قمة التنمية الاجتماعية ... إعلان الدوحة السياسي يُعتَمد بالإجماع
استمع إلى الملخص
- الأمن الغذائي والفقر: القمة كشفت عن معاناة 670 مليون شخص من الجوع و2.3 مليار من انعدام الأمن الغذائي، مشيرة إلى أن الأزمات ناتجة عن انعدام المساواة والنزاعات وتغير المناخ، مع التأكيد على دعم الدول النامية.
- إعلان الدوحة والتزامات التنمية: الإعلان أكد على القضاء على الفقر وتعزيز العمالة، مع تناول قضايا الرقمنة وحقوق الإنسان، داعياً لتمويل التنمية من خلال إصلاح الهيكل المالي الدولي وتنفيذ أجندة 2030.
نبّهت القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية التي افتتحت أعمالها اليوم في قطر إلى ضرورة حشد الجهود الدولية والتمويل بتريليونات الدولارات، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة الجوع والفقر وتغيّر المناخ.
طرحت القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية، التي انطلقت اليوم الثلاثاء في الدوحة، جملة تحديات أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة وإحراز التقدم في مسار التنمية الاجتماعية. وأكدت أهمية ترجمة "إعلان الدوحة السياسي"، الذي جرى اعتماده بالإجماع، من خلال خطط عمل طموحة تساهم في تحقيق التنمية الاجتماعية والقضاء على الفقر وتوفير فرص العمل اللائق، خصوصاً وسط ما تواجهه المجتمعات من أزمات إنسانية وتحديات اجتماعية واقتصادية متزايدة، ما يُعد فرصة لتجديد الالتزامات وتعزيز التعاون الدولي لتحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر والجوع والتمييز بعد 30 عاماً على قمة كوبنهاغن.
ووفق معطيات رسمية جرى تداولها في أروقة المؤتمر، فإنّ أكثر من 670 مليون شخص في العالم يعانون الجوع، كما أن 2.3 مليار يواجهون انعداماً معتدلاً أو شديداً للأمن الغذائي. وكشفت المعطيات أن أزمة الجوع اليوم ليست جراء نقص الطعام، بل جراء انعدام المساواة والنزاع والخيارات السياسية، منبهة إلى أن تغيّر المناخ يسرّع انعدام الأمن الغذائي، إذ إنّ الاحتباس الحراري قد يدفع بنحو 1.8 مليار شخص إضافي نحو الجوع.
وكانت أعمال القمة انطلقت بمشاركة أكثر من ثمانية آلاف من ممثلي الدول الأعضاء، على مستوى رؤساء الدول والحكومات والوزراء، والأمم المتحدة والمجتمع المدني والأكاديميين والقطاع الخاص والشباب. وفي كلمته الافتتاحية، شدّد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني
، على أنه لا يمكن تحقيق التنمية الاجتماعية في المجتمعات من دون السلام والاستقرار، وقال: "نؤمن بأن السلام الدائم خلافاً للتسويات المؤقتة هو السلام العادل. ولا يُخفى عليكم أن الشعب الفلسطيني الشقيق يحتاج إلى كل دعم ممكن من أجل معالجة الآثار الكارثية التي خلفها العدوان الإسرائيلي الغاشم، والتصدي لعملية بناء نظام فصل عنصري في فلسطين. نحن ندعو المجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهود وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني لإعادة الإعمار وتأمين الاحتياجات الأساسية لهذا الشعب الصامد حتّى تحقيق العدالة وممارسة حقوقه المشروعة على أرضه ووطنه".
وأعرب أمير قطر عن الصدمة من هول الفظائع التي ارتكبت في مدينة الفاشر في السودان، وأكد الإدانة القاطعة لها. وسأل: "هل كنا بحاجة إلى دليل آخر لندرك أن تجاهل العبث بأمن الدول وسيادتها واستقرارها، وسهولة إدارة الظهر للحروب الأهلية وفظائعها لا بدّ أن يقود إلى مثل هذه الصدمات؟ لقد عاش السودان أهوال هذه الحرب منذ عامين ونصف، وقد آن الأوان لوقفها، والتوصل إلى حل سياسي يضمن وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه".
وأكد أن دولة قطر ستظل شريكاً فاعلاً في المجتمع الدولي وداعمة لجهود التنمية الاجتماعية، مشيراً إلى أن هذه القمة مناسبة لتأكيد روح التضامن في مواجهة التحديات التي تعوق النمو الاقتصادي، وتبطئ تحقيق أهداف التنمية البشرية، الأمر الذي يهدد السلم الاجتماعي، وقال أمير قطر إنّ "التنمية الاجتماعية ليست خياراً، بل ضرورة وجودية، ولا بدّ للدول من تطبيق التزاماتها"، معتبراً أن "إعلان الدوحة الذي يؤكد الالتزام برؤية سياسية واقتصادية وأخلاقية للتنمية الاجتماعية، قائمة على الكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان، والمساواة، والسلام سيعطي زخماً لتسريع تنفيذ خطة 2030، وسيمثل خريطة طريق وأساساً متيناً لمعالجة قضايا التنمية الاجتماعية، ولا سيّما الفقر والبطالة والإقصاء الاجتماعي".
