سوريون في الأردن... الفقر والخوف يمنعان من العودة إلى البلاد

07 مارس 2025
لاجئون سوريون في مخيم الزعتري، الأردن، 13 يناير 2025 (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعيش اللاجئون السوريون في الأردن في ظروف صعبة، حيث يواجهون تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، مع قلة المساعدات وارتفاع نسبة الفقر، مما يؤثر على قدرتهم في تأمين احتياجاتهم اليومية وتعليم أبنائهم.

- نسبة عودة اللاجئين السوريين من الأردن إلى سوريا محدودة بسبب المخاوف من عدم الاستقرار وانعدام المقومات الحياتية، وارتفاع تكاليف العودة يشكل عائقاً إضافياً.

- تعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة الأردنية على تسهيل العودة الطوعية، بتقديم الدعم والمشورة، رغم عدم الترويج للعودة على نطاق واسع بسبب التحديات المستمرة في سوريا.

رغم صعوبة اللجوء في مخيمات الأردن بالنسبة للسوريين، يبقى قرار العودة صعباً لدى عائلات كثيرة خشية انعدام الاستقرار، عدا عن غياب المقومات الحياتية وتهدم منازلهم

لا تزال نسبة عودة اللاجئين السوريين في الأردن إلى بلادهم محدودة نسبياً، رغم سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي. شوقهم إلى العودة لا يُزيل المخاوف من احتمال الانتقال من معاناة اللجوء إلى معاناة أكثر شدة. لذلك، يفضلون الانتظار ريثما تستقر الأوضاع، ويعاد بناء منازلهم المدمرة التي لم تعد صالحة للسكن، والاطمئنان على مستقبل أبنائهم في المدارس والجامعات. يخشون العودة إلى سورية والاضطرار إلى تسوّل الطعام والشراب، والنوم في العراء. 

ويستضيف الأردن قرابة 1.3 مليون سوري، نصفهم يحملون صفة لاجئ ومسجلون لدى المفوضية. أما البقية، فقد دخلوا البلاد قبل بدء الثورة عام 2011، بحكم النسب والمصاهرة والتجارة والعمل.

ولخّص وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، موقف بلاده الرسمي والمعلن حول عودة اللاجئين السوريين، في تصريح صحافي يوم 14 يناير/كانون الثاني، قائلاً إن الأردن استضاف نحو مليون و300 ألف سوري، 10% فقط منهم في مخيمات اللجوء. ويشير إلى أن موقف الأردن لا يزال واضحاً، ومفاده بأن حل قضية اللاجئين تكمن في عودتهم الطوعية الآمنة إلى بلدهم، وسيستمر الأردن في تقديم كل ما يستطيع من مساعدات وجهود حتى يحظى السوريون بالعيش الكريم الذي يستحقون طالما هم في الأردن، وإلى حين عودتهم إلى وطنهم ومساهمتهم في إعادة بنائه.

وفي أعقاب سقوط الأسد، أعلنت السلطات الأردنية أنها اتخذت الإجراءات اللازمة كلها لتسهيل وتسريع عودة اللاجئين السوريين الطوعية إلى بلادهم. ويقيم اللاجئون السوريون في مخيمات، أكبرها مخيم الزعتري في مدينة المفرق شمالي الأردن، ومخيم الأزرق في محافظة الزرقاء وسط البلاد، فيما تتوزع البقية على مختلف محافظات المملكة، لكنهم يتركزون بشكل أكبر في محافظتي المفرق وإربد شمالاً، ومحافظتي العاصمة عمان والزرقاء في الوسط.

وأعلن وزير الداخلية الأردنية مازن الفراية في الثالث من مارس/آذار الجاري أن عدد السوريين الذين عادوا طوعاً إلى بلادهم بلغ أكثر من 44 ألف شخص، وذلك عقب سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي.

وبحسب بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عاد ما يقارب من 43.704 لاجئين سوريين إلى وطنهم طوعاً خلال الفترة ما بين 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 و22  فبراير/شباط 2025. ووفقاً للمفوضية، فإنّ غالبية العائدين كانوا يقيمون في المناطق الحضرية بنسبة 84%، بينما عاش 16% منهم في المخيمات قبل العودة إلى سورية.

