استمع إلى الملخص
- بعض الخبراء يرون القرار فرصة للتحرر من ضغوط الوكالة، بينما يعتبره آخرون خطوة تضر بمصالح الولايات المتحدة، مشددين على دور رجال الأعمال في دعم المتضررين.
- القرار يمثل تحدياً قانونياً لمصر، حيث يحد من النفوذ الأميركي، مع تأكيد الخبراء على إمكانية تعويض الفوائد الاقتصادية ببدائل محلية وإقليمية.
يهدد تجميد عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في مصر مستقبل طلاب يعتمدون على مِنَحِها للدراسة، وآلاف الموظفين الذين خسروا أعمالهم، فيما يطالب البعض بإيجاد بدائل
أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجميد عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، لمدة 90 يوماً، جدالاً وأزمة في مصر، إذ تُقدّر ميزانية الوكالة في مصر بحوالي 300 مليون دولار سنوياً، تنفق على منح دراسية في الجامعة الأميركية والجامعات الحكومية والخاصة، وبرامج لدعم صحة المرأة، والمرأة المعيلة، وتطوير البنية التحتية والمياه والصرف الصحي، ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى دعم مشاريع صغيرة وغير ذلك.
ورغم اعتبار متابعين القرار كارثة على عمل المنظمات المدعومة من الوكالة، يرى آخرون في الأزمة فرصة للتحرر من ضغوط الوكالة وشروطها المقيدة.
أوّل المتأثرين بالقرار هم طلاب مصريون حاصلون على منح للدراسة في الجامعة الأميركية في القاهرة، والجامعات الخاصة والحكومية، ما يعرّض مستقبل المئات منهم للخطر. أمر دفع الجامعات إلى مطالبة الطلاب بالبحث عن تمويل بديل أو تحمل نفقات الدراسة. ورغم إعلان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية التكفّل بنفقات هؤلاء الطلاب حتى نهاية الفصل الدراسي الثاني، وتوفير منح بديلة في الجامعات الألمانية والكندية والبريطانية بالقاهرة، وفقاً لتصريحات الوزير أيمن عاشور، أثار القرار تساؤلات حول مصير هؤلاء الطلاب بعد نهاية الفصل الدراسي الثاني، وخصوصاً أن الحلول المقترحة لم تشمل جميع الطلاب الحاصلين على منح أميركية، والذين يُقدّر عددهم بالمئات.
وتعهّد المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، عادل عبد الغفار، بالبحث عن حلول لهذه الأزمة، مشيراً إلى أن الطلاب المتضررين، والبالغ عددهم 56، سيحصلون على رسائل عبر البريد الإلكتروني لإبلاغهم بالمنح البديلة المتاحة لهم في الجامعات الأخرى.
ويوضح في بيان للوزارة أن الأخيرة ستعمل أيضاً على توفير منح بديلة للطلاب الملتحقين حالياً بالبرامج التأهيلية استعداداً للقبول في الجامعة الأميركية العام المقبل، والبالغ عددهم 66 طالباً، في حال رغبوا في الحصول على منح أخرى مع بداية العام الدراسي الجديد.
ولم تقتصر الجهود على الجهات الحكومية؛ فقد دخل عدد من رجال الأعمال المصريين على خط الأزمة. وأعلن رجل الأعمال أحمد طارق عن تبنّي عدد من الطلاب المتضررين من وقف منح الوكالة، مؤكداً دعمه الكامل لهم لاستكمال مسيرتهم التعليمية حفاظاً على مستقبلهم. كما تعهّد في تصريحات صحافية بتحمّل تكاليف عدد من الطلاب المتأثرين لضمان استمرارهم في الجامعات الخاصة، إلى جانب توفير فرص تدريب في مشاريعه، مع إمكانية توفير وظائف مستقبلية لهم بعد التخرج. ويشير طارق إلى أهمية المسؤولية المجتمعية في دعم التعليم، مؤكداً ضرورة عدم التخلّي عن الطلاب بسبب أزمات خارجة عن إرادتهم.
ولم تقتصر تبعات القرار على الطلاب، بل شملت نحو 25 ألف موظف مصري يعملون في المؤسسات والمشاريع التي تموّلها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وقد فقد غالبيتهم وظائفهم نتيجة القرار.
تساؤلات حول التداعيات
أثار قرار ترامب تساؤلات واسعة في الأوساط المصرية حول تداعياته، ومدى قدرة الهيئات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني ورجال الأعمال والمستثمرين على تقديم بدائل حقيقية لآلاف المصريين المتضررين، سواء من الطلاب أو الموظفين الذين كانوا يعتمدون على المشاريع الممولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ومع استمرار تأثير القرار، يبقى السؤال: هل تستطيع مصر إيجاد حلول جذرية ومستدامة لمواجهة هذا التحدي الكبير؟
يرى أستاذ الاقتصاد السياسي عبد النبي عبد المطلب أن القرار أضرّ بمصالح الولايات المتحدة في العالم باعتباره خطوة نحو تجفيف منابع القوة الناعمة الأميركية. يضيف أن القرار يأتي في إطار سعي ترامب إلى فرض نوع من العزلة على أميركا، كما كان الحال قبل الحرب العالمية الأولى.