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس
، بمزيد من التزام المجتمع الدولي بمكافحة الفقر والتفاوت الاجتماعي، وقال في كلمته: "نحن نبتعد عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والدول النامية لا تحصل على مستوى الدعم الذي تحتاجه"، معبّراً عن أسفه لعدم وجود أي حماية اجتماعية لملايين الأشخاص حول العالم، وأضاف أن إعلان الدوحة أكد تسريع مكافحة الفقر، لافتاً إلى أن نحو 700 مليون شخص في العالم يعانون من الفقر المدقع، وأكد غوتيريس أنه يجب العمل على خطة لحشد 1.3 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2035 لتمويل مكافحة تغيّر المناخ في الدول النامية.وقالت رئيسة الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أنالينا بيربوك، إن اعتماد "إعلان الدوحة السياسي" يمثل شوطاً حاسماً على طريق تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة. وأوضحت أن البطالة العالمية تراجعت من مليار شخص عام 1995 إلى أدنى مستوياتها التاريخية بنسبة 5% عام 2024، كما انخفضت معدلات الفقر المدقع من ثلث سكان العالم إلى نحو مليارَي شخص فقط، وأضافت: "لقد دفعت كوبنهاغن بالملايين إلى الأمام، لكن أعداداً كبيرة بقيت عالقة، وبعضها تراجعت. فاليوم لا يزال 800 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع، كما أن ارتفاع درجات الحرارة يهدّد الأمن الغذائي العالمي، إذ يمكن أن يؤدي ارتفاع درجتَين مئويتين إلى معاناة 200 مليون شخص إضافي من انعدام الأمن الغذائي".
وأكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة لوك بهادور ثابا، أن أكثر من 800 مليون شخص حول العالم ما زالوا يعيشون في حالة فقر مدقع، فضلاً عن أن المليارات منهم يعيشون قرب خط الفقر، وأضاف في كلمته بالقمة، أن 80% من العاملين في أفريقيا و70% منهم أيضاً في آسيا يعانون من ذلك كله. ولفت إلى أن الثروة باتت في أيدي أفراد محدودين، وأن 5% فقط من السكان يعيشون حياة أفضل، وأن مليارَي شخص حول العالم لا يحظون بتغطية وشبكة أمان اجتماعية، ما يسلبهم كرامتهم ويجعلهم مرضى في مهب الأزمات، وهو ما يضعف الثقة بالمؤسسات الحكومية. وقال إن العالم يتطلع إلى ترجمة "إعلان الدوحة" من أجل تحقيق تقدم ملموس وتعزيز التنمية الاجتماعية، مضيفاً: "دعونا نمضي قُدماً من أجل الوحدة والعزم على بناء المجتمعات التي تقوم على الكرامة والمساواة في الفرص والدمج للجميع".
ويُعيد "إعلان الدوحة السياسي"، الذي اعتُمد في الجلسة الافتتاحية للقمة، تأكيد التزامات الدول المشاركة بتحقيق التنمية الاجتماعية، والتذكير بإعلان كوبنهاغن بهذا الشأن، كما يمنح زخماً حقيقياً للتنفيذ على المستويين الوطني والدولي، كونه يشكل إطاراً يوجه الحكومات ووكالات الأمم المتحدة وأصحاب المصلحة نحو مواءمة السياسات والبرامج مع الالتزامات الواردة ضمنه. ويدعو الإعلان إلى دمج هذه الالتزامات في استراتيجيات التنمية والأطر القانونية والسياسات العامة. وقد أعاد إعلان الدوحة السياسي تأكيد مركزية القضاء على الفقر، وتعزيز العمالة الكاملة والمنتجة والعمل اللائق للجميع، والاندماج الاجتماعي، باعتبارها أولويات أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
كما يأخذ الإعلان بعين الاعتبار القضايا المستجدة التي تؤثر في تحقيق هذه الأهداف، مثل الرقمنة والذكاء الاصطناعي، والاتجاه العالمي نحو تراجع ثقة الجمهور بالمؤسّسات، وضمان الوصول العادل إلى التكنولوجيا، وحماية حقوق الإنسان في العصر الرقمي، وكذلك المجال المناخي والقدرة على الصمود من خلال دمج الحماية الاجتماعية التكيفية مع الحد من مخاطر المناخ والكوارث، بما يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (اتفاقية باريس) وإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث، وتتضمّن مجال المساواة بين الجنسين من خلال إزالة الحواجز التي تحول دون المشاركة الكاملة للمرأة في المجتمع، وتقليل أعباء العمل غير المدفوع في الرعاية، والتصدي للعنف والتمييز القائمين على النوع الاجتماعي. ولا تغفل الالتزامات مسألة تمويل التنمية الاجتماعية من خلال المضيّ في التزام إشبيلية لسدّ فجوات التمويل، وإصلاح الهيكل المالي الدولي، وتعزيز التعاون الضريبي، والوفاء بأهداف المساعدة الإنمائية الرسمية.
وعلى مدى الأيام الثلاثة للقمة، ستُعقد ستُّ جلسات عامة ومائدتان مستديرتان رفيعتا المستوى لمناقشة تعزيز ركائز التنمية الاجتماعية، إلى العديد من الفعاليات مثل إطلاق خطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان "الانتقال من الفقر إلى الرخاء"، وإطلاق مرصد التعاونيات العالمي وحلقات قيادة التعاونيات والجمعيات التعاونية الخمسين، إلى جانب إطلاق مبادرة "مستكشف الاقتصاد الرقمي 2025". وتتنوع عناوين الجلسات من "التعليم كأساس للعقد الاجتماعي الجديد"، إلى التنمية المجتمعية لتوسيع نطاق مبادرات إدماج ذوي الإعاقة، إلى منتديات للمجتمع المدني والقطاع الخاص والتحالف العالمي من أجل العدالة الاجتماعية، ومعارض تتضمن مبادرات وشراكات مبتكرة تُسرّع العمل بشأن القضاء على الفقر، والتوظيف، والإدماج الاجتماعي.
ويشمل برنامج عمل القمة تقييم التقدم المحرز ومعالجة الثغرات في تنفيذ التزامات إعلان كوبنهاغن بشأن التنمية الاجتماعية وبرنامج العمل المصاحب له، ودفع عجلة أجندة 2030 للتنمية المستدامة.