يوماً بعد يوم، تتدهور أحوال النازحين اللبنانيين واللاجئين السوريين، لا سيما بعد موجة النزوح الكبيرة من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى شتى أنحاء العاصمة، إثر الغارات الإسرائيلية العنيفة يوم الجمعة الماضي. لم يسلم النازحون الذين لا يزالون يفترشون الشوارع والأرصفة والأزقة من هطول الأمطار فوق رؤوسهم ليل أول من أمس الإثنين، فلا مأوى ولا سقف يحميهم ويقي أطفالهم قسوة البرد ومرارة التهجير.
منذ أيام وهم يختبرون ليالي من الجحيم في العراء، على وقع الغارات المرعبة وأصوات القصف والمسيّرات الإسرائيلية، وما كان ينقصهم سوى تساقط الأمطار وما تحمله من إنذار باشتداد المعاناة مع حلول العواصف والرياح القوية. هؤلاء النازحون لم يحظوا بمأوى آمن في أية مدرسة أو منزل، فافترشوا بحسرة الكورنيش البحري لبيروت من منطقة الرملة البيضاء وعين المريسة إلى محيط مجمّع البيال وساحة الشهداء ورياض الصلح وباحات جامع محمد الأمين، وصولاً إلى منطقة الحمراء ورأس النبع ومعظم شوارع العاصمة.
تأسف ميساء حمادة لحالها وحال عائلتها، وهي التي نزحت من الضاحية الجنوبية لبيروت، وصارت تتنقل في العاصمة، بحثاً عن ملاذ آمن، قبل أن ينتهي بها المطاف على الكورنيش البحري، وتحديداً عند منطقة الرملة البيضاء. ميساء، الأم لولدين، تقول لـ"العربي الجديد": "تساقطت علينا الأمطار ليل أمس، فهرعنا للاحتماء تحت أسقف البنايات، وحاولت تدفئة ولديّ بما أحمله من بضعة ثياب، لكن البرد القارس قادم ونحن متروكون في الشارع بلا مأوى ولا فرش ولا أغطية. الوضع لم يعد يُحتمل، وهناك الكثير من العائلات النازحة التي تنام في الشارع منذ أربع ليالٍ".
وتتحسر على ما آلت إليه الأمور، بالقول: "لولا بعض الخيّرين الذين يقدمون لنا ما تيسر من طعام، لكنا متنا جوعاً. لا أحد ينظر بأحوالنا، حتى أن ولديّ يستحمّان في البحر ثم يرتديان ثيابهما مجدّداً، ناهيك عن الخطر المحدق بي كامرأة تنام في الشارع. لا نعرف من أي خطر سنحتمي، من الغارات والمسيّرات أم من الجوع والعوز والذلّ، أو من أن يتعرّض لنا أحدهم أو من قسوة الأمطار والصقيع المرتقب". تتابع ميساء: "نكاد نختنق من هذا الواقع البائس، ونجد أنفسنا عاجزين عن الخلاص. نعيش أيامنا وليالينا تحت الشمس والمطر، ونستعين بكرتونة ننام عليها، على أمل الفرج القريب".
أما محمد، فيقول لـ"العربي الجديد": "هربنا حفاة عندما هدد جيش الاحتلال بضرورة إخلاء بعض المناطق في منطقة الحدث القريبة من الضاحية الجنوبية، وبقينا في الشارع ننام على الرصيف منذ ليلتين، وأحاول جاهداً أن أجد سقفاً يؤويني مع زوجتي وأطفالي الثلاثة". يتحدث عن حال شقيقه الذي ينام بدوره في العراء مع زوجته وأولاده، ويصف الوضع بالقول: "نعيش ذلاً والآتي أسوأ".
من جهته، يتحدث الشاب جاد المصري عن بؤس الحال، وهو الذي كان متوجهاً إلى عمله عندما شاهد عشرات النازحين يفترشون الطرقات والباحات برفقة أطفالهم في ساحة الشهداء (وسط العاصمة). يقول لـ"العربي الجديد": "من المؤكد أن أحدهم لم يغفُ على وقع أصوات الغارات المدمرة والأمطار التي قررت أن تتساقط على رؤوسهم، وهم في أسوأ أحوالهم، ليستيقظوا على الحقيقة المرّة في العراء والصقيع، من دون مأوى أو أغطية أو فرش وبطانيات". يضيف: "نحن مقبلون على مزيد من الخوف والرعب والقلق، وسط تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية على أمل ألا تطول هذه المحنة".
وتنسحب المعاناة على اللاجئ السوري في لبنان محمود الوهاب، الذي ينام منذ أسبوع برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة على الرصيف أمام إحدى المدارس في محافظة البقاع بعدما رفضوا استقباله، وتعرّض للطرد حتى من الشارع. يقول لـ"العربي الجديد": "حتى الخيمة خسرناها وبقينا بلا مأوى. ينام أولادي على حقيبة الثياب التي حملناها معنا على عجل، ونحن نحرسهم. ومن حظنا أن الأمطار كانت خفيفة، لكن البرد كان شديداً. والمقلق أننا في منطقة معروفة بعواصفها الثلجية القارسة، ما ينذر بالأسوأ". ويسأل: "أين الرحمة والإنسانية؟ لقد تُركنا لمصيرنا وبؤسنا".