موروثات مجتمعية تعوّق عمل المرأة الأردنية

08 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 01:42 (توقيت القدس)
المفاهيم التقليدية تتحكم في مهنة النساء في الأردن، 20 إبريل 2021 (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه النساء في الأردن تحديات كبيرة في سوق العمل بسبب القيود المجتمعية وانعدام تكافؤ الفرص وغياب البيئة الآمنة، حيث أن أكثر من 85% منهن غير ناشطات اقتصادياً، رغم التغييرات القانونية الإيجابية.

- تظهر فجوة كبيرة في معدلات البطالة بين الجنسين، حيث تبلغ البطالة بين النساء 31.2% مقارنة بـ 18.6% بين الرجال، بسبب محدودية الفرص وبيئة العمل غير الملائمة وضعف النقل العام.

- تعاني الجهود لزيادة مشاركة المرأة في العمل من عدم فعالية بسبب غياب خطة وطنية متكاملة والعوامل الاجتماعية والجندرية، مما يؤدي إلى انخفاض نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة إلى 14.5%.

تحدّ القيود المجتمعية وانعدام تكافؤ الفرص وغياب البيئة الآمنة في الأردن من انخراط النساء في سوق العمل، بالتالي فإنّ أكثر من 85% منهنّ غير ناشطات اقتصادياً على الرغم من التغييرات الإيجابية الأخيرة في القوانين.

ما زالت المرأة الأردنية ضحية المفاهيم الاجتماعية والاختلالات الهيكلية في سوق العمل، حيث إن مظاهر الإقصاء الاقتصادي للنساء لم تشهد أي تغيير حقيقي. وهذا ما تكشفه البيانات الصادرة حديثاً عن دائرة الإحصاءات العامة في الأأردن (حكومية) بشأن معدلات البطالة في الربع الأول من العام 2025، والتي أظهرت فجوة كبيرة بين الجنسين. فقد بلغت نسبة البطالة بين الإناث 31.2% مقابل 18.6% بين الذكور، ضمن معدل بطالة عام بلغ 21.3%، وذلك في بيئة اقتصادية وتشريعية غير مواتية للنساء، رغم ارتفاع مستويات تأهيلهن العلمي وتوسع أدوارهن.

وبحسب بيانات جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" (مجتمع مدني)، فإن سوق العمل الأردني شهد خلال العقد الماضي ارتفاعاً حاداً في معدلات البطالة، إذ ارتفع المعدل العام من 11.9% عام 2014 إلى 21.4% عام 2024، إلا أن هذه الزيادة كانت أكثر حدة لدى النساء، فقد قفزت بطالة الإناث من 20.7% إلى 32.9%، في حين ارتفعت بطالة الذكور من 10.1% إلى 18.2%، فيما بلغت نسبة المشاركة الاقتصادية الكلية 34.1% في العام 2024، منخفضة من 36.4% في العام 2014.

ووفقاً لجمعية "تضامن" فإن أبرز القيود المتجذرة التي تعيق المشاركة الاقتصادية للنساء في الأردن تتمثل بمحدودية فرص العمل الملائمة والآمنة، والانسحاب المبكر من سوق العمل، وتدني مستوى الخدمات الداعمة مثل النقل العام، وضعف الحماية من العنف الاقتصادي والتحرش في أماكن العمل، واستمرار الصور النمطية حول أدوار النساء.

وتقول الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الاقتصاد النسوي (مجتمع مدني) في الأردن ميادة أبو جابر لـ"العربي الجديد" إن العقد الأخير شهد تغيراً كبيراً في السياسات والقوانين المتعلقة بعمل المرأة، مثل المساواة في الأجور، وتوفير حضانات لأطفال العاملات، والعمل المرن، وفتح أعمال كانت مغلقة أمام المرأة، ومواجهة التحرش. لكن للأسف المجتمع لا يتقبل عمل المرأة في أعمال معينة، رغم وجود بعض الاستثناءات. ففي بعض المناطق السياحية، يرفض عدد من السكان عمل المرأة في المطاعم والفنادق، أو في بعض المشاريع الإنتاجية. ومع ذلك، بدأ الأمر يتغير ببطء، حيث نجد عدداً قليلاً من النساء يعملن في فنادق، لكن ذلك ارتبط بقدرتهن على إقناع أسرهنّ.