يقول الناطق باسم المفوضية في الأردن، رولاند شونباور، لـ"العربي الجديد"،إن المفوضية والحكومة الأردنية تتفقان على أنه يحق للجميع العودة إلى وطنهم، وأن العودة يجب أن تكون طوعية.

وتؤكد المفوضية استعدادها لدعم اللاجئين السوريين الذين يختارون العودة طوعاً بعد تقديم المشورة من المفوضية، ليكونوا على علم بالأوضاع في المناطق التي ينوون العودة إليها. ونظراً للتحديات العديدة التي تواجه سكان سورية، فإن المفوضية لا تروج في الوقت الحالي للعودة الطوعية إلى سورية على نطاق واسع. ويوضح شونباور أن المفوضية تقدم المعلومات والمشورة للاجئين السوريين الذين يرغبون في العودة طوعاً، وتزودهم بمعلومات حول مواضيع مختلفة مرتبطة بالعودة، من ضمنها التوثيق.

وبحسب شونباور، وسعت المفوضية نطاق المساعدة لتشمل توفير النقل بالحافلات والدعم اللوجستي. وتقوم المفوضية في المرحلة الأولى وهي مرحلة تجريبية، بنقل اللاجئين الراغبين في العودة الطوعية إلى سورية من الأردن بالحافلات. وخلال هذه المرحلة، تتواصل مباشرة مع عدد محدود من اللاجئين الذين أعربوا سابقاً عن اهتمامهم بالعودة، وتسألهم عن رغبتهم بالحصول على دعم للنقل في حال عدم قدرتهم على دفع تكاليفه. وبناءً على المرحلة الثانية، وهي مرحلة التقييم، سيتم التخطيط للمرحلة الثالثة التي تتضمن توسيع الدعم للنقل بالحافلات خلال الأسابيع المقبلة.

في السياق، يقول اللاجئ السوري محمد أبو عبدو، القاطن في مخيم الزعتري، لـ"العربي الجديد"، إن العودة إلى بلاده مسألة وقت لا أكثر، وتحتاج إلى ترتيبات بسيطة. حياة اللجوء في المخيم قاسية، فالكرفانات أصبحت قديمة، فيما قلصت المساعدات النقدية والعينية، وأصبح العمل صعباً جداً في ظل الحملات التي تنفذها الحكومة الأردنية بحق غير الحاصلين على تصاريح عمل، علماً أن الحصول على تصريح يحتاج إلى مبلغ مالي كبير يصل إلى 500 دينار أردني (نحو 700 دولار).

قاسية حياة اللجوء في مخيم الزعتري، 18 أكتوبر 2022 (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
قاسية حياة اللجوء في مخيم الزعتري، 18 أكتوبر 2022 (خليل مزرعاوي/فرانس برس)

ويرى أن الحياة في ظل الاستقرار الأمني في سورية ستكون جيدة، خصوصاً أن للعائلة أملاكاً في ريف دمشق. في الوقت نفسه، ينتقد الكلفة العالية للعودة إلى البلاد، موضحاً أن هناك حالة من الاستغلال، إذ تصل كلفة نقل أثاث بسيط إلى 600 دولار، فيما يعاني اللاجئون جراء تراكم الديون وعدم القدرة على الإنفاق على احتياجاتهم اليومية. ويُطالب المفوضية والإدارة السورية بمنح الراغبين بالعودة مبالغ مالية تمكنهم من الرجوع إلى بلادهم، وتوفر لهم احتياجاتهم الغذائية لشهرين أو ثلاثة على الأقل.

