إسرائيل تدمّر المدرسة الوحيدة لذوي الاحتياجات الخاصة في أقصى جنوب لبنان
استمع إلى الملخص
- تأسست المدرسة في 2001 بتمويل ياباني، وقدمت خدمات تعليمية وعلاجية لنحو 150 تلميذاً من 33 قرية، رغم تعرضها لاعتداءات سابقة، بفضل دعم دولي.
- الاعتداء يأتي ضمن حرب شاملة بدأت في أكتوبر 2023، ورغم اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024، استمرت إسرائيل في خرقه، مما أثار استنكاراً لبنانياً واسعاً.
تبدو كلّ الأهداف مشروعة لإسرائيل في سياق اعتداءاتها على لبنان المتواصلة منذ نحو سنتَين، وفي هذا السياق فجّرت قواتها مبنى مدرسة "جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة" في بلدة عيتا الشعب جنوبي البلاد، أمس الخميس. وبعد 10 أشهر من إعلان وقف إطلاق النار في لبنان الذي لم تلتزم به إسرائيل، يمضي الاحتلال في عملياته التي يستهدف من خلالها مناطق لبنانية مختلفة، ولا سيّما في الجنوب، في حين أنّه لم يُسمَح بعد لأهالي البلدات الحدودية مع فلسطين المحتلة بالعودة إليها، مع العلم أنّها إمّا دُمّرت وإمّا صارت محتلة.
وتطاول اعتداءات إسرائيل على لبنان مراكزَ حيوية ومدنية، كأنّها تستهدف كلّ ما يمثّل متنفّساً للحياة وسط الموت المسيطر. ويأتي تفجير مبنى مدرسة ذوي الاحتياجات الخاصة الواقع في حيّ أبو طويل عند أطراف بلدة عيتا الشعب الجنوبية قبالة تلّة وردة وموقع الراهب، في هذا الإطار.
ومدرسة "جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة" لم تكن مجرّد منشأة تربوية عادية، بل كانت صرحاً فريداً من نوعه في منطقة حدودية منسيّة، شبه معزولة عن الخدمات. وهي المنشأة الوحيدة في أقصى جنوب لبنان التي جمعت أطفالاً من عيتا الشعب ومن 33 قرية محيطة، لتوفّر لهم فرصة للتعلّم والحصول على الرعاية غير المؤمّنة في أقرب مدينة.
ومنذ سنوات، تدفع هذه المدرسة غالياً ثمن موقعها، فهي تضرّرت أكثر من مرّة في خلال اعتداءات إسرائيلية سابقة، مع العلم أنّ قوات الاحتلال دخلت إليها أخيراً. لكنّ يوم أمس الخميس كان مختلفاً، إذ دمّرت الغارة المعادية مبنى المدرسة بالكامل، كأنّ الاحتلال يستقصد محوها من الوجود. وسقطت حجارة المدرسة في رسالة واضحة يوجّهها العدو إلى أطفال عاجزين وأهالٍ يفتّشون عن بصيص حياة في مناطقهم الحدودية المهدّدة.
The IDF entered Aita Chaab this morning and rigged and detonated a school for disabled children. Who keeps allowing them to enter? pic.twitter.com/CC7DgyvBlF
— courtneybonneauimages (@cbonneauimages) September 11, 2025
مدرسة نموذجية على خط النار
مدرسة "جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة" التي دمّرتها إسرائيل، هي مؤسّسة خاصة مدعومة من وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان وبالتالي فهي مجانية، علماً أنّ التبرّعات هي التي كانت تساهم في ديمومتها. وتشير صاحبة المدرسة ومديرتها دعد إسماعيل سرور لـ"العربي الجديد" إلى أنّ المدرسة فتحت أبوابها في عام 2001، بتمويل من السفارة اليابانية، فيما الجمعية كانت قد أُنشئت في عام 1996 لرعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة"، وتضيف أنّ "إسرائيل قصفت المدرسة خلال حرب تموز 2006، لكنّ إعمارها أُعيد بتمويل ألماني من منظمة أكاب أنامور".
وعن المدرسة التي كانت تحتضن نحو 150 تلميذاً، تقول إسماعيل سرور بغصّة إنّ "مبناها كان كبيراً يمتدّ على خمسة آلاف متر مربّع، ومجهّزاً بأحدث التقنيات التربوية، بالإضافة إلى صفوف للمهارات. وفي المدرسة، يتلقّى الأطفال الدروس الأكاديمية وأخرى خاصة بالمهارات الحياتية، إلى جانب العلاجات التي يحتاجونها من علاج حسي حركي وعلاج فيزيائي وكلّ ما من شأنه أن يساعد في تطوير قدراتهم".