وتوضح أبو جابر أن تداخل بعض السياسات في الأردن هو أحد أسباب ارتفاع نسبة البطالة في البلاد؛ هناك الأردنيات لا يرغبن في خسارة نصيبهنّ من رواتب آبائهنّ المتوفين عبر مؤسسة الضمان الاجتماعي، والذي تفقده المرأة عند عملها، وكذلك بعض النساء اللواتي يتلقين مبالغ من صندوق المعونة الوطنية، حيث يخسرنها عند التحاقهنّ بالعمل. لذلك، لا يعملن أو يلجأن إلى العمل في القطاع غير المنظم، كي لا يتم تسجيلهن في الضمان الاجتماعي. وتشدد أبو جابر على أهمية توفير بيئة مساعدة لعمل المرأة، خصوصاً أن الكثير من النساء يعزفن عن دخول سوق العمل بسبب المواصلات، إن لناحية كلفتها أو مدى أمنها وأمانها، ولا سيما وسائل النقل غير المرخصة، خوفاً من التعرض للتحرش أو المضايقات. وتشير إلى أن مؤسسة الاقتصاد النسوي تعمل على مشروع "وصلنا بالسلامة" في العاصمة عمّان، بالتعاون مع الجهات المختصة، لجعل المواصلات أكثر أماناً بالنسبة للمرأة.

الصورة
يواجهن التمييز رغم تخطّي عدد الإناث الجامعيات نسبة الذكور، عمّان، 23 أبريل 2007 (جايسون لاركن/Getty)
تواجه الأردنيات التمييز رغم تفوق عدد الطالبات الجامعيات مقارنة بزملائهم الذكور، 23 إبريل 2007 (جايسون لاركن/Getty)

وتقول مديرة البرامج في جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان (مجتمع مدني) رانيا الصرايرة لـ"العربي الجديد" إن نسبة البطالة بين النساء في الأردن تجاوزت 31% وفقاً للأرقام الرسمية، وهي من أعلى النسب في المنطقة، لكنها ليست نتيجة نقص فرص العمل فحسب، بل نتيجة تحديات بنيوية واجتماعية عميقة. ومن أسبابها محدودية الفرص في قطاعات يُنظر إليها على أنها مناسبة اجتماعياً للنساء، مثل التعليم والصحة، مقابل ضعف مشاركة المرأة في قطاعات النمو الاقتصادي. وكذلك بيئة العمل غير الملائمة من حيث غياب المرونة، وعدم توفير حضانات، وانتشار التحرش وعدم وجود آليات حماية فاعلة، إضافة إلى ضعف منظومة النقل العام، خصوصاً في المناطق الطرفية، ما يضاعف التكاليف ويحد من قدرة الوصول إلى أماكن العمل. وكذلك الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، حيث تتجه معظم الأردنيات إلى تخصصات نظرية لا تجد طلباً في السوق.

وحول عدم فعالية الجهود، تعيد الصرايرة ذلك إلى غياب خطة وطنية متكاملة تربط بين السياسات الاقتصادية والتعليم والنقل والرعاية من منظور النوع الاجتماعي، إضافة إلى الاعتماد على مبادرات تدريبية قصيرة المدى لا ترتبط بسوق العمل، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية، وتكرار المبادرات من دون تقييم حقيقي للأثر. وتؤكد أن العوامل الاجتماعية والجندرية تشكل عائقاً حقيقياً أمام انخراط المرأة الأردنية في سوق العمل. فالرؤية التقليدية لدور المرأة، التي تختزلها بدور الزوجة والأم، لا تزال حاضرة بقوة في الثقافة المجتمعية، كما أن العديد من الأسر لا تزال ترى أن عمل المرأة أمر ثانوي يمكن الاستغناء عنه، ولا سيما إذا كانت متزوجة. وهذا يُقلّل من دعم الأسرة لعمل المرأة، ويجعلها تُفاضل بين أدوارها الاجتماعية والمهنية، تحت ضغط كبير.

وتضيف مديرة البرامج في جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان أن بيئة العمل في كثير من القطاعات غير مرحبة بالمرأة، من حيث ساعات الدوام، والأمان الوظيفي، والحماية من التحرش، وغياب نظم واضحة للمساءلة. يضاف إلى ذلك فجوة الأجور بين الجنسين، وعدم تكافؤ الفرص في الترقية والمناصب القيادية، ما يدفع العديد من النساء إلى رفض فرص العمل أو الانسحاب منها لاحقاً.

وترى الصرايرة أن نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة البالغة 14.5% فقط، هي مؤشر صادم، في بلد تتخطى فيه نسبة الإناث الحاصلات على تعليم جامعي، تلك النسبة المرتبطة بالذكور. ما يعني أن أكثر من 85% من النساء في سن العمل غير ناشطات اقتصادياً، أي لا يعملن ولا يبحثن عن عمل. وهذه الدلالة خطيرة لأنها لا تعكس فقط غياب فرص العمل، بل أيضاً فقدان الحافز أو الأمل أو القدرة على دخول سوق العمل، وهو ما يرتبط بالمعوّقات الاجتماعية وغياب السياسات الداعمة لدمج النساء. كما تظهر هذه النسبة أن الاستثمار في التعليم لم يُترجم مشاركة فعلية في الاقتصاد، وهو ما يُعدّ هدراً للموارد البشرية، ويضعف من قدرة الاقتصاد الأردني على تحقيق النمو الشامل.

المساهمون