ملف التآمر في تونس: جولة حاسمة من صراع المعارضة والسلطة

15 ابريل 2025
معارضون في العاصمة تونس، 11 إبريل 2025 (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعقد المعارضة التونسية محاكمة صورية بعد منع السلطات جلسة مماثلة، معتبرة ذلك اعتداءً على حرية التعبير. تتصاعد تحركاتها عبر الاحتجاجات والإضرابات، مستغلة محاكمة ملف التآمر لكشف النظام.

- خالد شوكات يرى أن الرئيس قيس سعيّد يمارس سياسة غير مسبوقة، حيث ألغى دستور الثورة واعتقل خصومه دون اعتراض شعبي. يشير إلى أن تحركات المعارضة تفتقر للدعم الشعبي، مما يجعلها غير مؤثرة.

- أحمد الغيلوفي يوضح أن تصعيد المعارضة متوقع بسبب طبيعة الأنظمة الاستبدادية. يشير إلى فشل سعيّد في الاقتصاد والعلاقات الخارجية، مع غياب اتفاق المعارضة على بديل للنظام الحالي.

تعقد المعارضة التونسية في مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، غداً الأربعاء، جلسة لمحاكمة صورية في ملف التآمر في تونس على أمن الدولة، وذلك بعد اجتماع جمع أركانها مساء الأحد. وجاء هذا التطور، إثر منع السلطات عقد جلسة مماثلة في قاعة الريو في العاصمة تونس، الخميس الماضي، عشية انعقاد جلسة المحاكمة الثانية، للمتهمين في ملف التآمر في تونس بعد الجلسة الأولى في الرابع من مارس/آذار الماضي. ومن المقرر عقد الجلسة الثالثة، الجمعة المقبل. وبدت المعارضة مصممة على التصعيد ضد السلطات. وعبّرت المنظمات والجمعيات والأفراد الذين سعوا لتنظيم جلسة المحاكمة الصورية الخميس الماضي، عن "إدانتنا الشديدة لهذا المنع القمعي الذي استهدف تظاهرة ثقافية سلمية في فضاء خاص". واعتبروه "اعتداءً صارخاً على الحق في حرية التعبير والتنظم والتجمع المكفول بموجب الدستور التونسي والمواثيق الدولية". ورأوا أن "السلطات التي تخاف حتى من محاكمة صورية، هي سلطات لا تثق في نفسها ولا في مشروعيتها، سلطة تفضح هشاشتها يوماً بعد يوم، وتُدخِل البلاد في منحدر سلطوي لا يمكن القبول به".


خالد شوكات: تحرك المعارضة نخبوي لا عمق شعبياً يسنده

زخم ملف التآمر في تونس

واعتبر حزب التيار الديمقراطي بدوره أن "المنع التعسفي لهذا النشاط الحقوقي يمثّل اعتداءً صارخاً على الحق في حرية التعبير والتنظم والتجمع والنشاط السلمي، وضرباً لحقوق أساسية كونية غير قابلة للمصادرة أو التقييد التعسفي". وأضاف في بيان "أن القمع المتزايد للحريات أضحى دليلاً واضحاً على ارتباك السلطة وخوفها من كل صوت حر يفضح ما تصوّره من استقرار وهميّ وشرعية مهتزة". ويتصاعد صوت المعارضة التونسية بوضوح في الفترة الأخيرة، لهجة ناقدة بقوة للسلطة، مثل الخروج إلى الشارع وتنظيم وقفات احتجاجية متكررة، والإضراب عن الطعام داخل السجون للمعتقلين السياسيين، ومقاطعة سير المحاكمات. ويشير ذلك بوضوح إلى أن قوى المعارضة تعتبر انطلاق المحاكمة في ملف التآمر في تونس فرصة لكشف النظام أمام الرأي العام، واعتقاله خصومه. ولكن السؤال يطرح حول مدى تأثير هذه التحركات، على أهميتها، على الصراع القائم بين المعارضة والسلطة، وإمكانية تغيير المشهد التونسي.

