مدارس المخيمات السورية تختنق بالطلاب بعد إغلاق عشرات منها

04 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 17:42 (توقيت القدس)
دمرت الحرب البنية التحتية لمدارس سورية، مخيم اليرموك، 23 ديسمبر 2024(Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الطلاب في مخيمات الشمال السوري أزمة تعليمية حادة بسبب الاكتظاظ في المدارس، حيث أُغلقت العديد من المدارس، مما أدى إلى تجاوز المدارس المتبقية لطاقتها الاستيعابية، ويطالب المعلمون بحلول إسعافية مثل إنشاء صفوف مسبقة الصنع.

- يعبر الطلاب وأولياء الأمور عن قلقهم من تدهور جودة التعليم بسبب الاكتظاظ، حيث يجلس الطلاب على الأرض أو يكتظون على المقاعد، مما يعيق قدرتهم على متابعة الدروس بشكل فعال.

- تؤكد مديرة مدرسة الأمل أن الاكتظاظ يؤثر سلباً على جودة التعليم، وتطالب بتدخل عاجل لإنشاء غرف صفية إضافية أو إعادة فتح المدارس المغلقة.

مع بداية العام الدراسي الجديد، يواجه آلاف الطلاب في مخيمات الشمال السوري أزمة متفاقمة نتيجة الازدحام الكبير في المدارس، خاصة بعد إلغاء وإغلاق عشرات المدارس بعد نهاية الموسم الدراسي الماضي بسبب نقص التمويل وتوقعات بعودة النازحين إلى ديارهم، ولم يتبق سوى عدد محدود من المدارس التي باتت تضم اليوم أضعاف طاقتها الاستيعابية بعد تعذر عودة الكثيرين بسبب دمار مناطقهم الأصلية، ليعكس المشهد اليوم واقعاً صعباً وسط صفوف مكتظة، ومعلمين مرهقين، وأطفال يصارعون من أجل حصة تعليمية لا تتجاوز دقائق معدودة. وتتكرر شكاوى الأهالي من أن الأطفال يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى المدارس القليلة المتبقية، ما يزيد من مشقة حياتهم اليومية، فيما يطالب المعلمون بتوفير حلول إسعافية، مثل إنشاء صفوف مسبقة الصنع أو إعادة فتح المدارس المغلقة. 

ويقول الطالب محمد العلي، وهو تلميذ في الصف السادس يقيم في مخيمات مهين شمال دير حسان، بينما يجلس على الأرض في أحد صفوف مدرسته داخل المخيم: "لم تعد هناك مقاعد كافية، فنحن نجلس ثلاثة أو أربعة على المقعد الواحد، وأحياناً أجلس على الأرض، ويصبح من الصعب سماع المعلم أو متابعة الدرس كما يجب". مضيفاً لـ" العربي الجديد": "أحرص كل صباح على الاستيقاظ باكراً لأتمكن من الوصول إلى المدرسة قبل الاكتظاظ، لعلّي أجد مكاناً مناسباً، ومع ذلك، غالباً ما يكون الصف ممتلئاً، فيضطر المعلم إلى شرح الدرس وهو يتحرك بين الطلاب، وكثيراً ما أرفع يدي لطرح سؤال، لكن لا يسمعني أحد بسبب الضوضاء". ويتابع قائلاً: "أحب مادة الرياضيات، لكنني لم أعد قادراً على استيعابها كما ينبغي، المعلم يضطر لشرح الدرس بسرعة، وإذا لم أفهم فلا وقت لديه ليعيد الشرح، أشعر أنني سأرسب هذه السنة بهذه الطريقة، ومع ذلك، أستمر في الحضور إلى المدرسة، فأنا لا أريد أن أتوقف عن الدراسة، ربما يمنحني التعليم مستقبلاً مختلفاً عن حياة المخيم".