تضيف صاحبة مدرسة "جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة": "كنّا نستقبل أطفالاً مصابين بحالات مختلفة، من شلل دماغي وتوحّد وتخلّف عقلي وغيرها. وكان الصف الواحد يضمّ خمسة تلاميذ فقط، حتّى تتمكّن الهيئة التعليمية المتخصّصة من التركيز عليهم، علماً أنّنا كنّا نعمد إلى دمج الأطفال بعضهم مع بعض في الحالات المناسبة"، وتؤكد إسماعيل سرور أنّ "المدرسة لم تكن متطوّرة فحسب، بل نموذجية في عملها. حتى قوات حفظ السلام في لبنان اليونيفيل شاركتنا في نشاطات كثيرة".
عملنا إنساني بحت في جنوب لبنان
لا تتوقّف حكاية مدرسة "جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة" عند حدود عيتا الشعب. فبعد سنوات من إنشائها، وسّعت الجمعية أعمالها، وأُنشئ فرع ثانٍ لها في بلدة العديسة الجنوبية الحدودية في عام 2011، قبل نقله في عام 2022 إلى بلدة رب ثلاثين في المنطقة نفسها، بعد تخصيص وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان مبنى لذلك. لكنّ الحرب، بحسب ما تقول إسماعيل سرور، سرعان ما لحقت بها إلى هناك كذلك، ودخلت القوات الإسرائيلية المبنى وخرّبته، "لكنّ المدرسة بقيت صامدة".
وفي عيتا الشعب التي لم يوفّر الاحتلال أيّ محاولة لكسرها على مدى سنين، كان موقع مدرسة "جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة" يُعَدّ خطراً، إذ لا يبعد أكثر من 300 متر عن الشريط الأزرق، وهو تحديداً قبالة المواقع العسكرية الإسرائيلية. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، غداة اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، توقّفت المدرسة عن استقبال التلاميذ، علماً أنّ الأهالي سارعوا إلى إبعاد أولادهم عن المنطقة، وصار التعليم عن بُعد عبر الإنترنت، في انتظار فتح مركز بديل "قبل نهاية الشهر"، بحسب ما تشير إسماعيل سرور.
وتفيد صاحبة مدرسة "جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة" بأنّ منشأتها التربوية "لا علاقة لها بأيّ شأن سياسي، وعملنا إنساني بحت"، مؤكدةً أنّ "المؤسسة لا تتبع أيّ طرف، وهي غير مسيّسة، ومرتبطة فقط بوزارة الشؤون الاجتماعية". لكنّ الحرب فرضت واقعها الثقيل، و"منذ الثامن من أكتوبر الماضي خرجنا من عيتا الشعب، ولم نعد نعرف ما حلّ بالمبنى. وقبل شهرَين، رمت القوات الإسرائيلية مناشير في داخله وادّعت أنّ حزب الله يستخدمه، وحذّروا من أنّ العودة إليه تعني تعريض حياتنا للخطر".
نسفوا كلّ شيء في عيتا الشعب
في سياق متصل، يقول رئيس بلدية عيتا الشعب أحمد سرور لـ"العربي الجديد" إنّ "نسف مبنى مدرسة جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة هو إعلان موت للحياة التربوية والصحية والخدماتية في البلدة"، مضيفاً بمرارة "لقد نسفوا كلّ شيء"، في إشارة إلى ما خلّفه القصف المتكرّر للبلدة.
من جهتها، استنكرت وزيرة الشؤون الاجتماعية في لبنان حنين السيّد ما ارتكبه الاحتلال أمس، وأكدت أنّ "إسرائيل تستكمل اعتداءاتها على لبنان وخرقها لاتفاق وقف إطلاق النار، عبر استهدافها بلدة عيتا الشعب وتدمير مدرسة لذوي الحاجات الخاصة"، وشدّدت، في تدوينة على موقع إكس أمس الخميس، على أنّ "هذا العمل الإجرامي يُضاف إلى سلسلة جرائم العدو التي لا تفرّق (بين الناس) وتستهدف حتى حقوق ذوي الإعاقة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وكلّ المواثيق التي تحمي الفئات الأضعف".
ويأتي القصف في سياق حرب متواصلة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين شنّت إسرائيل عدوانها على لبنان، قبل أن تتحوّل في سبتمبر/أيلول 2024 إلى حرب شاملة أودت بحياة أكثر من 400 ألف شخص وأصابت نحو 17 ألفاً. ورغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بين حزب الله وإسرائيل، فإن الأخيرة خرقته أكثر من 300 ألف مرة، ما أسفر عن مقتل 267 شخصاً وإصابة 608 آخرين، وفق بيانات رسمية. وإلى اليوم، تواصل إسرائيل غاراتها على جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية، فيما تبقى قواتها متمركزة في خمس نقاط داخل الأراضي اللبنانية.