بدوره، يقول اللاجئ هشام الغوثاني من مخيم الزعتري، لـ"العربي الجديد"، إن "كل إنسان يتمنى ويرغب في العودة إلى وطنه مهما طالت الغربة. لكن هناك عوائق أحياناً". ويوضح أن مسكنه في محافظة درعا دمر بالكامل، ولم يعد قادراً على إصلاحه أو ترميمه أو البناء من جديد. يضيف: "الأمر المهم الآخر هو أبناؤنا الطلاب في الجامعات والمدارس في كل المراحل"، مشيراً إلى أن لديه ابنتين في الجامعة، تدرس إحداهما الصيدلة. ويقول إن الأوضاع صعبة إلى درجة بات عاجزاً عن تسديد الأقساط الجامعية. في الوقت نفسه، لا يستطيع العودة من دون أن تنهيا دراستيهما الجامعية. 

يتابع أنه "ما من استقرار يحثني على العودة، لناحية المقومات المعيشية وفرص الحصول على عمل"، موضحاً أن غالبية اللاجئين لا يستطيعون المغامرة بالعودة قبل أن تتضح الأمور. ويرى أن الأوضاع في الأردن ستكون صعبة على اللاجئين خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع رفع رسوم تصاريح العمل، مبيناً أنه عاطل عن العمل في الوقت الحالي، ولم يقدم على تصريح عمل. يضيف: "عمري 60 عاماً وأنا مهندس عملت لفترة قصيرة في إعطاء دروس تقوية للطلاب السوريين. كما أن أبنائي من دون عمل"، مشيراً إلى أن رفع رسوم تصاريح العمل دفع غالبية اللاجئين إلى عدم مغادرة المخيم.

العودة صعبة بالنسبة للبعض بسبب العام الدراسي، مخيم الزعتري، 17 أكتوبر 2022 (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
العودة صعبة بالنسبة للبعض بسبب العام الدراسي، مخيم الزعتري، 17 أكتوبر 2022 (خليل مزرعاوي/فرانس برس)

وبحسب الغوثاني، تحتاج العودة اللائقة إلى عوامل مساعدة. وهناك ديون متوجبة على العديد من السوريين وبالتالي لا يستطيعون المغادرة. وفي حال العودة إلى الوطن، يجب تأمين السكن، إذ إن الكثير من اللاجئين تهدمت بيوتهم. ويحتاج الراغب في العودة إلى مبلغ من المال لنقل حاجياته وأثاثه، مبيناً أنه ليس هناك أية حوافز حقيقة تدفع السورين لاتخاذ قرار سريع بالعودة.
ويقترح وضع خطة لنقل الكرفانات إلى سورية، مشيراً إلى أنهم يريدون فقط ما يحفظ كرامتهم. ويوضح أنه مع عودة اللاجئين، أصبح تأمين السكن أكثر صعوبة، مشيراً إلى أن عدد اللاجئين الذين غادروا مخيم الزعتري وتوجهوا إلى سورية قليل، خصوصاً من محافظة درعا، فيما عاد عدد أكبر من الغوطة وريف دمشق، والذين من الممكن أن يجدوا فرص عمل في قطاع الزراعة. 

أما اللاجئ السوري المقيم في مخيم الزعتري أبو الرائد، فيقول لـ"العربي الجديد" إن الجميع متحمس للعودة، لكن الظروف غير مؤاتية بعدما خسر كثيرون منازلهم. كما أن البعض لديه أطفال في المدارس يتابعون سنتهم الدراسية، وهناك من ليس لديه القدرة على العودة إلى سورية جراء الظروف الحالية وارتفاع الأسعار، خصوصاً أسعار المواد الغذائية. يضيف: "ليس لدي بيت في سورية ولا أملك المال لدفع أجرة العودة. العودة صعبة إذا لم تكن تملك شيئاً، مبلغاً من المال بالتحديد، ليعينك على الحياة لأشهر عدة، في ظل الاحتياجات اليومية الأساسية".