الصورة
تحتاج مئات المدارس السورية إلى تأهيل، دمشق، 16 إبريل 2025 (Getty)
تحتاج مئات المدارس السورية إلى تأهيل، دمشق، 16 إبريل 2025 (Getty)

أما والدة الطالبة في الصف السابع لين الأحمد، فتعبر بقلق بالغ عن معاناة أبنائها الدراسية قائلة: "أخشى أن تضيع هذه السنة الدراسية على أولادي، فالصف الواحد يضم أكثر من سبعين طفلاً، والمعلمة مهما بذلت من جهد لا تستطيع متابعة الجميع، وبات التعليم أشبه بالحضور والغياب معاً، من دون أي فائدة حقيقية". مضيفة لـ"العربي الجديد": "نحن عالقون هنا في المخيم، لا نستطيع العودة إلى قريتنا في ريف إدلب الجنوبي بعد أن دمر منزلنا بالكامل جراء قصف عصابات النظام السابق، ولم يعد لدينا مكان نلجأ إليه غير هذه الخيمة، ورغم قسوة الظروف نتمسك ببقاء أولادنا في المدرسة، لأننا لا نريد لهم أن يفقدوا حقهم في التعليم كما فقدوا بيتهم". وتتابع: "أتمنى أن يجد المسؤولون والجهات الداعمة حلاً سريعاً، كإعادة فتح المدارس المغلقة أو إنشاء صفوف إضافية، حتى يحصل أطفالنا على فرصة حقيقية للتعلم، فالتعليم هو الأمل الوحيد المتبقي لهم وسط هذا الخراب".

من جانبها أوضحت مديرة مدرسة الأمل في مخيم قاح شمال سورية، أميرة الخطيب، أن حجم التحديات التي تواجهها المدارس في المخيمات بات يفوق أي قدرة على الاستيعاب. وأشارت إلى أن المدرسة التي تديرها كانت مهيأة لاستقبال نحو 400 طالب فقط، لكنها تضم اليوم أكثر من 1100 طفل، أي ما يزيد عن ثلاثة أضعاف طاقتها الطبيعية. مؤكدة أن هذا الاكتظاظ ينعكس مباشرة على جودة العملية التعليمية، إذ لا يتمكن المعلمون من متابعة الطلاب كما يجب، كذلك يؤثر أيضاً على الانضباط داخل الصفوف وعلى الوضع الصحي، في ظل صعوبة ضبط العدد الكبير من التلاميذ في قاعات ضيقة. وبيّنت الخطيب في حديثها لـ"العربي الجديد" أنهم حاولوا التخفيف من حدة الاكتظاظ عبر اعتماد نظام الدوام على فترتين، صباحية ومسائية، غير أن هذا الإجراء لم يسفر إلا عن نتائج محدودة، إذ بقيت الصفوف مزدحمة بشكل يفوق قدرة المعلمين والطلاب على الاحتمال. 

وقالت إن الحلول الجزئية والمؤقتة لم تعد قادرة على مواجهة أزمة بهذا الحجم، مؤكدة أن الأمر يتطلب تدخلاً عاجلاً يضمن إنشاء غرف صفية إضافية أو إعادة فتح المدارس التي توقفت عن العمل وأغلقت بعد انتهاء الموسم الدراسي الماضي بناءً على تقديرات وزارة التربية بأن الأهالي سيعودون إلى قراهم ومناطقهم عقب "التحرير"، لكن الواقع الميداني أثبت عكس ذلك. فمعظم تلك المناطق ما زالت مدمرة أو غير صالحة للسكن، ما حال دون عودة السكان، وأجبر عشرات الآلاف على البقاء في المخيمات. وترى الخطيب أن هذا الخطأ في التقدير ضاعف من معاناة الأسر وأدى إلى تراكم أعداد الطلاب في مدارس محدودة لا تستطيع استيعابهم.

وإلى حين حل المشكلة من المعنيين، يبقى آلاف الأطفال مهددين بالتسرب من التعليم نتيجة نقص البنية التحتية، وغياب الكادر التدريسي الكافي، وتفاقم مشكلة الاكتظاظ، ليعيد هذا الواقع إلى الواجهة المخاطر بعيدة المدى لحرمان جيل كامل من حقه الأساسي في التعلم.
 

المساهمون