ويوضح عبد المطلب أن هذا القرار غير مدروس وعديم الجدوى، نظراً إلى أن إجمالي الإنفاق الأميركي على برامج الوكالة في معظم دول العالم لا يتجاوز 100 مليار دولار، ما يمثل أقل من 0.3% من الميزانية الفيدرالية، ويجعل تأثيره على الأزمة المالية الأميركية محدوداً. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "أضر القرار بآلاف المصريين، وعلى رأسهم الطلاب في الجامعة الأميركية في القاهرة، والجامعات الحكومية والخاصة، بالإضافة إلى عشرات المؤسسات المجتمعية والتنموية".
ويشدد على الدور المركزي الذي يجب أن يلعبه رجال الأعمال المصريون والمستثمرون في مواجهة هذه الأزمة، إلى جانب المؤسسات المصرية العاملة في الخارج، من خلال تخصيص جزء من أرباحها لدعم مشاريع غير ربحية داخل مصر، من أجل إنقاذ مستقبل مئات الطلاب الحاصلين على منح دراسية من الوكالة، ومنع استغلال هذه المنح كوسيلة للضغط على مصر للحصول على تنازلات سياسية في ملفات حساسة.
ويؤكد أن التعويل على الدور الحكومي فقط في مواجهة تداعيات القرار غير كافٍ، مشيراً إلى ضرورة أن يتحمل القطاع الخاص ورجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني مسؤولياتهم لدعم المتضررين، تجنباً لانعكاسات القرار على آلاف الطلاب المصريين، بالإضافة إلى المؤسسات والمشاريع التي كانت تعمل بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
البُعد القانوني للقرار
من جهته، يرى الحقوقي عصام الإسلامبولي أن الولايات المتحدة تعد المتضرر الأول من هذا القرار لسببين رئيسيين؛ الأول هو فقدان النفوذ والتأثير، إذ إن القرار يحدّ من قدرة واشنطن على التدخل في شؤون الدول الأخرى، ومنها مصر، ويفقدها فرصة تشكيل كوادر تخدم المصالح الأميركية في مختلف المجالات. ورغم تضرر آلاف المصريين، إلا أنه يصب في مصلحة الأمن القومي المصري في المقام الأول.
أما السبب الثاني فهو الفائدة الاقتصادية المحدودة لمصر. فرغم أن الوكالة تمول مشاريع مختلفة، إلا أن واشنطن هي المستفيد الأكبر منها. ومعظم الأموال المخصصة لهذه البرامج تذهب إلى أميركيين يقدمون استشارات للمؤسسات الرسمية المصرية. كما يخصص جزء كبير منها لتمويل استيراد سلع وبضائع وأدوية أميركية، ما يجعل الفوائد الفعلية لمصر محدودة ويمكن تعويضها ببدائل محلية أو إقليمية.
ويشير الإسلامبولي إلى أن التعامل مع قرار ترامب يمثل تحدياً كبيراً لمؤسسات الدولة المصرية، سواء الرسمية أو الأهلية، ولمجتمع رجال الأعمال. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن التداعيات السياسية للقرار واضحة، إذ إن الهدف من القرار هو الضغط على مصر للتماهي مع مشروع ترامب لإعادة توطين سكان غزة داخل الأراضي المصرية.
ويشدد على أهمية توجيه رجال الأعمال جزءاً كبيراً من أرباحهم لإنقاذ مستقبل مئات الطلاب المتضررين من وقف المنح الأميركية، ودعم المشاريع التنموية التي توقف تمويلها، بدلاً من إنفاق هذه الأموال على مشاريع دعائية لا تحقق فوائد حقيقية للمجتمع.
أما مدير مركز الشروق لخدمات الجمعيات الأهلية، حسين جبريل، فقد بدا متشائماً حيال قدرة مؤسسات المجتمع المدني على مواجهة تداعيات قرار تجميد عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ويوضح أنه لم يلمس أي تحرك جاد من الجمعيات الأهلية أو مؤسسات المجتمع المدني لدعم المتضررين من القرار، مشيراً في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى وجود أزمة تمويل حادة تعاني منها مؤسسات المجتمع المدني في مصر، والتي يزيد عددها عن 50 ألف جمعية، ما يجعلها غير قادرة على توفير بدائل تمويل تعوّض توقف مشاريع الوكالة الأميركية.
ويؤكد أن التعويل في الوقت الراهن ينصب فقط على دور الدولة في دعم المتضررين من القرار، نظراً إلى كونه يمسّ آلاف المصريين العاملين في المشاريع التي تموّلها الوكالة.
ورغم هذا التشاؤم، يشدد جبريل على ضرورة تدخل رجال الأعمال الكبار لتمويل المشاريع التنموية التي تأثرت، مثل برامج الصحة الإنجابية، وتمكين المرأة، ودعم المؤسسات الاجتماعية والتعليمية. ويؤكد أن الدولة، في ظلّ أزمة الدولار الحالية، لن تكون قادرة وحدها على مواجهة تداعيات هذا القرار، ما يستدعي تضافر جهود القطاع الخاص والمجتمع المدني لتقليل الخسائر وضمان استمرار هذه المشروعات الحيوية.