استمع إلى الملخص
- يطالب الناشطون والمنظمات غير الحكومية بتوفير حطب بأسعار معقولة، تخفيض تسعيرة الكهرباء، وتقديم دعم للغاز ووسائل التدفئة الصديقة للبيئة، بالإضافة إلى إعفاء أو تخفيض فواتير الكهرباء.
- "المخطط الوطني للتخفيف من آثار موجة البرد" يشمل توزيع حطب التدفئة والفحم الحجري والأفران المحسنة، وتوفير المؤن الغذائية والأغطية لحماية الفئات الأكثر ضعفاً.
مع اشتداد موجات البرد في المغرب، تزداد معاناة الأسر المقيمة في المناطق الجبلية من جراء صعوبات الشتاء التي تلقي بظلالها على حياتهم، ومن ذلك الحاجة الماسة إلى حطب التدفئة، والذي يتحول في هذه الفترة من السنة إلى مادة لا غنى عنها، وترتفع أسعاره نتيجة زيادة الطلب عليه وندرة المصادر المحلية للأخشاب.
واشتكت العديد من الأسر المقيمة في الجبال من اضطرارها إلى تخصيص جزء كبير من دخلها المحدود لتغطية تكاليف التدفئة مع ارتفاع أسعار الحطب. يقول علي وسعيد، المقيم في دوار "أنفكو" بمنطقة ميدلت الواقعة بين ثنايا جبال الأطلس المتوسط لـ"العربي الجديد": "حاجتنا إلى حطب التدفئة حالياً تماثل حاجتنا إلى الأكل والشرب، ومع حلول الشتاء يصبح توفير الحطب أهم من توفير الخبز".
يضيف وسعيد: "برودة المنطقة وقسوة الظروف الطبيعية تزيد من معاناة السكان، خصوصاً مع ارتفاع أسعار حطب التدفئة، علماً أن غالبية أهل المنطقة من الفقراء ومحدودي الدخل. تستهلك عائلتي خلال فصل الشتاء ما يناهز قنطاراً ونصف القنطار من حطب التدفئة في الأسبوع، ويتراوح المبلغ الإجمالي الذي يستنزفه الحطب من مصروف العائلة ما بين 3500 إلى 4000 درهم (300 إلى 400 دولار)، وهو مبلغ لا طاقة لكثيرين بتوفيره".
تصل درجات الحرارة في جبال الأطلس إلى 13 درجة تحت الصفر
من جهته، يصف المنسق الوطني للائتلاف المدني من أجل الجبل (غير حكومي)، محمد الديش، أوضاع سكان المناطق الجبلية بأنها "وضعية معاناة وفقر وتهميش على مدار السنة"، مشيراً إلى أن "تلك المعاناة تتزايد في فصل الشتاء، إذ يواجهون إكراهات متمثلة في توفير الحطب".
ويوضح الديش لـ"العربي الجديد"، أن "توفير حطب التدفئة يشكل عبئاً كبيراً من حيث النفقات اليومية على الأسر في المناطق الجبلية التي تضطر إلى تقليص تكاليف التغذية من أجل اقتناء الحطب الذي يعرف سعره ارتفاعاً كبيراً بالنظر إلى ندرة موارد الغابات، وارتفاع الطلب في فصل الشتاء، إذ تصل درجة الحرارة في بعض المناطق إلى 13 درجة تحت الصفر".
ويضيف: "العديد من الأسر لا تستطيع تحمل كلفة حطب التدفئة، ما يقتضي اتخاذ إجراءات للحفاظ على صحة وسلامة سكان المناطق الجبلية، وكذا المرافق العمومية، خاصة المدارس والمستوصفات الطبية، فالأوضاع في تلك المناطق تستلزم إجراءات خاصة تلائم طبيعتها، وأن تكون دائمة لا ذات طبيعة موسمية. أسعار حطب التدفئة آخذة في الارتفاع، إذ يبلغ سعر الطن الواحد ما بين 1000 و1500 درهم، وتحتاج الأسرة خلال أشهر الشتاء الأربعة في المتوسط إلى 4 أو خمسة أطنان، ما يجعل المصاريف تلتهم ميزانية قوتها اليومي".
ويشدد الديش على ضرورة توفير الحطب الكافي في المناطق الباردة، والحرص على عدم توجيه الحطب المنتج فيها إلى مناطق أخرى، وتوفير تسعيرة منخفضة للكهرباء خلال فصل الشتاء، وكذا توفير دعم للغاز وغيره من آليات التدفئة الصديقة للبيئة كي يقتصد الناس في استهلاك الحطب، ما يؤدي إلى حماية الغطاء الغابوي.