رئيس المعهد العربي للديمقراطية، خالد شوكات اعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الرئيس قيس سعيّد يمارس نوعاً غير مسبوق من السياسة في علاقة بالتعامل مع المعارضة، وما يشجّعه على المضي فيها، تقديره أنه لم يجد أي عائق في تطبيقها. لقد تجرّأ الرجل على أمور لم يسبقه إليها أي رئيس، بمن في ذلك الرئيسان الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. لقد ألغى دستور الثورة بجرة قلم، ووضع أهم خصومه السياسيين في السجن من دون اعتراض حقيقي من الشارع، وحوّل السلطات الثلاث إلى مجرّد وظائف غير عابئ تماماً بمبدأ الفصل بين السلطات، ووضع نفسه فوق هذه الوظائف جميعاً، وألزم الجميع بأن يكون مسؤولاً أمامه من دون أن يكون هو مسؤولاً أمام أحد. هذا إلى جانب أن سعيد يرى نفسه والشعب شيئا واحدا لا يمكن فصله، فهو يمثّل إرادة الشعب الخالصة، ولا ينازعه أي طرف في هذا التمثيل". وأوضح شوكات أن "تحرك المعارضة نخبوي لا عمق شعبياً يسنده، ولهذا يظل تصعيداً غير مزعج للسلطات، وقد سبق التعامل مع مثل هذا التصعيد، فإن تطوّر سيتحرك القضاء من خلال توجيه تهمة التآمر على أمن الدولة، وذلك في موازاة تحرّك داعمي سعيد لإلقاء شتى النعوت من باب التصدي لأعداء الوطن وأتباع اللوبيات الذين تحرّكهم السفارات... كما يقولون دائماً".


أحمد الغيلوفي: سعيد استبعد الجميع ولم يُشرِك أحداً

سعيد يستبعد الجميع

من جهته، رأى المحلل السياسي أحمد الغيلوفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التصعيد في التحركات الأخيرة للمعارضة أمر متوقع، لأن من طبيعة الأنظمة الاستبدادية أن تجمع الأعداء حولها، ولو تدريجياً". وأوضح أن "سعيد استبعد الجميع، ولم يُشرِك أحداً، لا في كتابة الدستور ولا في الحكم، وزد على ذلك الفشل الذريع في الاقتصاد وفي العلاقات الخارجية التي تدهورت مع الجميع، وكل هذا سيدفع الناس إلى اليأس وكره النظام، تحديداً في سياق التضييق على الجميع من دون استثناء، من سياسيين ونقابات وغيرهم، وهو ما نجح فيه النظام بغباء شديد". وأضاف الغيلوفي أن "سعيد جمّع ضده الجميع، رغم اختلافهم، ولكن ينقصهم أمر جوهري وهو الاتفاق على ما بعده، وهذه هي النقطة الوحيدة التي تجعل النظام القائم قائماً رغم العجز التام في إدارة الدولة. لذلك، إن على المعارضة الاتفاق بعد تنازلات معينة على بديل لهذا النظام، وأن يجمعها عقل الدولة، إن كان للدولة عقل آخر، ولكن الأجهزة الصلبة تقول إن هؤلاء المعارضين لا يقدرون على الحكم، وصراعاتهم تجعلهم يشكلون خطراً على الدولة إن سقط هذا النظام على هناته وفشله، والدول تكره الفراغ وهو ما يجعله قائماً حد الآن". واعتبر أن "هذه التحركات تبقى تحركات نخبوية، وهذه حقيقة واضحة، وحتى النخبة لا تتحرك كلها بل جزء منها فقط". وأشار الغليوفي إلى وجود "شرخ عظيم بين الشعب وهذه النخبة، وهذا شرخ بني طيلة السنوات الماضية انطلاقاً من الفشل الذريع والصراع فيما بين النخبة، حتى لم يعد للناس أمل للخروج للشارع مثل أيام الثورة". ولفت إلى أن "المحاكمة في ملف التآمر في تونس محطة مفصلية من محطات المواجهة مع السلطة، وحتى من كان يتهم المعتقلين جزافاً بالخونة، تبيّن لهم بعد حوالي عامين من اعتقالهم أن السلطة لم تقدم أي دليل على إدانتهم".