سوريون في تركيا: العودة حتمية وننتظر فتح المعابر

09 ديسمبر 2024
سوريون يحتفلون في ساحة مسجد الفاتح، 8 ديسمبر 2024 (ياسين أكجول/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد سقوط نظام بشار الأسد، تغيرت مشاعر السوريين في تركيا، حيث يرغب الكثير منهم في العودة للمساهمة في إعادة الإعمار، مدفوعين بتشجيع الحكومة التركية على "العودة الطوعية" والشعارات العنصرية من المعارضة.
- العديد من السوريين يربطون العودة بانتهاء العام الدراسي أو استقرار الأوضاع الأمنية، بينما يواجه البعض صعوبة في العمل بشهاداتهم السورية، مما يدفعهم للعمل في مجالات أخرى.
- تردد بين السوريين الحاصلين على الجنسية التركية أو الوظائف الثابتة، بينما يستعد آخرون للعودة فوراً، مع تحديات تتعلق بتأهيل الجيل الجديد للعودة.

تبدّل مزاج الكثير من السوريين المقيمين في تركيا مع هروب بشار الأسد وسقوط نظامه، فجر الأحد، وبات كثيرون منهم راغبون في العودة إلى بلدهم على عكس السنوات الماضية، والتي شهدت مخطط "العودة الطوعية" الذي شجعت عليه الحكومة التركية، وسرعته الشعارات والسلوكات العنصرية التي رسَّختها أحزاب المعارضة خلال السنوات الأخيرة.
يقول الحقوقي السوري محروس فؤاد لـ"العربي الجديد": "بات للسوريين وطن محرر ينفي أي ذريعة لاستمرارهم لاجئين أو مغتربين، والجميع معني بالعودة للمساهمة في إعادة الإعمار. عصابة الأسد هدمت الإنسان، ودمرت العلاقات الاجتماعية، وزادت من أعداد الأميين ونسب الفقر والجريمة. بعد إعلان سقوط الأسد، توجهت أعداد كبيرة من السوريين إلى المعابر الحدودية، معلنين تسليم بطاقات الحماية المؤقتة (كيملك) للعودة إلى الداخل السوري، وأتوقع أن تتضح إجراءات العودة ويتم تنظيمها خلال اليومين المقبلين".
وتؤوي تركيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين، وتقدر الأعداد بنحو 3 ملايين سوري، والكثيرون حسموا قرارهم بالعودة، وإن ربط البعض توقيت العودة بانتهاء العام الدراسي، أو تصفية أعمالهم التجارية، أو استقرار الأوضاع الأمنية في سورية، خاصة أن سقوط النظام كان أسرع من كل التوقعات، وأسرع حتى من أحلام أكثر السوريين تفاؤلاً.
يقول السوري حسين برغوت لـ"العربي الجديد": "فور إعلان تحرر سراقب، بدأت لملمة أموري كي أعود إلى مسقط رأسه (أبو الظهور)، وسأعود فور انتهاء العام الدراسي وتصفية موجودات بيتي رغم أن وضعي في تركيا مريح، ودخلي معقول، وليس لدي أي مشكلة بوضعي القانوني. شهدت أوضاعنا بعض العنصرية خلال السنوات الأخيرة، لكن تركيا كانت بمثابة وطن ثان، ومنذ وصولنا لاجئينَ قبل ثمانية أعوام، لم نتعرض لمشاكل تذكر، بل منحت أمي المريضة الرعاية بالمشافي الحكومية، ويدرس ولديّ بالمجان".
بدورها، تقول المهندسة بتول أحمد لـ"العربي الجديد": "بمجرد أن توضح تركيا شكل الخروج القانوني للاجئين، سأعود من إسطنبول مع زوجي وأولادي للعيش في مدينة حلب. لم نقرر موعد العودة بعد، لكن خيار العودة محسوم بعد أن امتد اللجوء ست سنوات. في تركيا لا يمكنك العمل بشهادتك السورية، خاصة ضمن القطاعات التخصصية كالطب والهندسة، وتحتاج إلى معادلة الشهادات، ما دفعني إلى العمل بالتدريس عن بعد لمساعدة زوجي في النفقات التي تضاعفت خلال الأعوام الأخيرة".

فرحة سوريو تركيا لا توصف، 8 ديسمبر 2024 (ياسين أكجول/فرانس برس)
فرحة سوريو تركيا لا توصف، 8 ديسمبر 2024 (ياسين أكجول/فرانس برس)

في المقابل، ظهر التردد على البعض من حملة الجنسية التركية أو من يملكون عملاً ثابتاً، والذين ربطوا العودة باستقرار الأوضاع، وتوافر فرص العمل. يقول عمار المنحدر من مدينة حلب: "سورية تحتاج إلى وقت كي تستقر، وكي تتوفر فيها الخدمات وفرص العمل. أولادي الثلاثة يتعلمون بالمدارس التركية، ولغتهم العربية تراجعت، ولا يمكن أن أجازف بمستقبلهم".
من جهته، يؤكد السوري حامل الجنسية التركية أسامة إسماعيل لـ"العربي الجديد"، استعداده للعودة فوراً في حال لا توجد عوائق على الحدود، وأنه سينتقل إلى غازي عنتاب، ومنها إلى حلب. يضيف: سأذهب وحدي، وسيبقى أولادي في تركيا كي يستكملوا دراستهم بالمدارس والجامعات، وإن فتحت الجامعات التركية فروعاً في سورية سأنقلهم إليها، لكني في جميع الأحوال سأعود كي أقدم ما يمكنني من جهود في إعادة الإعمار".