ويقول إنه "بالنظر إلى غلاء أسعار الحطب سنوياً، واعتباراً لحق سكان المناطق الجبلية في الحصول على التدفئة اللازمة، 18 درجة على الأقل، فإن الائتلاف دائماً يؤيد إعفاء سكان المناطق الجبلية من فواتير الكهرباء، أو تخفيض التسعيرة لهم لمدة ثلاثة أشهر على الأقل خلال فصل الشتاء، مع ضرورة توفير الخدمات الأساسية، من صحة وتعليم، وغيرها من سبل العيش الكريم للسكان من خلال اتباع سياسة عمومية ملائمة ومنصفة توفر الموارد المادية وغير المادية لتلك المناطق".
من جانبه، يؤكد رئيس الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب (غير حكومية)، عبد الواحد الزيات، أنه رغم الجهود المبذولة من السلطات المغربية لتوفير الدعم اللازم لسكان المناطق الجبلية، إلا أن مشكلة التدفئة تظل تحدياً كبيراً ينبغي التفاعل معه عبر إجراءات فعالة. ويوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "مع ارتفاع السعر وندرة الحطب في بعض المناطق، ورغم توزيعه على بعض المناطق المتضررة من البرد، إلا أن السكان يجدون أنفسهم مضطرين للبحث عن الحلول البديلة، والتي قد تعرضهم للمخاطر أو تزيد معاناتهم القائمة".
ويضيف الناشط المدني أن هذا الوضع يقتضي من الحكومة والبرلمان إيجاد حلول جذرية، من بينها دراسة الإعفاء الكامل من فواتير الكهرباء خلال فصل الشتاء، مشيراً إلى أن "هذا القرار يمكن أن يسهم بشكل كبير في تخفيف العبء المادي على الأسر، وتمكينهم من استخدام الكهرباء في التدفئة، كما يمكن لمجالس الجهة ذات النفوذ الترابي في هذه المناطق أو الجماعات (البلديات) تغطية مصاريف الكهرباء خلال فصل الشتاء، بهدف مساعدة السكان على تجاوز فترات البرد القارس".
يتابع الزيات: "يمكن أيضاً توفير أجهزة تدفئة كهربائية، وتوزيعها بالمجان على الأسر الأكثر احتياجاً، خاصة أن الحكومة لديها المعطيات الكاملة عن الأوضاع الاجتماعية لسكان هذه المناطق، ما يسهم في إرساء إجراءات آمنة وفعالة توفر التدفئة".
وتشير حصيلة رسمية بشأن التدخلات التي تم إنجازها خلال الموسم الشتوي الماضي (2023- 2024) في سياق ما يعرف في المغرب بـ"المخطط الوطني للتخفيف من آثار موجة البرد"، إلى استفادة السكان إضافة إلى المؤسسات المدرسية والصحية من توزيع 1700 طن من حطب التدفئة، و362 طناً من الفحم الحجري، و1672 وحدة من الأفران المحسنة.
ويتضمن هذا المخطط الوطني تدابير وإجراءات من قبيل تتبع حالة النساء الحوامل القاطنات بالدواوير التي يمكن أن تتعرض للعزلة، وتوفير الأغطية لمساكن الطلاب، وإيواء الأشخاص الذين لا يملكون المأوى في أماكن آمنة، وإعداد برنامج لتوزيع المؤن الغذائية والأغطية على الأسر الموجودة في الدواوير والمناطق المهددة بالعزلة، والمعرضة لأضرار برودة الطقس خلال فصل الشتاء، وتوزيع العلف المدعم على مربي الماشية بهذه المناطق، فضلاً عن توزيع حطب التدفئة والأفران على السكان، وعلى المؤسسات التعليمية والمراكز الصحية ودور الأمومة الواقعة في المناطق المستهدفة، وفك العزلة عن الدواوير المعزولة، وتأمين الوصول إليها.
ويستهدف "المخطط الوطني للتخفيف من آثار موجة البرد" في الموسم الحالي عدداً إجمالياً يقدر بـ872 ألف نسمة، يتوزع على نحو 1000 أسرة تقطن بـ2014 دولاراً تابعة لـ241 جماعة ترابية على مستوى 28 إقليماً.