سفن الحرية... قوافل الأمل في مواجهة الحصار

29 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 08:27 (توقيت القدس)
إحدى سفن أسطول الصمود المدني راسية في ميناء برشلونة، 2025/9/1 (لويس جين/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تستمر "سفن الحرية" في محاولاتها لكسر الحصار على غزّة، حاملةً مساعدات رمزية ورسالة بأن غزّة ليست وحدها، رغم التهديدات القانونية والعسكرية.
- تعترض إسرائيل السفن في المياه الدولية، مما يثير تساؤلات حول انتهاك القانون الدولي، وتصف منظمة العفو الدولية هذه الاعتراضات بأنها غير قانونية، مما يبرز الحاجة لحماية القوافل الإنسانية.
- يبقى الموقف العربي الرسمي محدودًا، مقتصرًا على بيانات تنديد، بينما دعمت بعض الدول القوافل عبر منظمات مدنية، مما يجعل "سفن الحرية" اختبارًا للضمير الإنساني والقانون الدولي.

عجزت أمواج البحر والخذلان العربي عن إيقاف ركب السفن المحمّلة بالأمل، وما تزال "سفن الحرية" مستمرة في طريقها إلى قطاع غزّة المحاصر، في محاولة لاختراق جدار العزلة المفروض على أكثر من مليوني إنسان منذ سنوات. هذه السفن لا تحمل مساعدات رمزية فحسب، بل تنقل أيضًا رسالةً أخلاقيةً عالميةً مفادها: غزّة ليست وحدها.

في الوقت الذي أطبق فيه الصمت على مختلف حكومات العالم، قررت الشعوب التحرك، وأخذ زمام المبادرة. فبينما تتردّد العواصم، يرفع المدنيون راياتهم في وجه الظلم، ومع كلّ قافلة تبحر، تتجدد الرسالة: لا للحصار، لا للصمت. لكن الطريق إلى غزّة ليس سهلًا، فالمبادرات المدنية تواجه اعتراضاتٍ عسكريةً، وتوقيفات، وملاحقات قانونيةً، وتهديدات مباشرةً، رغم ذلك، تستمر القوافل، حتّى لو لم تصل إلى وجهتها، فهي على الأقلّ تكسر حاجز الصمت، وتفتح باب المساءلة.

السياق الراهن: كارثة إنسانية

منذ اندلاع الحرب/ العدوان الأخير، وإطباق الحصار برًا وجوًا وبحرًا، تدهورت الأوضاع في قطاع غزّة تدهورًا غير مسبوق، إذ يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، في ظلّ دمار واسع للبنية التحتية، وسقوط آلاف الضحايا المدنيين. في هذا السياق المأساوي، برزت مبادرة "سفن الحرية"، مبادرةً مدنيةً تهدف إلى إيصال مساعدات رمزية، وكسر الحصار المادي والسياسي والإعلامي المفروض على القطاع.

ورغم أبعاد القضية الإنسانية والسياسية يبقى الموقف العربي الرسمي في الحدّ الأدنى الذي يفرضه الضمير الإنساني، إذ اقتصرت أغلب ردات الأفعال على بيانات هزيلة من تنديد واستنكار

قضية سفينة "مدلين"؛ التي انطلقت رحلتها من ميناء كاتانيا في جزيرة صقلية في الأول من يونيو/حزيران 2025، محمّلةً بمساعدات إنسانية رمزية، تتضمن موادًا غذائيةً، وأدوات طبيةً، وعددًا من النشطاء، من بينهم الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ، والبرلمانية الفرنسية الفلسطينية ريما حسن، كانت محور اهتمام الإعلام الغربي، ما اضطره إلى الاعتراف بحقيقة أن ما يجري في القطاع المحاصر هو حرب إبادة جماعية.

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، في الثامن من يونيو 2025، أنّه: "أعطى تعليماته للقوات المسلحة لمنع اليخت "مدلين"، الذي يرفع العلم البريطاني، من الوصول إلى شواطئ غزّة... غريتا ثونبرغ انضمت إلى المهمة للاحتجاج على الحصار الإسرائيلي المفروض على غزّة..."، وفقًا لما نشرته وكالة رويترز.

بالفعل، تم اعتراض السفينة في المياه الدولية، واعتقل طاقمها المكوّن من 12 شخصًا، وسحبت السفينة إلى ميناء أشدود، وقد وصفت منظمة العفو الدولية هذه العملية بقولها: "كانوا غير مسلحين، ويتصرفون بما يتوافق تمامًا مع القانون الدولي وقانون الملاحة البحرية. ومع ذلك... تم اعتراضهم في المياه الدولية واحتجازهم بطريقة غير قانونية..".

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

بعد يومين من العملية، بدأت إسرائيل في ترحيل ستة من النشطاء، من بينهم مواطنون من فرنسا والبرازيل وألمانيا وهولندا وتركيا. وقد فُرض عليهم حظر دخول إلى إسرائيل لمدة مائة عام، بحسب ما أفادت منظّمات حقوقية إسرائيلية.

