استمع إلى الملخص
- أثار قرار إغلاق الوكالة انزعاج المسؤولين والنشطاء الليبيين، حيث سيؤثر على مشاريع تنموية مثل صيانة شبكات الصرف الصحي وحل أزمة مياه الشرب، مما يتطلب البحث عن شركاء بديلين.
- سيؤثر الإغلاق على اللاجئين السودانيين الذين كانوا يتلقون مساعدات، ويهدد استقرار المنطقة بسبب توقف مشاريع بناء السلام والمصالحة.
تظهر نشرات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تنوعاً كبيراً في أنشطتها داخل ليبيا، ما بين تقديم دعم وتدريب للمؤسسات الحكومية، ودعم الأعمال التطوعية التي تقوم بها المؤسسات الأهلية.
عبّر مسؤولون ونشطاء ليبيون عن انزعاجهم الكبير من تداعيات قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، منددين بارتباط الدعم التنموي الدولي بالقرارات والمواقف السياسية، ما يحيل إلى تراجع الثقة بوعود المجتمع الدولي بشأن تعهدات أطرافه بتقديم الدعم الإنساني.
ونشطت الوكالة الأميركية للتنمية في دعم المؤسسات الرسمية والأهلية في ليبيا رغم حالة الاحتراب وعدم الاستقرار التي شهدتها البلاد طوال العقد الماضي، ومع توقف الحروب، وذهاب أطراف الصراع إلى الحوار السياسي في عام 2020، دشنت الوكالة مشروع "تقارب" بالشراكة مع البلديات الليبية، إلى جانب مشروعات أخرى تشمل برامج التعليم والتدريب والإدارة والتخطيط والتفكير الإبداعي، كما برز تشجيعها المبادرات التي تطلقها منظمات مجتمعية في مجالات الإغاثة وتقديم المساعدات.
ويعد مشروع "تقارب" الإطار الرسمي لعمل الوكالة بالشراكة مع حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، والمعترف بها دولياً، ووفقاً للوكالة، فإن المشروع دشن بشراكة مع وزارة الحكم المحلي، بهدف "تعزيز وحدة الدولة الليبية من خلال تمكين البلديات من تقديم خدمات محلية أفضل بمساهمة مجتمعية". ويتزامن مع المشروع العديد من المشروعات المتوازية متعددة المسارات التي تركز على دعم قضايا البيئة والعمل، وتقديم الحلول للمشكلات القائمة، وتحسين حياة السكان، والدعم المؤسسي والاتصال، وقضايا دعم الطفل والمرأة، ودعم المؤسسات الصحية من خلال رفع الكفاءات التقنية في المستشفيات، ودعم قطاع التعليم عبر تزويد المدارس بالمعدات اللازمة، وغيرها من المشروعات.
ولا تعلن الوكالة حجم تمويلها للمشاريع التنموية في ليبيا، لكن نشراتها تضمنت إعلان أرقاماً تمثل تمويلاً لبعض تلك المشروعات، مثل تقديم 1,5 مليون دولار لدعم مشروع إزالة الألغام في مدينة سرت، ومساعدة أهل المدينة على استعادة الحياة فيها عقب طرد تنظيم داعش في عام 2016، وخلال جائحة كورونا، قدمت الوكالة دعما للمؤسسات الصحية في ليبيا بقيمة 20 مليون دولار، أكثرها في شكل دعم عيني وتجهيزات، كما أسهمت في الجهود الدولية للإغاثة في مدينة درنة عقب انهيار سد المدينة بقيمة مليون دولار.
ولاحقاً، أعلنت الوكالة تقديم تمويل إضافي بقيمة 11 مليون دولار للمساعدة في التغلب على تداعيات السيول التي ألمت بمناطق شرقي البلاد، وفي منتصف عام 2024 الماضي، عقدت شراكة مع وزارة الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية لتقديم دعم مالي بقيمة مليوني دولار للمشروعات الصغرى والمتوسطة تحت إشراف المصرف المركزي الليبي.
وفي عام 2018، رصدت الوكالة مبلغ 20 مليون دولار لدعم قطاع الطيران وأمن المطارات، ويعد هذا أكبر المبالغ التي أعلنت عنها، وشملت المبادرة جهود إعادة تأهيل مطار سبها (جنوب) بقيمة 4,5 ملايين دولار، بهدف تعزيز الاستقرار في الجنوب الليبي، وخلق المزيد من الفرص الاقتصادية، كما كشفت الوكالة عن مبادرات لتمويل أعمال وأشغال منظمات المجتمع المدني لدعم خدماتها في شكل منح بقيمة 25 ألف دولار لكل منها، وأخرى للمؤسسات العاملة في المجال الثقافي بقيمة 5 آلاف دولار.
وتتجه الوكالة في شراكتها مع المؤسسات الليبية إلى تقديم الدعم اللوجيستي في شكل تأهيل وتدريب للفرق الليبية العاملة، خاصة في البلديات من خلال مشروع "تقارب". يقول المسؤول بوزارة الحكم المحلي، نصر الدين الوحيشي، لـ"العربي الجديد"، إن "حضور الوكالة الواسع في أغلب المناطق الليبية تركز في مراحله الأولى على اتصالها بمؤسسات المجتمع المدني، ما شكل لها شبكة من علاقات العمل، وسمح لها بترقية أعمالها إلى مستوى التعامل مع المؤسسات الحكومية. خلال بضعة سنوات، كان النشطاء في الجمعيات والمؤسسات المدنية يتلقون تدريباً كي تنضج مبادراتهم وأفكارهم، بعد اختيارهم من خلال مسابقات كانت تنظمها الوكالة في أغلب المجالات".