سوريون يوزعون الحلوى في إسطنبول، 8 ديسمبر 2024 (ياسين أكجول/فرانس برس)
سوريون يوزعون الحلوى في إسطنبول، 8 ديسمبر 2024 (ياسين أكجول/فرانس برس)

ويرى الشاعر والإعلامي ياسر الأطرش أن "أمام السوريين مهامَّ جساماً بعد استعادة بلدهم، فنحن أمام بلد منهك البنية الاجتماعية، وفيه أجيال من المحاربين والأميين والأطفال الذين ولدوا وكبروا في مخيمات النزوح، ولا يعرفون معنى الوطن".
يضيف الأطرش لـ"العربي الجديد": "الناس يفكرون في العودة بخطط ذاتية، هي خطط العيش، وهذا منطقي وطبيعي، وتبقى المهمة الأكبر منوطة بالمشتغلين في الحقل العام، من مثقفين واقتصاديين وسياسيين ونخب، فعلى عاتق هؤلاء تقع مسؤولية تطبيب المجتمع والاشتغال على تعافيه. شخصياً، قررت العودة بعد تحقق شرطين هما من مسؤوليات الحكومة الانتقالية، أولهما الأمان المجتمعي وضبط فوضى السلاح، وثانيهما سيادة القانون، وإن جزئياً. بعدها تبدأ مهمة ترميم الهوية الوطنية وإعادة رسم محدداتها من خلال عمل ثقافي اجتماعي هادئ وعميق".
ويوضح: "ثمة تحديات أهمها يتعلق بالجيل الجديد الذي وُلد وكبر في المنافي، فهؤلاء أبناء المجتمعات التي ولدوا فيها، ثقافياً واجتماعياً، ولا بد للأهل من صرف جهد عظيم ليتقبلوا فكرة قبول العودة إلى وطن لا يعرفونه. أعددت ابنتي الوحيدة شام المجد (13 سنة) لهذا اليوم، بتعليمها اللغة العربية والإنكليزية، فاللغة حجاب، وعدم إتقانها يعني رفض العودة أو الخوف من الفشل في الحياة الجديدة. كما اصطحبتها في زيارات عديدة إلى السعودية وقطر ومصر، كي تتعرف إلى المجتمعات العربية وهويتها، وهذا يكسر حدة الغربة الثقافية والهوياتية التي يمكن أن يشعر بها طفل يجد نفسه فجأة في مجتمع لا يعرف شيئاً عن لغته أو تاريخه أو جغرافيته، سوى حكايات الآباء".

وحول آلية وشروط عودة اللاجئين السوريين من تركيا، يقول رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار بتركيا، غزوان قرنفل، إن "الآلية القانونية المتبعة لعودة اللاجئين المتعجلين هي أن يذهب الشخص إلى دائرة الهجرة، ويقول إنه يريد العودة طوعياً، فيتسلمون منه بطاقة الحماية (الكيملك)، وينظمون له ضبطاً بإقراره، ويعطونه إشعاراً يسمح له بالسفر عبر المعبر الحدودي. الظروف الاستثنائية الحالية تفرض تسهيلات من دائرة الهجرة، وتسريع منح إشعارات المغادرة لمن يريد العودة، وأقترح تخصيص معبر أو أكثر لاستيعاب أعداد السوريين الذين أتوقع أن يكون بعشرات الآلاف يومياً في الفترة الأولى".
بدوره، يقول مدير مخيم نيزب للاجئين السوريين سابقاً، التركي جلال ديمير، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار العودة الطوعية متاح لكل سوري يريد العودة إلى وطنه، وسيتم عبر مراكز العودة وفق موعد مسبق لتسليم بطاقة الكيملك، وأخذ إشعار يمكن من الذهاب إلى المعبر كي يتم إزالة ملفه لاجئاً، ويغادر تركيا".
وتوقع ديميريل أن تصدر إدارة الهجرة وولايات المدن القريبة من الحدود، تعليمات جديدة تتعلق بشروط العودة بما يتناسب مع زيادة أعداد العائدين، ويقول: "رغم فرحنا بسقوط النظام وحرية السوريين، لكننا حزينون على فراق إخوتنا السوريين، بعد 13 سنة من المودة والصداقة، لكننا نتمنى لهم ولسورية التطور والازدهار".
ويبلغ عدد السوريين في تركيا، وفق آخر تصريح لوزير الداخلية، علي يرلي قايا، 2 مليون و935 ألف شخص، وهو أول انخفاض إلى ما دون حاجز الثلاثة ملايين منذ بداية اللجوء السوري إلى تركيا. وأوضح يرلي كايا، أن هذا التراجع جاء بعد عمليات مكثفة للتحقق من عناوين الإقامة، والتي كشفت عن عدم تحديث عناوين 731 ألف سوري، منهم من هاجر من دون إلغاء وثيقته في تركيا، سواء حماية أو جنسية.

المساهمون