في 27 يوليو/تموز 2025، اعترضت البحرية الإسرائيلية سفينة "حنظلة"، على بُعد نحو 40 ميلًا بحريًا من شواطئ غزّة أثناء حملها مساعدات غذائية وطبية، إضافة إلى ناشطين وإعلاميين. وقد وصف "ائتلاف أسطول الحرية" العملية بأنّها: "اعتراض عنيف، رغم أن الحمولة كانت مدنية بالكامل، ومخصصة للتوزيع المباشر على السكان الذين يواجهون تجويعًا وانهيارًا طبيًا بسبب الحصار البحري غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل"، وفقًا لصحيفتي الغارديان ويورونيوز. من جهته، وصف مكتب الإعلام الحكومي في غزّة الحادث بأنّه: "قرصنة بحرية صارخة وانتهاك فاضح للقانون الدولي البحري وقواعد الملاحة".

اعترافات الصحافة العالمية والخذلان العربي

سلطت وكالة رويترز الضوء في الثامن من يونيو 2025 على "انضمام الناشطة غريتا ثونبرغ إلى المهمة للاحتجاج على الحصار الإسرائيلي على قطاع غزّة..."، كما نشرت صحيفة الغارديان في التاسع من الشهر نفسه "اتهام ائتلاف أسطول الحرية إسرائيل باعتراض السفينة "مدلين" قسريًا... إذ اختطف الطاقم المدني الأعزل... وصودرت شحنتها التي تحتوي على حليب أطفال، وطعام وإمدادات طبية...". ومن جانبها قالت قناة يورونيوز في 27 يوليو 2025 إن: "كل الشحنات كانت مدنية وغير عسكرية، وتهدف إلى التوزيع المباشر على السكان الذين يواجهون الجوع والانهيار الطبي".

في هذا السياق المأساوي، برزت مبادرة "سفن الحرية"، مبادرةً مدنيةً تهدف إلى إيصال مساعدات رمزية، وكسر الحصار المادي والسياسي والإعلامي المفروض على القطاع

كما أكّدت منظمة العفو الدولية على "اعتراض النشطاء في المياه الدولية من دون أيّ أساس قانوني، ما يمثّل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي"، كما وصفت وكالة الأناضول في 27 يوليو 2025 حادثة سفينة حنظلة بأنّه "اعتداء سافر وقرصنة بحرية، ويجب على المجتمع الدولي حماية القوافل الإنسانية المتجهة إلى غزة".

ورغم أبعاد القضية الإنسانية والسياسية يبقى الموقف العربي الرسمي في الحدّ الأدنى الذي يفرضه الضمير الإنساني، إذ اقتصرت أغلب ردات الأفعال على بيانات هزيلة من تنديد واستنكار، من دون اتخاذ أيّ خطوات عملية، أو دبلوماسية مؤثرة.

دعمت بعض الدول القوافل من خلال منظّمات مدنية، لكن لم تُسجَّل أيّ مبادرة عربية رسمية لإرسال قافلة بحرية، أو توفير حماية لوجستية، وغالبًا ما تُبرّر هذه المواقف بالخوف من التداعيات الأمنية، أو الحفاظ على توازن العلاقات مع القوى الدولية وإسرائيل.

تقر المواثيق الدولية، مثل اتفاقيات جنيف وميثاق الأمم المتحدة، بالحق في إيصال المساعدات الإنسانية أثناء النزاعات، وبحماية المدنيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. يثير اعتراض سفن تحمل مساعدات في المياه الدولية أسئلة قانونية مهمّة تتعلق بالقانون البحري الدولي، وقوانين النزاع المسلّح، إذ تؤكّد منظّمة العفو الدولية اعتراض "مدلين" خارج المياه الإقليمية الإسرائيلية، ما يعني اختراق الاحتلال القانون الدولي من دون اكتراث.

أما وصف مكتب الإعلام في غزّة العملية بـ"القرصنة البحرية"، فليس مجرد تعبير سياسي، بل محاولة لتأطير الانتهاك قانونيًا، بهدف تقديم شكوى أمام مؤسسات دولية، مثل الأمم المتّحدة، ومحكمة العدل الدولية، والمحاكم الأوروبية لحقوق الإنسان.

سفن الحرية، رغم بساطتها الظاهرية، هي اختبار حيّ للضمير الإنساني والقانون الدولي، ففي وقت تتراجع فيه الحكومات، وتختبئ خلف ذرائع تحالفاتها، يبرز من بين شعوب العالم من يقرر أن الكرامة لا تُوهب، بل تُنتزع بالإرادة والشجاعة. هذه القوافل لا تطالب بالمستحيل، بل بأبسط الحقوق: الغذاء والدواء والماء، وإذا مُنعت من الوصول، فإنّ الأهم توثيق الانتهاكات، ومساءلة مرتكبها ومن تغاضى عنها. لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم لم يعد: "من يتضامن مع غزّة؟"، بل: من سيتحرّك فعليًا؟ ومن سيكسر الصمت، كما تُحاول هذه السفن كسر الحصار؟

المساهمون