يضيف: "للأسف، من يريد العودة لن يجد أية مقومات للحياة فلا كهرباء ولا مدارس. أولادي الستة في المدارس"، مؤكداً أنه لا يمكنه العودة حالياً. وحول الأوضاع في المخيم، يقول إنها مقبولة رغم أنها أصبحت في الفترة الأخيرة أكثر صعوبة بسبب طلب إصدار تصاريح عمل. في السابق، كان هناك اعتماد على المساعدات التي تقدمها المفوضية، بالإضافة إلى عمل اللاجئين، داعياً المفوضية إلى العمل مع الحكومة الأردنية للعودة إلى الرسوم المخفضة للتصاريح لمدة سنة على الأقل، حتى يتمكنوا من العودة.

في هذا الإطار، يقول محمد نصار من درعا، لـ"العربي الجديد"، إنه وصل إلى الأردن قبل 13 عاماً تقريباً، ويفكر اليوم بالعودة إلى سورية إذا توفر المال. ويوضح أن "غالبية اللاجئين السوريين في الأردن بالكاد يؤمنون مصروف يومهم. كما أن الكثير من البيوت في سورية دمرت خلال الاحداث، ومنها بيوتنا. لا نستعجل العودة للإقامة في العراء"، متمنياً أن يكون هناك جهد من الإدارة السورية الجديدة والمنظمات الدولية لتوفير مساكن لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. ويوضح: "اليوم انتهى الهاجس الأمني والخوف من السجون. لكننا نحتاج إلى العودة والبدء من الصفر. صحيح أن المساعدات من المنظمات الدولية للاجئين أصبحت محدودة جداً، إلا أن الأوضاع في سورية لا تزال غير واضحة المعالم".

أما الشاب رائد العلي، الذي يعمل في محل لتصليح سيارات في محافظة البلقاء في الأردن، حيث لجأ عام 2013، فيقول: "لا يزال الخوف يسيطر على غالبية اللاجئين السوريين بشكل عام حيال اتخاذ قرار العودة إلى البلاد ليس بسبب الوضع الأمني فحسب، بل لأسباب معيشية أيضاً". ويوضح: "وصلت إلى الأردن مع عائلتي، واليوم أعيش حياة جديدة مع زوجتي وأطفالي. أخشى العودة حالياً وترك مصدر رزقي من دون أن أجد عملاً في سورية. أما في الأردن، فصرنا نخشى حملات التفتيش على العمالة". يتابع: "أحاول تأجيل العودة في هذا الوقت وادخار مبلغ بسيط يساعدني مستقبلاً". 

وتقول اللاجئة أم لؤي، وهي من سكان العاصمة عمان، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الأفضل تأجيل فكرة العودة إلى حلب". وتوضح: "قدمت إلى الأردن مع عائلي منذ 13 عاماً، بعدما كان زوجي يعمل في مجال الإنشاءات في الأردن. لكن خلال هذه الفترة، لم نستطع ادخار المال بسبب كلفة المعيشة المرتفعة خصوصاً بدل إيجار المنزل. أبناؤنا طلاب في المدارس والجامعات. ربما نعود في الصيف المقبل، فيما يبقى زوجي هنا لتأمين معيشتنا. لكننا متخوفون من ارتفاع الأسعار في سورية خلال الفترة المقبلة".

وكشفت دراسة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أصدرتها في يونيو/حزيران الماضي، عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لعام 2024، ارتفاع نسبة الفقر بين اللاجئين في المناطق الحضرية والمخيمات من 57% إلى 67% على مدى العامين الماضيين، والتي اتسمت أيضاً بالتحديات الاقتصادية للأردنيين الأكثر ضعفاً. وتصنف اثنتان من كل ثلاث أسر لاجئة على أنها فقيرة بناءً على تحليل البنك الدولي لبيانات المفوضية، وقد انخفض متوسط الدخل الشهري للاجئين بشكل كبير.

وأشارت الدراسة إلى انخفاض دخل السوريين في المجتمعات المحلية خلال العامين الماضيين بنسبة 12%، بينما كان الانخفاض أكبر في مخيمي الأزرق والزعتري. وتضاعف عدد الفتيات والفتيان اللاجئين العاملين ثلاث مرات ليصل إلى 11% منذ عام 2022، ما يقوّض قدرتهم على الذهاب إلى المدرسة.

المساهمون