استمع إلى الملخص
- يعتمد ترامب على دعم الكونغرس الجمهوري وغياب معارضة قوية، حيث يعاني الديمقراطيون من الإحباط ووسائل الإعلام تتجنب مواجهته، مما يعزز سطوته السياسية.
- من المتوقع أن ينفذ ترامب أجندته بسرعة، لكن هناك مخاوف من سياساته التي قد تؤدي إلى فوضى داخلية وخارجية وتمرد داخل حزبه.
يؤدي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب اليمين الدستورية عند منتصف نهار اليوم الاثنين تحت قبة الكونغرس، بعد أن قرر نقل الاحتفال من مكانه التقليدي خارج المبنى إلى داخله خشية التعرض لمخاطر موجة صقيع قطبي تجتاح العاصمة. والمعروف أن الرئيس وليام هاريسون (1841) الذي أصر في ظروف مماثلة على إجراء احتفال القسَم في العراء، توفي بعد 32 يوم متأثراً بمضاعفات الصقيع. هذا التغيير فوّت على ترامب مشاركة شعبية أرادها أن تكون صاخبة، حشد لها فريقه الذي أشاعت مصادره بأن حجمها سيتعدى المئتي ألف من مؤيديه والذي جرى الاستعداد له بتحويل واشنطن ومداخلها خاصة محيط مبنى الكونغرس، إلى شبه قلعة أمنية في الأيام الأخيرة.
لكن اختصار الاحتفال تحت ضغط حالة الطقس، لا يقلل من وقع عودة ترامب الهادرة التي تنتظرها واشنطن والكثير من العواصم، بشدّ الأحزمة. فهو قادم بأجندة للانقلاب على السائد والمألوف. على رأس بنودها "تصفية حسابات" مع خصوم ومؤسسات، فضلاً عن إطاحة قواعد اللعبة ونماذجها وضوابطها الملزمة، بما فيها اتفاقيات قانونية وإدخال تغييرات على وظائف بعض المؤسسات وأدوارها.
مشروعه "لاستعادة عظمة أميركا" يقوم على نسف الواقع القائم من دون تقديم بدائل متماسكة. يعوّل في ذلك ليس فقط على كونغرس يملك الأكثرية ولو المحدودة في مجلسيه "الشيوخ والنواب"، بل أيضاً وأساساً على خلو الساحة من القوى المناوئة له والقادرة على التصدي لمشروعه. الحزب الديمقراطي محبط وفي أدنى معنوياته بعد خسارة معركة الرئاسة. والشارع المعترض امتدت إليه عدوى الإحباط الديمقراطي الذي يشكو هو الآخر من غياب قيادة قادرة على مواجهة تحديات اللحظة. أميركا "تعبت من نمطية اللعبة السياسية"، كلام تردد قبل وبعد الانتخابات. ومن هنا انجذبت قطاعات جديدة من الأقليات، نحو خطاب ترامب وإلى الحد الذي ساهم في تعزيز سطوته السياسية. وحتى وسائل الإعلام باتت إجمالاً تتهيّب فتح المعارك معه لئلا ينعكس ذلك سلباً على جمهورها ومن ثم على مداخيلها. فهو هذه المرة عائد "كمنتصر"، بعد معركة رد اعتبار على عدة جبهات سياسية وقضائية واجتماعية، خاضها بعناد وإصرار على مدى أربع سنوات وبما زوده بالمزيد من الزخم الذي كان يفتقده في رئاسته الأولى. واليوم يدشّن رئاسته الثانية وهو في موقع جعله يبدو وكأنه بات يختصر الحياة السياسية في أميركا.
بوصوله إلى هذا الموقع، يرجح المراقبون أن يسارع الرئيس الجديد من دون خسارة وقت، إلى ترجمة الأجندة مع كل ما ينطوي عليه ذلك من انفلات تخشى جهات كثيرة عواقبه، ليس فقط على الصعيد الداخلي بل الخارجي أيضاً، مثل هلوسات استرداد قناة بنما أو شراء غرينلاند. وما قد يساعده في ذلك أن تركيبة إدارته هذه المرة (إذا وافق مجلس الشيوخ عليها ويبدو أن طريقها عموماً سالكة ما عدا منصب أو اثنين)، تتماشى مع خياراته من دون اعتراض أو جدل كما كان يحصل في إدارته الأولى. ثم إنه هذه المرة متحرر من اعتبارات إعادة انتخابه التي شكلت قيداً على رئاسته الأولى، إلا إذا افتعل تفسيراً للتجديد ولو أثار أزمة على غرار عام 2020.
كل شيء ممكن في الزمن الترامبي المفتوح على الانقلابات والغرائب. والتكهنات تملأُ القراءات والمواقع والتحليلات التي لا يستبعد بعضها أن يغرق صاحبها في الإفراط بحيث يفتح الباب أمام حالات تمرد جمهوري في الكونغرس على الرئيس، يكون البداية لصحوة حزبية باتجاه استرجاع الحزب من الترامبية. وفي الآونة الأخيرة ظهر شيء من هذا القبيل عندما رفض 38 من النواب الجمهوريين الاستجابة لطلب الرئيس ترامب بالتصويت على عدم تمويل الخزينة لتأمين الاستمرارية في عمل أجهزة الدولة وتمكينها للقيام بالتزاماتها المالية. لكن مثل هذه التوقعات لا تخلو من الرغبوية أو في أحسن الأحوال من التخمين المبني على الحدس أحياناً والذي يلجأ إليه البعض لتفسير الحالة الزئبقية الترامبية التي لا يرى فيها خبراء من أمثال السفير والمستشار السابق جون بولتون، سوى أنها حالة لم تنتج في المرة الأولى ولن تنتج في الرئاسة الثانية سوى "الفوضى".