عين العوجا... تجفيف إسرائيلي ممنهج يهدد الزراعة والبادية

09 مايو 2025
مصادر مياه بديلة في ظل جفاف عين العوجا، 2 مايو 2025 (جون ويسيلز/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- جفاف عين العوجا في شمال أريحا تسبب في أزمة كبيرة، حيث أثر على أكثر من 160 عائلة بدوية وآلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، مما يهدد بكارثة بيئية واقتصادية.
- الأسباب المحتملة للجفاف تشمل تراجع موسم الأمطار وحفر آبار مياه إسرائيلية بطاقة عالية، مما أدى إلى استنزاف الحوض المائي، ويعكس محاولات لتهجير التجمعات البدوية.
- الجهود المبذولة تشمل إيجاد حلول مع السلطات المحلية، مثل استخدام آبار مالحة، وتوفير خط مياه من شركة مكاروت، وتطوير آبار جمع مياه الأمطار بالطاقة الشمسية.

أحدث جفاف عين العوجا المفاجئ في شمال مدينة أريحا شرقي الضفة الغربية المحتلة، صدمة كبيرة بين الأهالي، خصوصاً التجمعات البدوية التي تعتمد عليها في سقي المواشي وري المزروعات، فالعين التي تُعد شريان الحياة في المنطقة منذ عقود، توقفت عن الجريان بشكل تام منذ سنوات، ما أدى إلى تفاقم أزمة المياه في منطقة تمتد على 12 كيلومتراً.
ورغم أن تراجع موسم الأمطار خلال العامين الأخيرين يُعد أحد الأسباب المحتملة للجفاف، إلا أن السكان وممثلي البلديات والمؤسسات الزراعية يرجعون السبب الرئيسي إلى عمليات حفر وتشغيل آبار مياه إسرائيلية بطاقة عالية في السفوح الشرقية للضفة، ما أدى بحسبهم إلى استنزاف الحوض المائي المغذي للعين، وينذر الوضع بكارثة بيئية واقتصادية تهدد أكثر من 160 عائلة بدوية، وآلاف الدونمات من الأراضي المزروعة، والحياة البرية الممتدة حتى نهر الأردن.
وتعتمد عين العوجا على ما يسمى الجريان السطحي للمياه، وتغذيها السفوح الشرقية كمناطق شرق رام الله، بالتالي فهي تتأثر بنسبة الأمطار، لكنها أيضاً تتأثر في حال حصول عائق في المجرى تحت السطحي، وتشغيل آبار لسحب المياه من تحت الأرض بطاقات عالية. 
في بداية ثمانينيات القرن الماضي، اختارت عائلة عطا داود زايد نقل مكان سكنها إلى منطقة شلال العوجا شمال أريحا شرق الضفة الغربية المحتلة، إثر إقامة جيش الاحتلال معسكراً قرب التجمع الذي كانت تقطن فيه قرب عين الديوك. أحد أسباب اختيار منطقة شلال العوجا هو وفرة المياه اللازمة لتربية المواشي، مصدر الرزق الرئيسي للبدو، لكن بعد أكثر من أربعين عاماً، صار المكان بلا مياه بعدما جفت عين العوجا بشكل مفاجئ.

قرابة 120 عائلة فلسطينية تعيش قرب مسار شلال العوجا

يقول عطا لـ "العربي الجديد": "هذا الجفاف هو الأول منذ عام 2019، لكنه مختلف ولا يمكن حصر حدوثه فقط بالظروف الطبيعية وتراجع موسم الأمطار هذا العام". ويرى أنه "يرتبط بشكل مباشر بمحاولات المستوطنين تهجيرهم مرة أخرى، إضافة إلى قرابة 120 عائلة تعيش قرب مسار شلال العوجا".
ويتحدث رئيس بلدية العوجا، فخري نجوم، لـ "العربي الجديد"، عن سببين أديا إلى هذا الجفاف، وهما غياب موسم أمطار جيد على مدار عامين، ما أدى إلى تراجع تدريجي للمياه المتدفقة منذ ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى بناء آبار إسرائيلية على السلسلة الشرقية للضفة، ما يؤثر على مخزون المياه للحوض المائي الموجود بين جنوب نابلس وشمال وشرق رام الله، مشيراً إلى وجود سحب جائر من مياه هذا الحوض.
ويوافق مدير الزراعة في أريحا والأغوار أشرف بركات، على أنه لا يمكن تفسير الجفاف الحالي بالظروف الطبيعية وحدها، قائلاً لـ "العربي الجديد": "الجفاف الذي ضرب العين قبل عام 2019 لم يكن يؤدي إلى انقطاع كامل للمياه، بل كان يستمر جريان المياه في القنوات. كما أن تراجع المياه يكون تدريجياً ويظهر أثر الجفاف في أشهر يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول وليس بداية شهر مايو/أيار".