يتابع الوحيشي: "في مرحلة لاحقة، انتقلت الوكالة إلى عقد شراكات مع الجهات الحكومية في طرابلس، وكان أكبر مشروعاتها يدعم البلدات في مجال الخدمات، وتلقى عدد من موظفي البلديات تدريباً في مجال التواصل مع مؤسسات الدولة، ومع الرأي العام، وفي مجال الاستجابة للطوارئ، والتعامل مع مخاطر التغير المناخي، إضافة إلى رفع الكفاءة في ملف البيئة، إذ زودت الوكالة أكثر من بلدية بآليات لجمع النفايات، وأطلقت برامج تدريب على خطط جمع النفايات وتدويرها، وكذلك خططاً للحد من الآثار الكيميائية السامة للبلاستيك المستخدم على نطاق واسع. نتحسب لتوقف عدد من هذه المشروعات مع إغلاق الوكالة، فبعضها لم يكتمل إنجازه".
ويتحدث المسؤول الليبي عن مشروعات بدأت بالشراكة مع الوكالة، من بينها التخطيط لصيانة شبكات الصرف الصحي في المناطق المتضررة، ومشروع لإنهاء أزمة مياه الشرب، ومشروع للتخلص من المخلفات وإعادة التدوير، مؤكداً أن "انسحاب الوكالة سيؤثر على العديد من المشروعات، وستتأخر عملية إعادة تفعيلها لأسباب منها البحث عن شريك بديل، وإعادة التخطيط، أو وضع برامج عمل جديدة مع الشركاء الجدد".
ويؤكد الوحيشي أن "ليبيا بلد غني بالموارد المالية التي يمكن أن تعوض غياب الوكالة الأميركية للتنمية، لكن الأثر السلبي يتمحور حول تأثر البرامج والخطط التي بدأت بالفعل، ووصل بعضها إلى مراحل متقدمة من الإنجاز، وهناك مؤسسات ليبية مختلفة يحتاج نطاق أعمالها لمشروعات الوكالة".
وتلقى العديد من نشطاء العمل الأهلي دورات تدريبة لدعم قدرتهم على التخطيط وتنظيم العمل، وبناء الخطط والخرائط، وإطلاق الاستطلاعات لرصد الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، والأكثر حاجة للدعم، ودعم ذوي الإعاقة، أو ذوي الدخل المحدود.
ويرى الناشط الإغاثي أنور الزوي أن قرار انسحاب الوكالة الأميركية للتنمية سيؤثر على الثقة بالشراكة مع المؤسسات الدولية. ويوضح أن "غلق الوكالة وتوقف أنشطتها في ليبيا سيؤثران على اللاجئين السودانيين الذين يتركز أغلبهم في مدينة الكفرة (جنوب شرق)، والذين أعلنت الوكالة في سبتمبر/ أيلول الماضي تقديم مساعدات بقيمة خمسة ملايين دولار لهم، ثم أعلنت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تقديم مساعدات إضافية بقيمة 3,25 ملايين دولار. هؤلاء اللاجئون سيتأثرون بتوقف هذه المساعدات".
وتقدر الأمم المتحدة أعداد اللاجئين السودانيين إلى ليبيا فراراً من الحرب الدائرة في بلادهم بأكثر من 100 ألف لاجئ، وتوضح أن الدعم المالي الذي قدمته الوكالة الأميركية ساعد في تسليم أكثر من 1897 طن متري من الغذاء لهؤلاء اللاجئين خلال النصف الأخير من عام 2024 الماضي، لاسيما الأغذية الخاصة بالفئات الضعيفة كالأطفال والمسنين والأمهات والحوامل.
ويؤكد أنور الزوي رصده لوصول ذلك الدعم لأعداد كبيرة من اللاجئين القاطنين في مناطق الكفرة، مشيراً إلى أن "الأمم المتحدة نسقت التوزيع مع جمعيات ونشطاء في المدينة، وكان من المقرر زيادة كميات الدعم وتنويعها، والتفكير في تكثيف نقل صورة المعاناة للفت انتباه المنظمات الدولية، لكن كل ذلك سيتأثر بقرار إغلاق الوكالة".
بدوره، يتحدث سراج السنوسي، رئيس شبكة وسطاء ليبيا، وهي أحد شركاء الوكالة الأميركية للتنمية، عن مشروع آخر تقف الوكالة وراء دعمه، وصار في مهب الرياح مع توقف أعمال الوكالة. موضحاً لـ"العربي الجديد": "لدينا شراكة مع الرابطة الأميركية للمحامين في مجال بناء السلام والوساطة والمصالحة، وتمكنا في 15 مارس/آذار 2022، من توقيع اتفاق سلام في الجنوب الليبي، بدعم من الوكالة قدره أكثر من 50 ألف دولار، وشاهدنا بعده تحسناً ملحوظاً، فقد بدأت العديد من الأسر النازحة بالرجوع إلى منازلها".
يتابع: "كان من المقرر أن نستأنف العمل لتوقيع ميثاق سلام في حوض مرزق، ومشروع آخر لخلق قيادات نسائية لفائدة عمليات النزوح. لكن للأسف تعطل المشروع مع إغلاق الوكالة، والذي ستكون له آثار سلبية على ليبيا التي تعيش في وضع استثنائي".