستوطنات الأخرى. غير أن هذه المدّة "منوطة بتوافر عدد مقاولين كافٍ لتنفيذ المهمة، في ظل الطلب غير المسبوق على المستوى الوطني".

وفي السياق، يوضح شتيرن أن بلديته تتلقى كل يوم استفسارات من السكان؛ حيث يُتوجَّه إلى منازلهم، فيُكتشف صاروخ غير منفجر، أو أضرار جديدة قد لحقت بسبب سقوط شظايا أو إصابات مباشرة، مشيراً إلى أنّ "عدداً كبيراً من سكان كريات شمونة لم يزوروا منازلهم منذ بدء الحرب، ولو لمّرة واحدة، وذلك بسبب الخشية من التعرض للصواريخ".

وعبّر شتيرن عن قلقه من أن تسارع الحكومة مع وقف إطلاق النار إلى "طرد" المستوطنين من الفنادق التي أُخلوا إليها، أو إغلاق الأطر التعليمية المؤقتة التي خُصصت لاستيعاب الطلاب، الأمر الذي سيجبر هؤلاء عملياً على العودة سريعاً إلى المستوطنات، ولكن كما يوضح رئيس البلدية: "عندما يرون إلى أين عادوا، وإلى أيّ واقع، فإن موجة رحيلهم الثانية ستكون أوسع هذه المرّة"؛ إذ لا يوجد بحسبه خطط، سواء اقتصادية، أو أمنية أو اجتماعية أقرتها الحكومة لتلبية احتياجات السكان، "وجُل ما خصصته الحكومة هو ما مجموعه 15 مليار شيكل لجميع المستوطنات المتضررة".

وفي هذا الإطار، يوضح شتيرن أن ترميم المدارس التي لحقت بها أضرار مثلاً يتطلّب على الأقل أربعة أشهر فقط لمرحلة ما قبل الشروع بإعادة الأعمار، وهي التي تمر بطرح المناقصة، ثم تخصيص الميزانية، ولاحقاً إيجاد المقاولين. وطالب الحكومة بأن تترك المستوطنين في الفنادق على الأقل ريثما ينتهي العام الدراسي في الصيف المقبل. والسبب كما يشرح هو "الواقع الذي يصعب استيعابه"، ويتبدى هذا الأخير في أنه "لا يوجد منزل واحد لا يحتاج إلى ترميم بعد عام من عدم السكن فيه، كذلك لا توجد حديقة لا تحتاج صيانة بعدما أهملت كل هذه المدّة، خصوصاً أن البنية التحتية للصرف الصحي التي ظلت صامدة كانت فارغة وامتلأت بالجرذان التي بدورها دخلت المنازل وقضمت الأثاث، وكابلات الاتصالات والكهرباء، فيما فاقمت الضربات الصاروخية الوضع، حيث تضررت أيضاً شبكات المياه وتفاقم الأمر مع فصل الشتاء، حيث يجتاح العفن والديدان المنازل التي ترك أصحابها طعامهم في عيد بهجة التوراة كما هو قبل أن يغادروها".

في مستوطنة "كفار بلوم" القريبة من "كريات شمونة" التي تُعد واحدة من ثماني مستوطنات لم تُخلَ رغم وقوعها تحت الضربات اليومية، تلقى المستوطنون الذين بقوا فيها أمس الاثنين خمسة صواريخ، ما أحدث دماراً في ستّ غرف بفندق "بريستول" العريق، إضافة إلى تدمير حظيرة، وأقنان دجاج. وكما تنقل "يديعوت" عن رئيس المجتمع الاستيطاني هناك إيلي رتشيبسكي، فإن ترميم الفندق وحدة سيستغرق شهوراً، فيما من غير الواضح متّى ستعود القوارب النهرية التي تشتهر فيها المستوطنة للعمل واستقبال السائحين. ولفت إلى أن سكان المستوطنة لم يتلقوا أي تعويض إلى الآن، مطالباً الحكومة بدمج مستوطنته في مسار التعويضات اللاحق.

إلى ذلك، تلفت الصحيفة إلى القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية في شهر مايو/أيار الفائت بوضع خطة متعددة السنوات لتأهيل مستوطنات خط المواجهة، فيما منذ ذلك الحين، وجدت مستوطنات إضافية ذاتها تئنّ تحت الصليات الصاروخية من لبنان، وهي لم تكن أساساً مشمولة ضمن الخطة غير الواضحة حالياً. وفي ظل هذا الواقع، فإن المستوطنات الشمالية تجد ذاتها في حالة من اللايقين يختصرها دافيدوفيتش في أنه "ما لدينا الآن مجرد ذر رمادٍ في العيون ووعود كاذبة".