جفاف عين العوجا، 2 مايو 2025 (عصام ريماوي/الأناضول)
جفاف عين العوجا، 2 مايو 2025 (عصام ريماوي/الأناضول)

يتابع بركات: "عمد الاحتلال على مدار الأعوام السابقة إلى حفر آبار عدة، ويبدو أنه شغّلها بطاقات إنتاجية عالية أدت إلى تجفيف العين. أكثر من 160 عائلة بدوية حول عين العوجا وقرب قنوات شلال العوجا ستتأثر، إذ تسقي العين قرابة 20 ألف رأس من الماشية، فضلاً عن التأثير على الزراعة؛ فستة آلاف دونم من المساحات المزروعة من النخيل وقرابة 4 آلاف دونم مزروعة من الخضار المتنوعة تستفيد من مياه العوجا، والطيور ومختلف الأنواع البرية في المسار الممتد للمياه ستتأثر بهذا الجفاف، وصولاً إلى نهر الأردن شرقاً، حيث إن الفائض من المياه يصل إلى هناك، ما يؤثر على البيئة في فلسطين"، متوقعاً تراجعاً في أعداد الأحياء البرية وانخفاضاً في عمليات التزاوج والتكاثر.
ويقول رئيس بلدية العوجا: "هذا النبع هو عصب حياة المنطقة بما فيها بلدة العوجا الزراعية، وسيكون الأمر كارثياً على منطقة الأغوار بشكل عام، فالقناة تمتد لحوالي 12 كيلومتراً، وتتفرع إلى برك زراعية تغذي الأراضي الزراعية الممتدة إلى الحدود الشرقية للضفة".
بالنسبة للمجتمع المحلي، هناك أسباب عدة تدفع الاحتلال لتجفيف العين، أهمها طرد التجمعات البدوية التي تعتبر حامياً طبيعياً للأراضي من خلال انتشارها على مساحات كبيرة. وتتعرض العائلات هناك لمضايقات واسعة منها الحد من الوصول إلى المياه. ولهذه العائلات البدوية تاريخ طويل من التهجير لإفراغ الأراضي، فعائلة عطا زايد هجرت من منطقة عين جدي قرب البحر الميت شرق الضفة إثر النكبة، وانتقلت إلى بيت لحم جنوب الضفة، ثم إلى برية دير دبوان ورمون شرق رام الله وسط الضفة. لكن في أواخر السبعينيات، حول الاحتلال الأراضي إلى مناطق عسكرية واضطرت العائلة للانتقال إلى عين الديوك شمال غرب أريحا، ومع إقامة معسكر إسرائيلي هناك انتقلت إلى العوجا.
وتحيط بمكان سكن عائلة عطا داود زايد أربع بؤر استيطانية رعوية وزراعية، معظمها أقيمت قبل أقل من ثلاثة أعوام، وتعرض التجمع لهجوم كبير من المستوطنين في مارس/آذار الماضي، سرقوا خلاله 1500 رأس من الغنم، ويركز المستوطنون على تخريب وتحطيم طرق نقل المياه، فالمكان يبعد عن قناة شلال العوجا 900 متر، وكانت العائلة تنقل المياه عبر صهريج يجره جرار زراعي، لكن المستوطنين يواصلون مهاجمة هذا الجرار، فأصبحوا يأخذون المواشي إلى مسار المياه لتشرب.

ويعد الاستيطان الرعوي آخر الأساليب الإسرائيلية لتهجير التجمعات قرب العوجا، علماً أن مضايقات الاحتلال بدأت بعد العام 2000، بإخطارات هدم، وتنفيذ الهدم لخيام وبركسات العائلات. ولم يكتف بالهدم، بل عمد إلى مصادرة كامل البركسات من ألواح حديدية لمنع الاستفادة منها.
ويشير رئيس بلدية العوجا إلى محاولات حثيثة لإيجاد حلول مع محافظ أريحا وسلطة المياه والمؤسسات الأخرى، لكنها تبقى محصورة بالاستفادة من بعض الآبار الارتوازية المالحة غير الصالحة للشرب لسد جزء بسيط من احتياجات المزارعين، إضافة إلى العمل مع سلطة المياه لتوفير خط مياه للمناطق، أي شراء المياه من شركة مكاروت الإسرائيلية.
أما مدير زراعة أريحا أشرف بركات، فيشير إلى وضع خطة الأسبوع الماضي، لتحديد احتياجات المزارعين والتجمعات البدوية لتوفير تلك الاحتياجات عبر صهاريج نقل، بالإضافة إلى توصيل بعض أنابيب المياه من المناطق والقرى المجاورة.
ويشير إلى وجود جهود سبقت الجفاف الحالي، في ظل منع الاحتلال إقامة أية منشآت فوق الأرض بحجة وجودها بمناطق ج، حيث عملت مع مؤسسات أخرى على عملية إدارة الموارد الطبيعية المتاحة، من خلال تطوير آبار جمع مياه الأمطار، وتطوير الينابيع وصيانتها لتقليص فاقد المياه، وتحويلها للعمل بالطاقة الشمسية، وتوفير برك لتجميع المياه وخزانات مياه، مكنت المزارعين من تخزين المياه التي توزع عليهم من نبع العوجا ضمن إطار الحصص؛ في حال عدم حاجتهم لاستخدامها في الوقت المخصص لهم.

المساهمون